الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

أثر الصفات الإلهية على الأخلاق:

د. علي محمد الصلابي

الحلقة: الرابعة عشر

شعبان 1441ه/ أبريل 2020م

تحدّث الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كتابه «شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال» على صفات الله، وكيفية توحيده وتنزيهه، والوجه الأسلم في ذلك، وكيفية التخلّق بصفات الله عز وجل، فقال:
1 ـ التخلّق بالقدوس:
القدُّوس هو الطاهر من كل عيب ونقصان، وثمرة معرفته: التعظيمُ، والإجلالُ.
والتخلق به: بالتطهـر من كلِّ حرامٍ ومكـروهٍ وشبهـةٍ، وفضـلِ مباحٍ شاغـلٍ عن مولاك.
2 ـ التخلّق بالسلام:
إنْ أُخذَ من تسليمه على عبادِهِ فعليك بإفشاء السلام، فإنّه من أفضل خصالِ الإسلامِ.
وإنْ أُخِذَ من السلامة من العيوبِ، فهو كالقدُّوس.
وإن أُخِذَ من الذي سَلِمَ عبادُه من ظلمه، فليسلمِ الناسُ من غِشِّك وظُلْمِكَ وضرّك وشرِّكَ، فإنَّ «المسلمَ مَنْ سلمَ المسلمونَ مِنْ لسانِهِ ويدِه».
3 ـ التخلّق بالإيمان: «المؤمن»:
إن أُخِذَ من تصديقِ الله نفسَه، فعليك بالإيمانِ بكلِّ ما أنزله الرحمن.
وإن أُخِذَ من أمنِ العبادَ من ظلمِهِ، فأظهرْ مِنْ برِّك وخيرك ما يُؤمِّنْ الناسَ من شرِّكَ وضَيْرِكَ.
وإن أُخِذَ من خالقِ كلِّ أَمْنٍ، فاسعَ لعبادِ اللهِ مِنْ كلِّ أمنٍ.
4 ـ التخلّق بالهيمنة:
«المهيمن»، هو الشهيدُ، فإنْ أُخِذَ من مشاهدته لعباده واطلاعه عليهم في القيامة. فثمرة معرفته خوفك وحياؤك من شهادته عليك إنْ عصيتَه، ورجاؤك شهادته لكَ إنْ أطعتَه.
والتخلّق به أن تقوم بالشهادةِ في كلِّ ما نفعِ وضرّ، وظاهر وسرّ، ولو على نفسِكَ أو الوالدين والأقربين.
5 ـ التخلّق بالعزة:
«العزيز»، إنْ أُخِذَ من الغلبة، فهو كالقهّار، وثمرة معرفته: الخوفُ.
وإنْ أُخِذَ من الامتناع من الضيّم، فلا تخلّقَ به إلا في بعض الضُيوم، كضيم الكفّار الفجّار.
وإن أُخِذَ من الذي يعزُّ وجودهُ مثلِه، فهو سالبٌ للنظير، فلا تخلُّقَ به إلا بالتوحُّدِ بالطاعة والعرفان على حسب الإمكان، بالنسبة إلى أبناء الزمان.
6 ـ التخلّق بالجبر «الجبار»:
إنْ أُخِذَ من جبروت العَظْمِ والفقير إذ أصلحتهما، فثمرت معرفته رجاء جبره وإصلاحه. والتخّلق به بأن تعامل عباده بكل خير وإصلاح تقدرُ عليه، أو تصلُ إليه.
وإن أخِذَ من العلو فهو كالعلي، وثمرة معرفته كثمرات معارف جميع الصفات.
وإن أخذ من الإجبار، فهو كالقهار.
7 ـ التخلّق بالتكبر عن الرذائل:
«المتكبر»:
إنْ أُخِذَ من تكبره عن النقائص فهو كالقدُّوس، فتكبَّر عن كلِّ خلق دنيءٍ.
وإنْ جُعِلَ شاملاً لجميع الأوصاف، فثمرة معرفته الإجلالُ والمهابةُ في جميع الأحوال الحادثاتِ مِنْ سائر الصفاتِ، وكذلك العظيم والجليل والعلي والأعلى.
8 ـ التخلّق بالحلم: «الحليم»: هو الذي لا يعجِّلُ بعقوبةِ المذنبين، فاحلمْ عن كلِّ مَنْ اذاك وظلمك وسبّك، وشتمك، فإنَّ مولاك صبورٌ حليمٌ، بَرٌّ كريمٌ، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *} [الشورى :25] .
