الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

بشارة الملائكة لمريم عليها السلام بعيسى عليه السلام وجملة من أوصافه:

الحلقة: الخامسة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

بعد أن اصطفى الله عز وجل مريم عليها السلام وطهرها وأمرها بالاجتهاد في العبادة والمداومة على الطاعة، وأوصاها بالإخلاص، والخشوع والخضوع له سبحانه، تهيأت بذلك مريم عليها السلام للمعجزة الكبرى والآية العجاب وهي حملها بعيسى عليه السلام على خلاف العادة دون أب.
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (آل عمران: 45- 46).
وكما بشرتها الملائكة بأنها المصطفاة الطاهرة جاءتها بشارة أخرى وهي أن المولى عز وجل اصطفاها لتلك المهمة العظيمة الشأن.

(إذ قالت الملائكة يا مريم):

جاءت البشارة عن طريق جمع من الملائكة الكرام، وفي سورة مريم أتاها جبريل عليه السلام ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ (مريم: 19)، ولا مانع من تكرار البشارة، بشرتها الملائكة أولاً وعلى رأسهم جبريل، ثم تمثَّل جبريل عليه السلام في صورة بشرية فأعاد بشارتها، فأعادتها لتعجُّبها، زيادة في الاطمئنان واليقين واستفساراً عن كيفية تحقق هذه البشارة العجيبة.

(إن الله يبشرك بكلمة منه):

وسمَّى الله عيسى عليه السلام بأنه كلمته في هذه الآية (بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم)؛ لأن عيسى خُلق ووجد بكلمة الله (كن) حيث أراد أن يخلقه خلقاً خاصّاً مباشراً، فقال له (كن)، وهذه هي الكلمة الإلهية، فكان ووجد كما أمر الله وهي الكلمة الواردة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (يس: 82)، لقد خلق الله عيسى عليه السلام بكلمة (كن)، وعبر عنه بأنه كلمة منه كما خلق آدم بكلمة (كن).
وأحال القرآن الكريم المستغربين من خلق عيسى على خلق آدم الذي خلقه الله بكلمة (كن) دون أب أو أم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (آل عمران: 59).
و(من) في قوله (بكلمة منه): حرف جر وهي ليست للتبعيض، بل هي لابتداء الغاية، أي أن هذه الكلمة من عند الله أي ابتدأت من عند الله وهي كلمة (كن).
وفي قوله تعالى (بكلمة منه) لفظة (من) ليست للتبعيض، إذ لو كان كذلك لكان الله متجزِّأً متبعِّضاً متحمِّلاً للاجتماع والافتراق، وكل من كان كذلك فهو محدَث، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل المراد من كلمة (من) ههنا ابتداء الغاية؛ وذلك لأن في حق عيسى عليه السلام لما لم تكن واسطة الأب موجودة، صار تأثير كلمة الله تعالى في تكوينه وتخليقه أكمل وأظهر، فكان كونه كلمة الله مبدأً لظهوره ولحدوثه، هذا معنى (من)، ومعنى كونه (كلمة) لا ما يتوهّمه النصارى والحلولية.
وكلمة الله التي ألقاها إلى مريم هي عيسى ابن مريم (اسمه المسيح ابن مريم)، فالمسيح سمّي بكلمة الله؛ لأنه وجد من غير أب بكلمة (كن) على خلاف أفراد بني آدم، فكان تأثير الكلمة في حقّه أظهر وأكمل.

(اسمه المسيح عيسى ابن مريم):

