الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

القرآن الكريم كتاب إلهي

الحلقة: الخامسة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1441 ه/ مايو 2020

أولى خصائص القرآن الكريم، أنّه كتابُ الله تعالى؛ الذي يتضمّنُ كلماته إلى خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فهو إلهيُّ المصدر: لفظاً ومعنًى، أوحاه الله إلى رسوله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي الجلي، وهو نزول «الرسول الملكي» جبريل عليه السلام على «الرسول البشري» محمد صلى الله عليه وسلم، وليس عن طرق الوحي الآخرى من الإلهام أو النفث في الرّوع، ومن الرؤيا الصادقة أو غيرها.
قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1].
وقال سبحانه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقرآن مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6].
وقال تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الإسراء:105].
وقد اقتضت حكمةُ الله تعالى أنْ ينزّله منجماً وفقاً للحوادث؛ ليكونَ أرسخَ في مواجهة المحن والشدائد التي تنزل به وبأصحابه، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ۝ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 32-33].
وحكمة أخرى، وهي أنْ يقرأه الرسول الكريم على المؤمنين به على مهل، وحيث يستوعبونه حفظاً وفهماً وعملاً، كما قال الله عز وجل:﴿ وقرآنا قرأناه لتقرأه عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾[الإسراء: 106].
ولكن القرآن عند الله تعالى كتاب معلوم أوله وآخره، مسجَّلٌ في أم الكتاب، أو اللوح المحفوظ، أو الكتاب المكنون، كما صرّحَ بذلك القرآن نفسه: ﴿حم ۝ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۝ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ۝ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: 1 ـ 4].
وقال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قرآن مَجِيدٌ ۝ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 21 ـ 22].
وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقرآن كَرِيمٌ ۝ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ۝ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ۝ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الواقعة: 77 ـ 80].
وأيُّ قارئ للقرآن ـ له عقلٌ وحِسٌّ ـ يستيقن أنّـه ليس كلام بـشر، وأنّـه متميز عن كـلام الرسول صلى الله عليه وسلم؛ الذي يتمثّل في الـحديث النبوي، وإن كـان في ذروة البلاغـة البشرية، وإنّ وجودَ آية قرآنية ضمن حديث نبوي، يجعل لها نوراً خاصاً يحسّ به مَنْ يقرؤها أو يسمعها، ويشعر أنّها ليست من جنس مـا قبلها وما بعدها.
ومن روائع ما قال الإمام ابن القيم عن «الخطاب القرآني» قوله في كتابه «التبيان في أقسام القرآن»: تأمّل في خطاب القرآن تجد ملكاً له المُلك كله، وله الحَمْدُ كله، أزمّةُ الأمور كلّها بيده، ومصدرُها منه، وموردُها إليه، مستوياً على العرش، لا تخفى عليه خافيةٌ من أقطار مملكته، عالماً بما في نفوس عبيده، مطّلعاً على أسرارهم وعلانيتهم، منفرداً بتدبير المملكة، يسمع ويرى، يعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرةٌ إلا بإذنه، ولا تسقط ورقةٌ إلاّ بعلمه، فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجّد نفسه، ويحمد نفسه، وينصحُ عباده، ويدلّهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغّبهم فيه، ويحذّرهم ممّا فيه هلاكُهم، ويتعرّف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبّب إليهم بنعمه والائه، يذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذّرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعدّ لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعدّ لهم من العقوبةِ إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبةُ هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه لصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم، ويذمّ أعداءه بسيّئ أعمالهم، وقبيحِ صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوع الأدلة والبراهين، ويجيبُ على شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام، ويذكر أوصافهم وحسنها ونعيمها، ويحذّر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها والامها، ويذكّر عباده بفقرهم إليه، وشدّة حاجتهم إليه من كل وجه، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكرهم بغناه عنهم وعن جميع الموجودات، وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه.

يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب:
الإيمان بالقرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022