الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

عيسى (عليه السلام) يُكلم الناس في المهد؛ قصة وعبرة

الحلقة: العشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1441 ه/ مارس 2020م

أخذت مريم عليها السلام بإرشادات وليدها عيسى عليه السلام، فأكلت من الرطب وشربت من الماء، وبعدما رجعت لها قوتها حملت ابنها معها وتوجّهت إلى أهلها.
1- مريم تحمل ابنها وتتجه إلى قومها:
وهناك كانت الدهشة والمفاجأة لهم وقد صورت الآيات بعض ما جرى:
قال تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ (مريم: 27- 33).
- (فأتت به قومها تحمله):
أتت مريم رضي الله عنها قومها وأهلها المقربين، وكانت تحمل ابنها عيسى عليه السلام، وكانت في غاية القوة والشجاعة والثقة والطمأنينة؛ لأنها توقن أن الله معها، وتعلم أنها لم ترتكب خطأً، والله هو الذي خلق في رحمها عيسى فلماذا تخشى مواجهتهم، وقد وصلت مريم أهلها، ونظروا إليها وقد سيطرت الدهشة عليهم، إن ابنتهم طاهرة عذراء عفيفة، وهم يعلمون هذا عن يقين، فماذا الذي يرونه منها؟ لقد أنطقتهم الدهشة والمفاجأة بعبارة ساخرة متهمينها.
- (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً):
كان في عبارتهم اتهام غير صريحٍ لمريم، والذي دفعهم إلى عدم اتهامها بصراحة - فلم يقولوا لها: لقد ارتكبت فاحشة الزنا- هو إيمانهم بالله وتقواهم لله، وتحرّجهم من قذف الصالحة بالفاحشة، ثم ما عرفت له مريم من صلاح وعبادة وعفاف وطهارة، مما يجعلها بعيدة عن الفاحشة، لكنهم رأوا وليداً على حضنها، وهو أمر غريب مريب يدعو إلى الريبة، فكيف يوفقون بين ما يعرفونه عنها من عفة وطهارة وبين ما يشاهدونه بين يديها؟
اكتفوا بقولهم لها بأنها جاءت بأمر عظيم فظيع، لا يتفق مع ماضيها الذي عهدوه منها، ولا مع أسرتها التي نشأت فيها، بين والدين صالحين وأخ صالح.
ومعنى قولهم لها (يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً): لقد جئت بشيء عظيم، وأحدثت حدثاً عجيباً، وهو الوليد الذي تحملينه، فمن أين لك به؟.
2- استقامة أسرتها وهارون شقيق لها:
وقد أشار قومها إلى طهارة منبتها، وعفة أفراد أسرتها واستقامة أخيها ووالدَيها، فقالوا: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ (مريم: 28)، فأبوها رجل صالح عفيف (ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)، ما كان سيئاً يأتي بالفواحش، وأمها امرأة صالحة عفيفة (وما كانت أمك بغيا): ما كانت بغية زانية.
وتوافقت شهادة قومها لأمها بطهارتها وعفتها عندما نفوا عنها البغاء (وما كانت أمك بغيا)، مع شهادتها هي لنفسها، عندما جاء جبريل عليه السلام لينفخ فيها بعيسى ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ (مريم: 20). فأمّها ما كانت بغياً زانياً، وهي ما كانت بغياً زانياً.
وقد اختلف العلماء في قولهم (يا أخت هارون)، فذهب بعضهم إلى أنه لا يراد بها الأخوة الحقيقية، وإنما الأخوة (التشبيهية)، فأرادوا تشبيهها بهارون شقيق موسى عليهما السلام، تشبيهها به في العبادة والعفة والصلاح والمعنى: يا شبيهة هارون النبي في العبادة من أين هذا الوليد؟
وذهب الجمهور إلى أن الأخوة هنا أخوة حقيقية، وأنها شقيقة لهارون، وهارون المذكور هنا، ليس النبي الكريم شقيق موسى عليهما السلام، فبينهما عدة قرون، وإنما هو هارون آخر.