9 ـ التخلّق بالصبر: «الصبور»: هو الذي يعامِلُ عبادهَ معاملةَ الصابرين، فعليك بالصبر على أذية
المؤذين، وإساءة المسيئين، فإنّ الله يحبُّ الصابرين.
10 ـ التخلّق بالإعزاز: «المعز»: خالق العِزُّ، وثمرةُ معرفته الطمَعُ في إعزازه بالمعارف والطاعات، والتخلق به بإعزاز الدين، ومن تبعه من عباد الله المؤمنين.
11 ـ التخلّق بالإذلال: «المذل» خالِقُ الذُّل، وثمرة معرفته خوفُ الإذلالِ بالمعاصي والمخالفات، والمعاملة به بإذلالِ الباطلِ وأشياعِهِ، وإخمالِ العُدوان وأتباعه.
12 ـ التخّق بالانتقام: «المنتقم»: هو المعذِّبُ لما يشاء من عباده عَدْلاً، وثمرة معرفته: الخوفُ من انتقامه. والتخلق به لمن ابتُلي بشيءٍ من الولآيات بالانتقامِ من الجنَاةِ بالحدود والتعزيزات والعقوبات المشروعات.
13 ـ التخلّق باللطف: «اللطيف» إن أُخِذَ من معرفة الدقائق، فثمرة معرفته خوفك ومهابتك وحياؤك من معرفته بدقائق أحوالك، وخفايا أقوالك وأعمالك، إذ لا يعزُبُ عن خالق الأشياء مثقالُ ذرّةٍ في الأرض ولا في السماء {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ *} [الملك :14] .
14 ـ الخلّق بالشكر: «الشكور»: إن أُخِذَ من ثنائه على عباده، فثمرة معرفته رجاؤك الدخولَ في مدحته بطاعته ومعرفته، والتخلق به بشكر مولاك، وشكر أبويك، وشكر كلِّ مَنْ أحسنَ إليك، «من لا يشكرِ الناسَ لا يشكرِ الله».
15 ـ التخلّق بالحفظ: «الحفيظ»:
إن أُخِذَ من العلم، فقد سبق. وإن أخذ من ضبط الأشياء وحفظها، فثمرة معرفته: رجاؤك حفظه في أُولاك وأُخراك والتخلّق به بحفظ ما أمرتَ به من الطاعات والأمانات، فإنَّ الله قد مدح الحافظين لحدوده، وبشَّرَهُم بإنجاز وعودِه، فقال: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ *} [ق :32] .
16 ـ التخَلُّق بالتقديم والتأخير: «المقِّدم والمؤخِّر»، ثمرة معرفتها المهابة والإجلال، والاعتماد عليه في تقديمه وتأخيره، ورجاء أن يُقدِّمَك بطاعته، وخوف أن يؤخِّرك بمعصيته، والتخلق بهما: بتقديم ما أُمِرَتَ بتقديمه، وتأخير ما أُمِرَت بتأخيره، بأن تقدم الأماثل على الأراذل، وأن تقدِّم أوجبَ الطاعاتِ على واجبها، وأفضلها على فاضلها، ومضيَّقَها على موسَّعها، وبأنْ تقدِّمَ القُربات والطاعات إلى أوائل الأوقات، فإنَّ الله مدح الذين يسارعون في الخيرات.
17 ـ التخلّق بالبَرِّ: (البَّر): هو المنعم، وثمرة معرفته رجاءُ أنواع برّه، والتخلق به بأنْ تبَّرَ كُلَّ مَنْ تقدِرُ على بِرِّه بأحبِّ أموالك إليك، وأنفسِها لديك، فإنَّ مولاك يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [ ال عمران: 92] .
18 ـ التخلّق بالتوبة: «التّواب»:
إن جُعِلَ بمعنى الموفِّق للتوبة، فثمرة معرفته: رجاءُ توبته عليك، والتخلق به: بأن تَحُثَّ المسيءَ على التوبة، وتحرِّضهُ على الأوْبَة.
