آثار الإقرار ب (لا إله إلا الله)
د. علي محمد الصلابي
الحلقة: الرابعة
شعبان 1441ه/ مارس 2020م
إنَّ لكلمة (لا إله إلا الله) آثاراً عظيمةً في حياةِ المؤمنِ، منها:
1 ـ أنَّ المؤمن بهـذه الكلمة لا يكون ضيّقَ النظر، بخلاف من يقول بالهةٍ متعددةٍ، أو من يجحدُها.
2 ـ أن الإيمان بهـذه الكلمة ينشئ في النفس من الأَنفة وعزّة النفس ما لا يقوم دونه شيءٌ، لأنّه لا نافعَ إلا الله، ولا ضارَّ إلا الله، وهو المحيي المميت، وهو الحكيم القوي، مالك الملك، ومِنْ ثَمَّ يُنْزَعُ من القلبِ كلُّ خوفٍ إلا منه سبحانه، فلا يطأطِءُى الرأسَ أمامَ أحدٍ من الخلق، ولا يتضرّعُ إلا إليه، ولا يتكفّف إلا له، ولا يرهب إلاّ من كبريائه وعظمته، لأن لله وحده الكبرياء والعظمة والقدرة، وهـذا بخلاف المشرك والكافر والملحد.
3 ـ ينشأ من هـذه الكلمة، تواضعٌ من غير ذلٍّ، وترفُّعٍ من غير كِبْرٍ.
4 ـ المؤمن بهـذه الكلمة، يعلم علم اليقين أنَّه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح.
أما المشركون والكفار، فإنَّهم يقضون حياتهم في أماني كاذبة:
فمنهم من يقول: إنَّ ابنَ الله قُتِلَ وصُلِبَ كفارةً لذنوبنا عند أبيه.
ومنهم من يقول: نحن أبناءُ اللهِ وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا.
ومنهم من يقول: إنّا سنتشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا.
ومنهم من يقدّمُ النذورَ والقرابينَ إلى الهته، زاعماً أنّه قد نالَ بذلك رخصةً في العمل بما يشاء.
أما الملحدُ الذي لا يؤمِنُ بالله، فيعتِقدُ أنّه حرٌّ في هـذه الدنيا، غيرُ مقيَّدٍ بشرعِ اللهِ، وإنّما إلهه هواه وشهوته، وهو عبدهما.
5 ـ قائل هـذه الكلمة لا يتسرب إليه اليأس، ولا يقعد به القنوط، لأنَّه يؤمِنُ أنَّ الله له خزائنُ السماوات والأرض، ومِنْ ثَمَّ فهو على طمأنينةٍ وسكينةٍ وأملٍ، حتى لو طُرِدَ وأهينَ، وضاقت عليه سُبُل العيش.
6 ـ الإيمان بهـذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والإقدام، والصبر والثبات والتوكل، حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاءَ مرضاة الله، إنَّه يشعر أنَّ وراءه قوة مالك السماء والأرض، فيكونُ ثباتُهُ ورسوخهُ وصلابتُه التي يستمدّها من هـذا التصور، كالجبال الراسية، وأنّى للشرك والكفر بمثل هـذه القوة والثبات؟
7 ـ هـذه الكلمة تشجِّعُ الإنسان، وتملأ قلبه جرأةً، لأن الذي يجبِّنُ الإنسانَ ويوهّنُ عزمه شيئان:
- حبه للنفس والمال والأهل.
-ـ واعتقاده أنَّ أحداً غيرَ الله يميتُ الإنسان.
فإيمانُ المرءِ بـ (لا إله إلا الله) ينزعُ عن قلبه الأولَ (وهو حبّه للنفس والمال والأهل)، فيجعله موقناً أنَّ الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله، فعندئذٍ يضحّي في سبيل مرضاة ربه بكلِّ غالٍ ونفيسٍ عنده. وينزع الثاني (وهو اعتقادُه أنَّ أحداً غير الله يميت الإنسان) بأن يلقِي في روعهِ أنّه لا يقدِرُ على سلبِ الحياة منه إنسانٌ ولا حيوانٌ ولا غيرُه إلا إذا جاء أجله، منْ أجلِ ذلك لا يكونُ في الدنيا أشجعُ ولا أجرأُ ممّنْ يؤمِنُ بالله تعالى، فلا يكادُ يخيفه أو يثبتُ في وجهه زحَفُ الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطرُ الرصاص، ولا وابلُ القنابل.
8 ـ الإيمان بـ (لا إله إلا الله) يرفع قدر الإنسان، وينشءُى فيه الترفُّعَ والقناعةَ والاستغناء، ويطهِّرُ قلبَه من أوساخ الطمع، والشره، والحسد، والدناءة، واللؤم، وغيرها من الصفات القبيحة.
9 ـ والإيمان بـ (لا إله إلا الله) يجعل الإنسان متقيداً بشرع الله، ومحافظاً عليه، فإنَّ المؤمنَ يعتِقدُ بيقينٍ أنَّ الله خبيرٌ بكلِّ شيءٍ، وهو أقربُ إليه مِنْ حبلِ الوريد، وأنَّه إنْ كان يستطيعُ أن يفلتَ مِنْ بطشٍ أيٍّ كانَ، فإنَّه لا يستطيعُ أن يفلتَ مِنْ اللهِ عزّ وجلّ، وعلى قَدْرِ ما يكونُ هـذا الإيمانُ راسخاً في ذهن الإنسان يكونُ متّبعاً لأحكام الله، قائماً عند حدودهِ، لا يجرؤ على اقترافِ ما حَرَّم الله، ويسارِعُ إلى الخيراتِ والعملِ بما أمر الله.
لذا فالعبدُ الذي ملأ اللهُ قلبه إيماناً بـ (لا إله إلا الله) هو في الحقيقة عبدٌ مطيعٌ منقادٌ لربه سبحانه وتعالى، وهـذا هو أصلُ الإسلام، وهو مصدرُ قوته، وكلُّ ما عداه من معتقداتِ الإسلامِ وأحكامِه إنّما هي مبنيّةٌ عليه، ولا تستمدّ قوتها إلا منه، والإسلامُ لا يبقى منه شيءٌ لو زال هـذا الأساس.
يمكنكم تحميل كتاب سلسلة أركان الإيمان (1)
كتاب الإيمان بالله
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book174.pdf