والراجح هو قول الجمهور؛ لأنه ورد فيه حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى مسلم والترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا: ألستم تقرؤون (يا أخت هارون)؟ قلت: بلى. قالوا: وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم".
فهذا الحديث الصحيح صريح في أن هارون أخ شقيق لمريم سماه أبواه باسم هارون النبي عليه السلام.
3- استغراب قومها من إشارتها إلى وليدها:
ولما سمعت مريم كلام قومها، عزّ عليها اتهامهم الضمني لها، ولو تكلمت فقد لا يسمعون لها ثم هي ناذرة للرحمن صوماً عن الكلام. وبما أنها سمعت كلام وليدها لها فور ولادته، فإنها أحالت الجواب عليه.
(فأشارت إليه): أشارت إلى عيسى، وكأنها تقول لهم لا تسألوني أنا، بل اسألوه وكلموه. ولم ترد الإشارة في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع من القرآن، والإشارة قد تكون باليد أو العين أو الرأس أو غيرها، لتدل على معنى من المعاني.
وفهم القوم إشارتها، إنها تدعوهم لسؤاله هو فزاد استغرابهم وتعجبهم وغيظهم إنهم يسألونها مستنكرين، وهي تسخر منهم وتقابل سؤالهم بصمت، وتشير إلى وليد لم تمض على ولادته إلا ساعات ليتولى هو الكلام معهم، ولهذا سألوها مستنكرين (كيف نكلم من كان في المهد صبياً)؟ كيف نسأل طفلاً وهل يفهم سؤالنا؟ وإذا فهم سؤالنا هل يقدر أن يجيبنا؟ وما عهد عن طفل في المهد وليد قبل ساعات أو أيام الكلام والواضح المفهوم. و(كان) هنا تامة بمعنى (وجد) وفاعلها: ضمير مستتر يعود على ابنها (صبياً) حال.
والمعنى: كيف نكلم من وجد في المهد صبياً؟ والمراد بالمهد هنا حجر أمه، لأنهم يشاهدونها وهي تحمله. والمهد والمهاد: المكان الممهد الموطأ. وأما (المهد) فقد ورد في القرآن ثلاث مرات، في سياق الحديث عن عيسى عليه السلام.
وكان عيسى عليه السلام وهو في حضن أمه لم تمض على ولادته إلا عدة ساعات يعي ما يجري حوله وعياً معجزياً، ويسمع كلام القوم إلى أمه سمعاً معجزياً، وكان هذا الوعي والسماع معجزة من الله.
ولما سمع سؤالهم لأمه (كيف نكلم من كان في المهد صبياً)؟ كان يعلم أن أمه لن تجيب على السؤال؛ لأنه هو الذي أمرها ألا تجيب عن أيّ سؤال، فتطوع هو للإجابة، وقدم نفسه إلى القوم وعرفهم على نفسه وعلى ما سيكون منه في المستقبل.
وفتح القوم عيونهم مبهورين مما يشاهدون وأصغوا سمعهم مشدوهين مما يسمعون، وسيطرت المفاجأة على كيانهم كله، أهذه حقيقة أم خيال؟ أحقاً يشاهدون طفلاً يتكلم؟ أحقاً هذا صوت طفل عمره ساعات يدخل آذانهم ومسامعهم؟ أم هم متخيلون واهمون؟
إنها حقيقة قاطعة، وإن كلام هذا الطفل معجزة، يسمعه هؤلاء القوم المؤمنون، فيزداد إيمانهم بالله عزَّ وجل.
4- البداية الإيمانية في بيان الوليد عيسى عليه السلام:
قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ (مريم: 30 : 33).
بدأ عيسى عليه السلام كلامه بأن الله وحده هو الإله الرب، لا يشاركه أحد في ألوهيته وربوبيته، وأنه عبد الله، عبد مخلوق، خلقه الله خلقاً خاصاً بمعجزة خارقة، بدون أب، وأنه عبد الله وليس شريكاً له ولا ابناً له.
قال الإمام ابن كثير: "أول شيء تلكم به أن نزّه جناب ربه تعالى وبرّأه عن الولد وأثبت لنفسه العبودية لربه".
