الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(مسألة الوحدة في فكر الشيخ الإبراهيمي)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 209

بقلم: د.علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1443 ه/ نوفمبر 2021

كانت الحرية ـ أو التحرير ـ هي الأمل الأوَّل الذي يسعى لتحقيقه الإمام الإبراهيمي، وكانت الوحدة ـ أو التوحيد ـ هي الأمل الثاني الذي يرنو إليه أو يصرُّ عليه.

وهذه الوحدة تبدأ بوحدة الجزائر أولاً، فوحدة الشمال الأفريقي أو المغرب العربي، فوحدة الأمة العربية، وإنتهاء بوحدة الأمة الإسلامية.

وكانت وحدة الجزائر والجزائريين هي شغله الشاغل، فهو يعمل دائباً بعلمه ولسانه وفكره ووجدانه، وحركته مع إخوانه، لصهر عنصري الشعب الجزائري، كما عرَّب المغرب العربي كله.

وهو يعجب من الذين يريدون أن يجعلوا البربر فرنسيين، وليس بينهم وبين فرنسا نسب ولا اصرة دينية ولا عرقية، ولا تاريخية ولا جغرافية ؛ في حين بينهم وبين العروبة أكثر من اصرة.

واجتهد الشيخ الإبراهيمي أن يُجَنب الشعب الجزائري أسباب الخلاف الديني من جرَّاء الاختلاف في قضايا علم الكلام، أو مذاهب الفقه، أو اتجاهات التصوف، كما حذَّر الشيخ من مكايد الاستعمار ودسائسه، ومن همزاته ووساوسه، ومن سياسته المعروفة، التي شعارها «فرِّق تسد».

وحاول الشيخ هو ورفقاء دربه: أن يجمعوا الشعب على الإسلام الصحيح، الإسلام الأول، إسلام القران والسنة، وأن يحرِّروه ممَّا سوى ذلك من مبتدعات العامة، وضلالات الخاصَّة، أو ما سمَّاه الإمام محمد عبده: شهوات سلاطين، أو نزغات شياطين.

وقد حرص الإبراهيمي على توحيد الشعب الجزائري في شعائره الدينية. كما حرص على توحيد مواقفه الوطنية، وقد جاهد وكافح من أجل توحيد الشعب في صيامه وفطره، وكتب في ذلك مقالات ضافية، يَرُدّ بها على لجنة الأهلّة المعينة من قبل السلطة الفرنسية، ويهيب بالشعب المسلم أن يوحِّد صيامه وإفطاره.

وبدأ الشيخ دعوته إلى الاتحاد ـ كما قلنا ـ من المنطلق الطبيعي والمنطقي: أن تتَّحد الجزائر وشعبها أولاً في مواجهة الاستعمار الفرنسي بسلطانه وجبروته، فكانت الدعوة إلى توحيد عنصري الوطن: العرب والبربر، ثمَّ كانت الدعوة إلى اتحاد الأحزاب الوطنية التي تعمل لتحرير الجزائر، وكان الشيخ يلحُّ في هذه الدعوة ويؤكدها ويكرِّرها، ويناضل عنها بقوة، يقول في ذلك:

كل مسلم عربي جزائري مخلص يؤيِّدنا في الدعوة إلى هذا الاتحاد ويودّ منه ما نودّ، ويعتقد فيها ما نعتقده، من أنه المعقل الوحيد للقضية الجزائرية، والوسيلة الوحيدة لنجاحها، ويرى ما نرى من اثار هذا التفرق الشنيع الذي شتت شمل هذه الأمة الضعيفة، فزادها ضعفاً على ضعف، في وقت تطلعت فيه إلى المطالبة بحقها، فهي فيه أحوج ما تكون إلى جمع القوى، والتئام الشمل، واتحاد الكلمة.

تَرد علينا رسائل كثيرة من عقلاء الأمة المخلصين لها، السالمين من عصبية الحزبية، وكلها حضٌّ على السعي في الاتحاد بين الأحزاب، وجمع الكلمة المتفرّقة في هذا الوقت، الذي تجمعت فيه جموع الاستعمار على دحض حقّناً بباطله، وفي هذا الجوّ الذي كله نذر ومخاوف، والرسائل على كثرتها بحيث لا يخلو منها بريد يومي، وخصوصاً في الأسابيع الأخيرة، كأنما كتبت بقلم واحد في أمور ثلاثة:

التشهير بضرر الخلاف، والتنويه بضرورة الاتحاد، وتعليق الأمل في جمع الكلمة على كاتب السطور وجمعية العلماء، وقد تغالى بعض الكاتبين، فعصب قضية الاتحاد برأس كاتب هذه الكلمة وجعلها عهدة في عنقه، وبالغ بعضهم ـ وهو من ذوي الاراء النيرة والعلم الواسع والإخلاص المحقق ـ فقفز إلى غاية الغايات وهي جمع الكفاءات في حزب واحد، أما ضرر الخلاف على القضية الجزائرية فهو أمر يستوي في إدراكه جميع الناس، وأما ضرورة الاتحاد فهي أمر لا يختلف فيه عاقلان، وهو أمنية كل مسلم مخلص لدينه وجنسه ووطنه، وقد شعر به المسؤولون من رجال الأحزاب فتداعوا إليه جهرة، في حين حِدَّة الخلاف وعنفوانه، ووجود أقوى أسبابه، ولا يماري في لزوم الاتحاد إلا قصير النظر في العواقب، أو خادم لركاب الاستعمار من حيث يدري أو لا يدري، أو مدخول النسب في الوطنية.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022