المسيح لقب، وعيسى هو الاسم، وابن مريم الوصف، ولقب عيسى هو المسيح، وورد هذا اللقب إحدى عشرة مرة في القرآن الكريم، ونرى أن لقبه (مسيح) جمع بين اسم الفاعل واسم المفعول، فمجموع الماسح والممسوح يكون (مسيحاً) صيغة مبالغة من المسح، فعيسى عليه السلام كان ماسحاً يمسح بيده على المريض فيبرأ ويشفى، وكان ممسوحاً مسحه الله بالبركة، وباركه وكونه ماسحاً وممسوحاً جعله مسيحاً عليه السلام. وأما معنى المسيح عند النصارى فهو المكرّس للخدمة والفداء.
وعيسى معناه السَّيد، وقيل: مشتق من العيس، وسُمّي به لأنه لونه - عليه السلام - كان أبيضاً مشرّباً بالحمرة، وعيسى أي: الخالص الذي يكون من شيء واحد لم يختلط بغيره، فكان خلْقه من شطر أمه فقط، دون أن يختلط هذا الشطر بشطر آخر من رجل فيكون أبا له ككل البشر.
وابن مريم لقب لعيسى عليه السلام، ووردت جملة (ابن مريم) ثلاث وعشرين مرة في القرآن ينسب عيسى فيها كلها إلى أمه مريم.
إن القرآن الكريم حريص على تمييز عيسى عليه السلام بالكلمات الثلاثة لما رافق خلقه وولادته وحياته من معجزات؛ ليؤكد على بشريته وينقض مزاعم النصارى حول ألوهيته، ونسبته إلى أمه مقصودة ومرادة؛ ليكذب من زعم أنه ابن الله، فالقرآن يبين لهم: أنه ابن مريم وأمه معروفة، أنتم تعرفونها عن يقين، فكيف صار ابناً لله مع أنه ابن مريم؟
إنَّ ولادة عيسى عليه السلام من غير أب تبين قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه الفاعل المختار المريد، وأنه لا يتقيد في تكوينه للأشياء بقانون الأسباب والمسببات التي نرى العالم يسير عليها، فالأسباب الجارية لا تقيد إرادة الله لأنه خالقها ومبدعها ومدبرها والأشياء لم تصدر عن الله كما يصدر الشيء عن علّته، والمسبَّب عن سببه من غير أن يكون للعلة إرادة في معلولها، بل كانت بفعله –سبحانه - وبإرادته التي لا يقيدها شيء.
وخلق عيسى من غير أب بلا ريب إعلان لهذه الإرادة الأزلية بين قوم غلبت عليهم الأسباب المادية، وفي عصر ساده نوع من الفلسفة أساسها أن خلق الكون كان مصدره الأول كالعلة عن معلولها، فكان عيسى آية الله على أنه - سبحانه وتعالى - لا يتقيد بالأسباب الكونية، وأن العالم كان بإرادته، ولم يكن سبحانه بمنزلة العلة من المعلول تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
إن ولادة عيسى عليه السلام من غير أب إعلان لعالم الروح بين قوم أنكروها ... فلما جاء عيسى من غير أب وكان إيجاده من روح مخلوقة، كان ذلك إعلاناً لعالم الروح بين قوم أنكروها ولم يعرفوها، فكان هذا قارعة قرعت حسَّهم ليدركوا الروح وكان آية معلمة لمن يعرف الإنسان، إلا أنه جسم لا روح فيه.
كما أن خلق عيسى عليه السلام من غير أب صورة مكملة للصور الأربع التي ضربها الله أمثلة ناطقة بقدرته العظيمة على الخلق، وهي:

الصورة الأولى: الخلق من العدم، فمن التراب أوجد الله سيدنا آدم عليه السلام أبا البشرية، وهو مثال واحد لم يتكرر في الخلق.

الصورة الثانية: إيجاد أنثى من ذكر، لا أم لها فأوجد الله سبحانه زوج آدم - وآدم عزب ليس له زوج - وهو مثال واحد، لم يتكرر في الخلق.

الصورة الثالثة: إيجاد ذكر من أنثى لا أب له، فأوجد الله سبحانه وتعالى سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ومريم عذراء ليس لها زوج وهو مثال واحد لم يتكرر في الخلق.

الصورة الرابعة: إيجاد الأبناء والبنات من زوجين ذكر وأنثى وهي الصورة المتكررة، وسنة الله في الخلق.

د. (ووجيهاً في الدنيا والآخرة):
ومن صفات عيسى عليه السلام المذكورة في هذه الآيات: (وجيهاً في الدنيا والآخرة)، إنه ذو وجه ومنزلة عالية وذو شرف وكرامة عند الله في الدنيا وحفظه وحماه من أعدائه، وفي الآخرة حيث جعله في أعلى منازل الجنة مع سائر المرسلين، يقال هذا وجيه: إذا كان شريفاً يقدره الآخرون.
كما أن تعرض اليهود له بالأذى والاضطهاد لم ينقص من قدره ولم يقدح في وجاهته ومنزلته، فالأنبياء هم أشرف خلق الله وأكرمهم وأعزهم، وقد تعرضوا للأذى والاضطهاد، فلم يزدهم ذلك إلا عزة ورفعة وكرامة وإباء، وعزيمة ومضاء وإيماناً وتسليماً ويقيناً وتثبيتاً.

(ومن المقربين):

عيسى عليه السلام من عباد الله المقربين، الذين قربهم الله منه وأعلا منازلهم عنده، والمقربون هم السابقون الذي يسبقون أصحاب اليمين إلى الجنة، ومنازلهم في الجنة أعلى من منازل أصحاب اليمن، والمرسلون هم أئمة المقربين السابقين.