فالله وحده هو الرب الإله، وكل ما سواه له عبد، وأي خلط بين الإله والعبد يعتبر كفراً بالله وشركاً به، فإذا ما رفع قوم عبداً من عبيد الله وجعلوه ندّاً لله صاروا كفاراً مشركين بالله.
وهذه البداية الإيمانية لعيسى عليه السلام التي بدأ بها وهو طفل في المهد يقرر فيها أنه عبد الله، وأن الله وحده هو الرب، تكذيب مبكر لما سيقوم به - بعض الناس- فيما بعد عندما ادّعوا أنه ابن الله، وبعدما نصَّ على عبوديته لله تحدث عما سيعطيه الله في المستقبل فقال (آتاني الكتاب وجعلني نبياً)، وهذا على تقدير المستقبل: سيؤتيني الكتاب، ويجعلني نبياً، والمراد بالكتاب هنا الإنجيل، الذي سيؤتيه الله إياه ويجعله مصدقاً للتوراة قبله.
لم يتكلم عيسى الوليد بهذا الكلام من نفسه وإنما كان بإلهام من الله، ألهمه أن يقول هذا القول، وأخبره أن سينزل عليه الإنجيل، وسيجعله نبياً رسولاً.
وإذا كان قوله (إني عبد الله) تكذيباً مبكراً لما سيزعمه - بعض الناس- من بنوّته لله من بعض فرق النصارى، فإن قوله (وجعلني نبياً) تكذيب مبكر لما سيزعمه اليهود، حيث سيكفرون به وينكرون نبوته ويحاولون قتله.
وقول عيسى عليه السلام بعد ولادته (إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً)، هو تطبيق عملي للوعد الذي بشر به جبريل عليه السلام مريم قبل فترة من حملها بعيسى ووضعها له وهو الذي ذكر قوله تعالى: ﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (آل عمران: 45- 46).
وقوله تعالى: ﴿ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ (آل عمران: 48- 49).
‌أ- معنى كون عيسى مباركاً:
تابع عيسى عليه السلام تقديم نفسه بكلامه الواضح المبين، (وجعلني مباركاً أين ما كنت): الله بارك وأفاض بركته عليه، فصرت مباركاً أين ما كنت ووجدت، و(كنت) هنا: فعل ماض تام، بمعنى (وجدت)، والتاء: ضمير متصل في محل رفع فاعل. و(كنت) فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله. والتقدير: أين ما كنت ووجدت فقد جعلني الله مباركاً.
و(مباركاً): اسم مفعول لأنه حلت البركة من الله. ومع أنها عامة في معناها، شاملة بجميع صور البركة، إلا أن بعض السلف ذكر بعض مظاهر هذه البركة. قال مجاهد: (مباركاً): جعلني نفاعاً، وقال سفيان الثوري: (جعلني مباركاً أين ما كنت): جعلني معلماً للخير حيثما كنت. (وجعلني مباركاً أين ما كنت: على أن بركته: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان).
‌ب- (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً):
هذا على ما سيكون في المستقبل: أي سيوصيني بالصلاة والزكاة طيلة حياتي، أي: أوصاني بالقيام بحقوقه التي من أعظمها الصلاة، وحقوق عباده التي من أجلِّها الزكاة، مدة حياتي أي: فأنا ممتثل لوصية ربي، عامل عليها منفذ لها. وفي ذلك إشارة إلى أن التكاليف الشرعية لا تسقط عن العبد ما دام حياً عاقلاً.
‌ج- عيسى بارٌّ بأمه:
(وبرّاً بوالدتي): وجعلني الله برّاً بوالدتي مريم، والواو: حرف عطف. (وبرّاً): معطوف على (مباركاً). والمعنى: جعلني الله نبياً وجعلني مباركاً، وجعلني برّاً لوالدتي. ومعنى ذلك: التوسع في الإحسان إلى والدتي ووصلها. أي: لم يجعلني مستكبراً على الله فيما أمرني به نهاني عنه، ولكنه جعلني متواضعاً له متذللاً في طاعته.
