(أثر أعمال الإبراهيمي وإخوانه على الشعب)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 205
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الثاني 1443 ه/ نوفمبر 2021
قال الإمام الإبراهيمي: أثر أعمالنا في الشعب بارز لا ينكره حتى أعداؤنا من الاستعماريين، وخصومنا من إخواننا السياسيين، فمن اثارنا:
ـ بث الوعي واليقظة في الشعب حتى أصبح ويعرف ماله وما عليه.
ـ ومنها إحياء تاريخ الإسلام وأمجاد العرب التي كان الاستعمار يسدّ عليه منافذ شعاعها، حتى لا يتسرب إليه شيء من ذلك الشعاع.
ـ ومنها تطهير عقائد الإسلام وعباداته من أوضار الضلال والابتداع، وإبراز فضائل الإسلام، وأولها الاعتماد على النفس، وإيثار العزة والكرامة، والنفور من الذلة والاستكانة والاستسلام.
ـ ومنها أخذ كل شيء بالقوة.
ـ ومنها العلم، هذه الكلمة الصغيرة التي تنطوي تحتها جميع الفضائل.
ـ ومنها بذل المال والنفس في سبيل الدين والوطن.
ـ ومنها نشر التحابب والتاخي بين أفراد المجتمع.
ـ ومنها التمسك بالحقائق لا بالخيالات والأوهام.
فكل هذه الفضائل كان الاستعمار يغطيها عن قصد، لينساها المسلمون على مر الزمان بواسطة التجهيل وانزواء العقل والفكر، وقد وصل الشعب الجزائري إلى ما وصل إليه، بفضل جمعية العلماء، وما بذلناه من جهود في محور الرذائل التي مكّن لها الاستعمار، وتثبيت الفضائل التي جاء بها الإسلام، ولو تأخر وجود الجمعية عشرين سنة أخرى لما وجدنا في الجزائر من يسمع صوتنا، ولو سلكنا سبيلاً غير الذي سلكناه في إيقاظ الأمة وتوجيهها في السبيل السوي ؛ لما قامت هذه الثورة الجارفة في الجزائر التي بيّضت وجه العرب والمسلمين، ولو نشاء لقلنا إننا أحيينا اللسان العربي، والنخوة العربية، وأحيينا دين الإسلام وتاريخه المشرق، وأعدنا لهما سلطانهما على النفوس وتأثيرهما في العقول والأرواح، وشأنهما الأول في الاتعاظ والأسوة، فأحيينا بذلك كل الشعب الجزائري فعرف نفسه، فاندفع إلى الثورة يحطم الأغلال ويطلب بدمه الحياة السعيدة والعيشة الكريمة، ويسعى إلى وصل تاريخه الحاضر بتاريخه الغابر.
لقد نجح الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وإخوانه من أبطال جمعية علماء المسلمين في:
ـ تأسيس المدارس العربية الإسلامية الحرة، يتولى أمرها جيل أخرجته مدرسة ابن باديس، ولقد بلغ عدد هاتيك المدارس أربعمائة رغم مقاومة الاستعمار العنيفة، تسير كلها حسب منهاج واحد محكم الوضع، يغشاها ما يزيد عن مائة وخمسين ألفاً من صبيان وبنات، تخرجت من بين صفوفهم أفواج من الطلبة، استكملوا دراستهم الثانوية في معهد ابن باديس، ثم أرسلت بهم الجمعية إلى المعهد الزيتوني الطيب الذكر بتونس وإلى معاهد الشرق العربي، وأسفرت هذه الجهود عن تكوين جيل كامل من الشعراء بلغوا الذروة، وكتاب مجيدين، وخطباء مفوهين، ودعاة مخلصين، ولقد قام كل أولئك بواجبهم على الوجه الأكمل أثناء حربنا التحريرية الكبرى، وإن منهم لفريقاً يتبوأ الان مراكز مرموقة في مختلف ميادين الحياة الجزائرية.
ـ بناء وتعمير المساجد الحرة، التي تباهى القوم عندنا برفع قواعدها في طراز معماري أندلسي أصيل، وبذلوا في سبيل إقامتها كما بذلوا في سبيل بناء المدارس الحرة ما ملكته أيديهم من مال، وما ملكته نساؤهم من حليّ، فكان الناس عندنا رجالاً ونساء يؤثرون الله والعروبة على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
وفي هاتيك المساجد التي أربا عددها على المائة، كان الشعب في كل الاتجاهات يتلقى دروس الدين والحكمة الإسلامية، ويستمع إلى الخطب التوجيهية الحية، ويتلقى سيرة السلف الصالح، والتوجيهات الحكيمة من أجل بناء مستقبل الجزائر الحرة العربية المسلمة، وهجر أكثر الأحرار مساجد الحكومة إلى أن طهرها الله بعد الاستقلال.
ـ جولات دورية، دائمة دائبة، تقوم بها صفوة مختارة من العلماء ومن كبار الطلبة يغشون كل مجتمعات القطر الجزائري في كل اتجاهاته المترامية الأطراف، يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويلقون الدروس والمواعظ والمحاضرات، ويبشرون بمستقبل الجزائر ضمن دائرة العروبة والإسلام، فكان الشعب الجزائري كله يتلقى في نفس الوقت، علماً واحداً وتوجيهاً دينياً واحداً، ودعوة للكفاح الصالح واحدة، إلى جانب ما كان يتلقاه من رجال الحركة الاستقلالية من وعي سياسي، وما كان يجده من تنظيم محكم.
ـ صحافة حرة حية، من طراز ممتاز، على نمط جريدة «البصائر» تناضل في سبيل الإسلام والعروبة، والقومية، تنصر القضايا العادلة في مختلف جهات العالم، وتنشر المبادأئ القومية، وتبث الأفكار الجريئة الحرة، فأضفت على الجزائر صورة وضاءة مشرقة، بما كان فيها من تحرير بليغ ودراسات عميقة، وشعر فحل، يعدّ ـ ولا فخر ـ من أمجاد العروبة الحاضرة. كل هذه الحركة العملاقة، كانت تسيرها وسط الزوابع والأعاصير، يد الربان الماهر القدير الإبراهيمي، فيوصلها إلى ساحل السلامة دون أن يمسها سوء، ونمت وبلغت أوجها، فكانت،{كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطَۡٔهُۥ فََٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ } [سورة الفتح:29]، وما غادر الإبراهيمي العظيم الديار، إلا بعد أن أصبح غرسه كشجرة مباركة،{أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ ٢٤تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ ٢٥} [سورة إبراهيم:25]
هذه هي، في أكثر ما يكون من الإيجاز والاختصار، الصورة الحقيقية لذلك البطل الفذ، الذي اجتمعت فيه خصال الأريحية والعبقرية، والذي ألف بين العلم والأدب والجهاد، وكان من كبار العلماء وخيار الأدباء ومن سادة المجاهدين.
هذا هو الرجل الفحل الذي خاطب موطنه أيام الثورة الكبرى بقوله: أي وطني!. ما ملكتُ فوق ثراك شبراً، أتراني أملك تحت ترابك قبراً؟
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com