الجمعة

1446-04-15

|

2024-10-18

ملاحظات عامة حول مواضع ذكر مريم وعيسى عليهما السلام في القرآن الكريم

الحلقة السادسة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

مواضع ذكر مريم عليها السلام في القرآن الكريم:
ورد اسم مريم مجرداً عن عيسى - عليه السلام - في سورة آل عمران ست مرات أثناء الحديث عن ولادتها وكفالة زكريا عليه السلام لها، ومخاطبة الملائكة لها، وتبشيرها بعيسى عليه السلام.
وورد اسمها مجرداً في سورة النساء مرتين في سياق ذم اليهود لكفرهم واتهامهم لمريم وفي تقرير حقيقة كون عيسى كلمة الله، ألقاها إلى مريم.
وسورة مريم التي حملت اسمها تحدثت بالتفصيل عن قصة بشارتها وحملها لعيسى عليه السلام ورد اسمها مجرداً مرتين فيها، من بداية عرض قصتها، عندما أتت قومها تحمل ابنها، فاستغربوا ذلك منها وأنكروه عليها.
وورد اسمها في سورة التحريم مرة واحدة منسوبة إلى أبيها (مريم ابنة عمران) في مقام الثناء عليها لإيمانها وتصديقها وقنوتها.
وتحدثت سورة آل عمران عن بداية قصة مريم رضي الله عنها منذ أن حملت أمها بها ونذرت أن يكون ما في بطنها لله وتقبلها الله ورعاها، وقد اختلف الصالحون فيمن يكفلها وهي الطفلة الصغيرة فألقوا أقلامهم مقترعين، فكانت من نصيب زكريا عليه السلام، وزوج أختها وتكفل زكريا بها ونشأت فتاة مؤمنة صالحة في كفالته وكان الله يكرمها برزق مستمر عندها، وسألها زكريا عن مصدره وسط استغرابه فأجابت بأنه من عند الله فدعا ربه أن يرزقه غلاماً. وقد ورد هذا في آيات (35- 38) من السورة وسيأتي شرحه وتفصيله في حينه بإذن الله.
ثم تحدثت آيات السورة عن تبشير الملائكة مريم رضي الله عنها، بأن الله قد اصطفاها على نساء العالمين وعليها أن تقنت وتركع وتسجد لله وبشرتها الملائكة أيضاً بأن الله سيهبها ابنها عيسى عليه السلام وسيجعله نبياً رسولاً، ولما استغربت مريم من ذلك أخبرتها الملائكة بأن هذا أمر الله والله يخلق ما يشاء. وقد ورد هذا في آيات (42- 48) من السورة.
وتحدثت سورة مريم عن حمل مريم بعيسى عليه السلام، وبدأت الآيات بلقطة ابتعاد مريم عن أهلها نحو الشرق، فلما كانت بعيدة عنهم وحيدة أرسل الله لها جبريل عليه السلام، فتمثل أمامها رجلاً بشراً سوياً، وصارحها بأنه رسول من الله ليهبها غلاماً زكياً، فاستغربت وسألت عن كيفية إنجابها الولد وهي الفتاة العذراء العفيفة، فأخبرها أن هذا أمر الله ونفخ جبريل فيها فحملت بعيسى ووضعته تحت نخلة ووجهها إلى أكل الرطب، وشرب الماء الصيام عن الكلام وحملت ابنها وذهبت إلى قومها ففوجئوا بابنها، ولما سألوها عنه، أشارت إليه، فالجواب عنده، فازداد استغرابهم وبلغت دهشتهم ذروتها عندما سمعوه يتلكم ويقدم نفسه إليهم ويخبرهم أنه عبد الله، وأنه سيكون رسولاً، وقد ورد هذا في آيات (16- 34) من السورة.
وحديث القرآن عن مريم رضي الله عنها في السور الأخرى إشارة سريعة، فمعظم قصة مريم كانت في سورتي آل عمران ومريم.
مواضع ذكر عيسى عليه السلام في القرآن الكريم:
أما عيسى ابن مريم عليه السلام فقد كان الحديث عن قصته في سور: مريم وآل عمران والمائدة والنساء والصف والحديد والزخرف.
- في سورة مريم تداخل الحديث عنه مع الحديث مع أمه رضي الله عنها، وكأن القصتين قصة واحدة، الآيات (16- 34)، وعقبت الآيات على ذلك بتقرير وحدانية الله، وأنه ليس له صاحبة ولا ولد، الآيات (34- 40).