وتشير الآية إلى جانبين: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (مريم: 32)، الجانب الإيجابي في شخصية عيسى السوية عليه السلام، وهو برُّه بوالدته، والجانب السلبي الذي نزَّه الله شخصيته السويّة، فلم يجعله جباراً شقياً.
ومن كان عاقَّاً لوالديه كان جباراً شقياً عصياً؛ لأنه إذا لم يكن بارّاً بوالديه، فكيف يكون رحيماً بالآخرين؟ ومن لا خير فيه لوالديه لا خير فيه للآخرين، قال بعض أهل العلم: لا تجد عاقَّاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً، ثم قرأ (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (مريم: 32). ولا تجد سيء الملكة والمعاملة إلا وجدته مختالاً فخوراً، ثم قرأ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36).
وإذا وردت كلمة (جباراً) في القرآن وصفاً للإنسان، فإنها لا تكون إلا للذمّ؛ لأنه لا يكون جباراً إلا من كان مختالاً متكبراً وشقياً عاصياً، والإنسان الصالح لا يتجبَّر، لأنه يعلم أن العظمة والجبروت لله، فيتواضع بين يدي الله ويرحم الآخرين من عباد الله.
ولأن وصف الإنسان بأنه جبار ذمٌّ له، فقد نزَّه الله نبيَّه عيسى عليه السلام عنه، (ولم يجعلني جباراً شقياً)، ونزَّه أيضاً معاصره يحيى عليه السلام عنه، حيث أخبره عنه بقوله (وبرَّاً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً)، وعيسى عليه السلام ليس جباراً شقياً.
‌د- السلام على عيسى دليل على بشريته:
قال تعالى: ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ (مريم: 33). وقد أخبر عيسى عليه السلام قوم مريم أن الله أضفى عليه السلام والأمان في المواضع الثلاثة الحرجة الخطيرة في حياته: يوم ولادته ويوم موته ويوم بعثه حياً يوم القيامة.
ومعنى الآية: الأمنة من الله عليَّ من الشيطان وجنده، يوم ولدت، فلا ينالون مني ما ينالون من المواليد عند ولادتهم. وأمنة من الله عليَّ يوم أموت، من هول المطلع. وأمنة من الله عليَّ يوم أبعث حياً يوم القيامة فلا ينالني الفزع الذي ينال الناس عندما يعاينون أهوال يوم القيامة.
قال الإمام ابن كثير: "هذا إثبات منه لعبوديته لله، وأنه مخلوق من خلق الله يحيى ويموت، ويبعث، كسائر الخلائق، ولكن له السلامة في هذه الأحوال الثلاثة التي من أشقِّ ما يكون على العباد".
وحكمة تعريف السلام وتمييزه في قوله (والسلام عليَّ) وتخصيصه؛ لأن الله تعالى يعلم أن اليهود سيكذبون عيسى عليه السلام، ويكفرون به، ولن يكتفوا بذلك، بل سيحرصون على قتله وصلبه وهذا ما فعلوه به فيما بعد، ولقد حماه الله منهم، ولم يجعل لهم سلطاناً عليه، ولذلك رفعه إليه، ولهذه الحوادث التي وقعت له، خصَّه الله عزّ وجل بالسلام الخاصّ، فسلَّمه من اليهود ومكائدهم ومؤامرتهم.
وهكذا أنهى عيسى عليه السلام بيانه وقدم نفسه إلى قوم أمه، وذكر عبوديته لله الواحد، وذكر ما سيؤتيه الله من النبوة والكتاب، ومن السمات والمزايا الإيجابية القائمة على برِّه بأمه وتواضعه، وعدم تجبُّره وتكبُّره، وما سيضفيه عليه من السلام والأمان في حياته.
وتوقَّف عرض القرآن لقصة ميلاد عيسى عليه السلام عند هذا الحدّ، ولم يتحدَّث عن ردَّة فعل القوم لما سمعوا بيانه وكلامه، ولا عمَّا جرى لمريم رضي الله عنها بعد ذلك.

مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م ص (148:140)
- صلاح الخالدي، القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق، ط1، 1419ه – 1998م، 4/279.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022