(ويكلم الناس في المهد وكهلاً):

عيسى عليه السلام سيكلم الناس في المهد، فور ولادته وذلك عندما يفاجؤون بمريم تحمله وتذهب بهم الظنون كل مذهب، فينطقه الله وهو ابن ساعات ويكلم الناس ويقدم نفسه إليهم، ويبرئ أمه من كل تهمة. وإثبات براءتها وبيان عبوديته ونبوَّته وبركته وبرُّه بأمه، ونفي كونه جباراً شقياً، فهو برٌّ رحيم رفيق حليم.
كما أنه سيكلمهم في حال كهولته (وكهلاً) الكهولة في الأربعين وقيل ثلاث وثلاثين، والكهل ما اجتمعت قوته وكمل شبابه، وذكر هنا كلامه في الكهولة لتشير أمُّه بأنه سيبلغ مبلغ الرجال، وقيل لبيان فصاحة كلامه وبلاغته في المهد وفي الكهولة على السواء، وقيل إشارة إلى أنه سيرفع إلى السماء ثم ينزل إلى الأرض في آخر الزمان فيكلم الناس ومن فوائد كلامه في الكهولة أيضاً: هداية الناس إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.

(ومن الصالحين):

وأما سمته والموكب الذي ينتسب إليه (ومن الصالحين)، معدود فيهم، والصالح: من صلحت سريرته وعلانيته بالإخلاص لله فختم الله تعالى أوصاف عيسى عليه السلام بالصلاح، وهو رتبة من أعظم المراتب وأشهر المقامات، والصلاح يقتضي المواظبة على الطاعات حتى الممات.
ويكون الإخبار عن صفات وأحوال عيسى عليه السلام هكذا: إن الله يبشرك بعيسى المسيح وجيهاً في الدنيا والآخرة ومقرَّباً عند الله في الدنيا والآخرة، ومكلِّماً الناس طفلاً في المهد، ومكلِّماً الناس كهلاً شيخاً وصالحاً من الصالحين.
وهكذا بشَّرت الملائكة مريم بكلمة من الله اسمه المسيح عيسى ابن مريم، فتضمنت نوعه، وتضمنت اسمه ونسبه وظهر في هذا النسب أن مرجعه أمه ثم تضمنت البشارة صفته ومكانه من ربه.
وعرفت مريم رضي الله عنها صفات ابنها عيسى عليه السلام في هذه البشارة قبل ولادتها له، وذكر هذه الأحوال والصفات والتقلبات والتغيرات على عيسى عليه السلام يؤكد على بشريته.
فهو عليه السلام منذ أن خلقه الله مولوداً طفلاً صغيراً إلى كهولته، يتقلب في الأحداث ويتأثر بها ويتغير بمرور الأزمنة والأيام عليه، ويتحول من صغر إلى كبر ومن حالٍ إلى حال، ولو كان إلهاً أو ابناً لله، كما زعم النصارى الكافرون – بالتوحيد - لما حصل له ذلك، ولقد أخبر الله عز وجل عن حالات عيسى عليه السلام التي يتقلَّب بها في عمره، كتقلُّب بني آدم في أعمارهم صغاراً وكباراً، إلا أن الله خصَّه بالكلام في المهد آية لنبوَّته، وتعريفاً من الله للعباد بمواقع قدرته.

موقف مريم من هذه البشارة:

قال تعالى: ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (آل عمران: 47).
ولما سمعت مريم البشارة من جبريل عليه السلام بأنها ستنجب عيسى، فوجئت ودُهشت واستغربت إنها فتاة عذراء، ولم تتزوج، فمن أين يأتيها ذلك الولد؟ ولقد صارحت جبريل باستغرابها (قالت أنى يكون لي غلاماً ولم يمسسني بشر)؟ تركت جبريل وتوجهت إلى الله وناجته ونادته: (رب) أي: يا رب يا الله. (أنَّى): اسم استفهام بمعنى (كيف) ويدل على المفاجأة والدهشة. (يكون): فعل مضارع تام، و(ولد) فاعل للفعل (يكون) التام. (ولم يمسسني بشر): الجملة في محل نصب حال: أي: وحالي أني لم يطأني بشر ولست ذات زوج ولا عزمت أن أتزوج.
وجاءها الجواب يردّها إلى الحقيقة البسيطة التي يخفى عنها البشر لطول ألفتهم للأسباب والمسبَّبات، لعلمهم القليل ومألوفهم المحدود:
- (قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون).
وحين يرد الأمر إلى هذه الحقيقة الأولية يذهب العجب وتزول الحيرة، ويطمئن القلب، ويعود الإنسان على نفسه يسألها في عجب: كيف عجبتِ من هذا الأمر الفطريّ الواضح القريب، وهكذا كان القرآن ينشئ التصور الإسلامي لهذه الحقائق الكبيرة، بمثل هذا اليسر الفطري القريب، وهكذا يجلو الشبهات التي تعقّدها الفلسفات المعقَّدة، ويقرُّ الأمر في القلوب وفي العقول سواء.
- (قال كذلك الله يخلق ما يشاء):
أي: كهذا الخلق الذي تجدينه في أن يكون لك ولد من غير أن يمسَّك رجل، وهو إبداع بخلق الله تعالى، ويبدع ما يشاء ويريد إبداعه، وهذه الجملة السامية تفيد أموراً منها:

أن هذا النوع من التكوين، وهو إنجاب من غير أبٍ هو في قدرة الله تعالى؛ لأنه الخالق المبدع، وما هو غريب عليكم هو في قدرته سبحانه، لأن من خلق الخلق الأول وخلق السنن الكونية وغيرها قادر على تغييرها، لأنه مبدعها ومنشئها.

أن خلق عيسى أمر من الله تعالى، وعيسى ليس إلا مخلوقاً من مخلوقاته، فهو أبدعه كما أبدع غيره من المخلوقات، فليس إلهاً ولا ابن إله.

أن خلق الله تعالى بمشيئته وإرادته، وهذا فيه إشارة إلى السبب الذي من أجله خلقه الله تعالى من غير أبٍ، وهو أن المخلوقات لا تصدر عن الله صدور المعلول عن علّته، ولكنها توجد بإيجاده، وتنشأ بإبداعه (بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد).

وفي ذلك ردّ علميٌّ على أهل الفلسفة المادية التي تقول إن العالم نشأ عن العقل الأول نشوء المعلول عن علّته، ثم أشار سبحانه إلى عظيم قدرته، بقوله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون)، أي أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يوجد أمراً لا يوجده إلا بكلمة (كن)، وعبَّر سبحانه عن الإيجاد بـ(قضى)؛ للإشارة إلى أن إيجاده للأشياء ليس إلا من قبل الحكم عليها بالوجود، فإذا حكم بالوجود في أمر نفذ حكمه، وحكمه هو أن يقول (كن)، فيترتب على ذلك أن يكون. وهل الأشياء حقيقة تنشأ بمجرد الإرادة الإلهية أم أنَّ هذا تصوير لسهولة الخلق؟
الظاهر أن هذا بيان لسهولة ذلك على خالق الخلق وبارئ النسم، فهو تمثيل لبيان قدرة الله عزَّوجل الشاملة، وسهولة الإنشاء عليه سبحانه وتعالى، ونفاذ إرادته في خلقه، ولذلك جاءت الإجابة في مثل هذا المقام بهذا المعنى في سورة مريم، فقد قال الله تعالى في الإجابة عن استغرابها في تلك الصورة: ﴿ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا﴾ (مريم: 21).
وهذا التعبير الكريم صريحٌ في أن السياق لبيان سهولة مثل هذا الخلق على خالق الخلق، ويفيد أيضاً أن المقصود بيان أن الله سبحانه فعَّال لما يريد، وهو على كل شيء قدير، ربنا لا ترهقنا من أمرنا عسراً.
وهكذا أخذت مريم رضي الله عنها البشارة من جبريل عليه السلام وصارت على يقينٍ بأن الله سيهبها ولداً وما بقي إلا تنفيذ هذه البشارة، وتحقيق ما وعدها الله به.
وتمضي الآيات بعد ذلك في سورة آل عمران لتواصل الحديث عن صفات المسيح عليه السلام ونعم الله عليه، وتأييده له بالمعجزات التي تدل على نبوته كما تدل على بشريته وعن حقيقة الرسالة التي جاء بها، ويطوي السياق الحديث عن مريم عليها السلام وينتقل للحديث عن المسيح ابن مريم وعن موقف الناس من دعوته وقد ورد الحديث عن مريم في سور أخرى في مقدمتها سورة مريم التي واصلت الحديث عنها بمزيد من التفصيل، وسميت بذلك الاسم تشريفاً وتكريماً لمريم عليها السلام وفي ما يلي ننتقل لقصة مريم من خلال سورة مريم.

مراجع البحث:
- علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م ص (112:103)
- سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق للطباعة، القاهرة، ط32، 2003 م، ، 1/ 398.
- صلاح الخالدي، القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق، ط1، 1419ه – 1998م، 4/211.
- أحمد الشرقاوي، المرأة في القصص القرآني، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2001م، ص. 2/673.
- محمد صالح المنجد، تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 2016م، ص 557
- السمين الحلبي، الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون، تحقيق: أحمد محمد الخراط، دار القلم، دمشق، ط3، 2011م، ص 2/173.
- فخر الدين الرازي، تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب، دار الفكر للطباعة، دمشق، ط1، 1401ه- 1981م،
- محمد عبد المجيد لاشين، أنباء الرسالات السماوية، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2009م، ص 326.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022