- في سورة آل عمران ورد اسم عيسى عليه السلام خمس مرات، وتداخلت قصته مع قصة أمه أيضاً، حيث بشَّرت الملائكة مريم بعيسى، وذكرت بعض صفات عيسى ورسالته إلى بني إسرائيل، وبعض آياته ومعجزاته لهم، ولما كذبه بنوا إسرائيل آمن به أتباعه الحواريون ولما كان عيسى في خطر مباشر، عصمه الله منه ورفعه إليه، وذلك في الآيات (48- 57). وانتقلت آيات السورة بعد ذلك إلى جدال النصارى وإقامة الحجة عليهم، وتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقوله لهم في محاجته لهم، لإفحامهم وإبطال كفرهم، وذلك في الآيات (58- 74).
- أما آيات سورة المائدة، فقد تكفلت بنقاش النصارى بشأن عيسى عليه السلام في مواضع عديدة من السورة، وفي حديثها عن قصة عيسى عليه السلام، عرضت مشهد المائدة التي أنزلها الله عليه وعلى الحواريين في الآيات (112- 115)، وعرضت آيات السورة مشهداً من مشاهد يوم القيامة يذكر الله فيها عيسى عليه السلام بفضله عليه، ويتبرأ فيه عيسى من عبادة النصارى له في الآيات (109- 111- 116- 120). وقد ورد اسم عيسى عليه السلام في السورة ست مرات.
- تحدثت آيات سورة النساء عن سوء موقف اليهود من عيسى عليه السلام، حيث افتروا على أمه مريم وأرادوا قتل عيسى عليه السلام وصرحت الآيات بأن الله عصمه منهم وأنهم ما قتلوه ولا صلبوه وإنما شبه لهم، ولقد رفعه الله إليه، وسيؤمن أهل الكتاب به قبل موته، وأثنت الآيات على الراسخين في العلم من مؤمني أهل الكتاب المتبعين لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد ورد هذا في الآيات (156- 162)، وورد اسم عيسى عليه السلام في السورة ثلاث مرات.
- أشارت آيات سورة الصف إلى عيسى عليه السلام مرتين؛ مرة في تبليغه الدعوة لبني إسرائيل وتكذيبهم له في الآية (6)، ومرة في انحياز الحواريين له ونصرتهم لدينه في الآية (14).
- أشارت سورة الحديد إلى رسالة عيسى عليه السلام وإلى ابتداع الرهبان الرهبانية من بعده في الآية (27).
- أشارت سورة الزخرف إلى نبوة عيسى عليه السلام وعبوديته، وقد ردَّت على النصارى في عبادتهم له في الآيات (57- 65).
وما سوى هذا كان حديث بعض السور مجرد ذكر اسم عيسى عليه السلام ضمن الأنبياء، أو ذكر شريعته ورسالته، وقد ورد اسمه في سورة البقرة ثلاث مرات، وفي سورة الأنعام مرة، وفي سورة الأحزاب مرة، وفي سورة الشورى مرة.
من خلال هذا العرض الموجز نرى أن القرآن لم يتحدث عن عيسى عليه السلام إلا من خلال حمل أمه به وولادتها له، وهذا في سورتي آل عمران ومريم، ومن خلال دعوته لبني إسرائيل وسوء استقبالهم له حيث لم يتبعه إلا الحواريون، وهذا في سورة آل عمران والمائدة والصف، ومن خلال تخطيط اليهود لقتله، لكن الله حماه منهم وهذا في سورة النساء، ومن خلال عرض مشهد لساحة العرض هي الآخرة يتبرأ فيه عيسى من عابديه النصارى وهذا في سورة المائدة. وما سوى هذا هو نقاش للنصارى، وإبطال لكفرهم بالله وتأليههم لعيسى عليه السلام، وإثبات أنه عبد الله ورسوله، وكان النقاش والجدال في سورتي آل عمران والمائدة على وجه الخصوص.
هذا وقد أورد القرآن وصف عيسى عليه السلام أحياناً، وهو (المسيح)، وأحياناً يورد (المسيح) مجرداً، وأحياناً يورده مقروناً باسم أمه (المسيح ابن مريم). حيث وردت كلمة المسيح إحدى عشرة مرة في القرآن الكريم:
في آل عمران مرة.
وفي النساء ثلاث مرات.
وفي المائدة خمس مرات.
وفي التوبة مرتان.
هذه هي مواضع ذكر عيسى عليه السلام وأمه مريم في القرآن الكريم.

مراجع البحث:
علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام (الحقيقة الكاملة)، 2019م ص (54:51)
صلاح الخالدي، القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق، ط1، 1419ه – 1998م،4/ 167.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022