وإن جُعِلَ بمعنى قابل التوبة، فاقبل عذر مَنْ أساءَ إليك، ونَدِمَ على جرأته عليك.
19 ـ التخلّق بمعنى المغني: والتخلّقُ به بأن تُغني كلَّ محتاجٍ بما تقدر عليه من عِلْمٍ وغيره، فتذكِّرَ الغافل، وتُعلِّمَ الجاهل، وتُقيمَ المائل، وتُغنيَ العائلَ.
20 ـ التخلّق بالضُّر والنَّفع: «الضار والنافع» ثمرة معرفتهما: خوفُ الضَّرر، ورجاءُ النفع، والتخلق بهما:
بنفعِ كلِّ مَنْ أُمرتَ بنفعِهِ، وضرِّ كلِّ مَنْ أُمرت بضّره بحدٍّ أو قتلٍ أو غيره، والخَلقُ عيالُ الله، فأحبّهم إليه أنفعُهم لعياله، فعليكَ ببذل المنافع لكلِّ دانٍ وشاسعٍ.
21 ـ التخلّق بهداية الضال: «النورُ» الهادي، ثمرة معرفته: رجاؤك أن ينوِّر جَنَانك بمعرفته، ويزيّنَ أركانك باثار هدايته، والتخلّق به: بأن تكون نوراً من أنوار الله، هادياً إلى صراطِ الله. «فوالله لأن يهدي الله بكَ رجلاً واحداً خيٌر لك مِنْ أن يكونَ لكَ حُمْرُ النَّعم».
22 ـ التخلّق بالقبض والبسط: «القابض الباسط»: ثمرة معرفتهما: الخوفُ من قبضِ منافع الدنيا والآخرة، ورجاءُ بسطِ الخيرات العاجلة والآجلة.
والتخلّقُ بالبسط: بأنْ تسبطَ برّك، ومعروفك على كلِّ محتاجٍ، حتى على الدواب والكلاب والذرِّ، إذ «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ».
والتخلق بالقبض بأن تقبِضَ عن كلِّ أحدٍ ما ليس له أهلاً، من مالٍ، وولايةٍ، وعلمٍ، وحكمةٍ، فلا تؤتوا السفهاء أموالكم فيتلفوها.
23 ـ التخلّق ببذل الهبات: «الوهّاب»: ثمرة معرفته: رجاءُ أنواع هباته وصِلاته، والتخلّق به: بكثرة الهباتِ والصلاتِ، مقدِّماً للاباء والأمهات، والبنين والبنات.
24 ـ التخلّق بالجود والكرم: «الجواد الكريم» ثمرةُ معرفتهما: الطمعُ في اثار جوده وكرمه، والتخلق بهما: لمن أرادَ الوصولَ إليه بأن يجودَ بكلِّ ما يقدِرُ عليه مِنْ مالٍ، وجاهٍ، وعلمٍ، وحكمةٍ، وبِرٍّ، ومساعدةٍ.
25 ـ التخلّق بالإجابة: «المجيب» ثمرةُ معرفته: رجاءُ إجابةِ دعائك، لعلمه بافتقارك إليه، واعتمادك عليه، وأنّه سامعٌ لدعائك، عالمٌ ببلائك، خابرٌ لسرّائِك وضرّائِك، والتخلّق به: بإجابة مولاك فيما دعاك إليه من قُرُباته، وبإجابة كلِّ داعٍ إلى ما يُرضي مولاك في طاعاته وعباداته.
26 ـ التخلّق بالمجد: «المجيد» الذي كثر شرفُه، وتمّ كمالهُ وجلالُه في ذاته وصفاته، وثمرة معرفته: المهابة والإجلال. والتخلق به: يمكن التخلّقُ به مما سبق ذكره، فإنه شاملٌ لجميعِ الصفات، كما شملها ذو الجلال والإكرام.
فهذه إشاراتٌ إلى كيفية التخلّق بالصّفات، ولا يحصل التخلّق بالصفات إلا لِمَنْ واظبَ على التحديق إليها، والإقبال عليها، ولذلك أمرنا الله تعالى بإكثار ذكره لنُلابس ما يثمره ذكره من الأحوال والأقوال والأعمال.

يمكنكم تحميل كتاب سلسلة أركان الإيمان (1)
كتاب الإيمان بالله
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book174.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022