الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

القرآن الكريم كتاب محفوظ

الحلقة: السادسة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1441 ه/ مايو 2020

من خصائص القرآن أنّه كتابٌ محفوظ، تولّى الله تعالى حفظه بنفسِه، ولم يكل حفظه إلى أحدٍ، كما فعل مع الكتب المقدسة الآخرى.وقد نوّه الله سبحانه بعظمة القرآن بذكر حفظه قبل نزوله في آيات، منها:
قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ۝ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ۝ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ۝ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ۝ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ۝ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 11 ـ 16].
وأمّا حفظ الله تعالى للقرآن أثناء نزوله؛ فيدل عليه قوله تعالى: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء: 105].
وأمّا حفظ الله تعالى للقرآن بعد نزوله؛ فيدل عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
والصيغـةُ تـدلُّ على التأكيد من عِدّة أوجهٍ يعرفها دارسو العربية، منها: اسمية الجملة، وتأكيدها بحرف إن، ودخول اللام المؤكدة على الخبر (لحافظون) ولحفظ الله إياه فقد بقي كما هو: طودا أشم، عزيزا لا يقتحم حِماه، وكل محاولة لتغيير حرف منه مقضيٌّ عليها بالفشل، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ۝ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41-42].
وقد هيأ الله تبارك وتعالى للقرآن العظيم ظروفاً تختلِفُ عن الكتب السابقة فحفظه دونها، ومن ذلك:
1ـ هيّأ أمة قوية في ذاكرتها وحافظتها، ذلك أنَّ العربَ الأوائل في جاهليتهم كانوا متمكنين من ذلك، حيث يَرْوُون ألوفاً من أبيات الشعر من غير تدوين، إنما يعتمدون في ذلك على الحفظ.
2ـ هيّأ للقرآن العظيم سهولةَ الحفظِ، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17].
3ـ هيّأ له أمة مستقرة ممكنة في الحفظ والفهم، والأمانة، فكان الحفاظ يحفظونه على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يُتقِنُوا الحفظ، ثم يُدوّنونه بعد ذلك، ويقف عليهم بنفسه في مراجعة ذلك.
4ـ هيّأ له مراجعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم له في الملأ الأعلى، حيث كان يحفظُ ما يوحي إليه، ثم يُراجعه على جبريل عليه السلام مرةً كل سنة، وفي السنة الأخيرة من حياته المباركة راجع جبريلُ القرآن كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
5ـ بعد الفراغ من تدوينه لم يَعُدْ هناك مجالٌ لعبثِ عابثٍ، وظلَّ الحفّاظُ المتقنون يُراجعون كلَّ نسخةٍ تكتب من المصحف مراجعةً فاحصةً، ولمّا أصبح للمصحف مطابع خاصة، كُونت لجان متخصصة ومتأهلة من كبار حُفاظ العالم الإسلامي، تُراجع وتُدقق كلّ حرف منه قبل أن تأذن بطبعه.
وبهذه الوسائل تحقّق للقرآن العظيم ذلك الحفظُ الذي قدّره الله له منذ الأزل، وهو اللوح المحفوظ، وأنجز وعده الصادق: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
وفي سبك الجملتين من الدلالة على كمال الكبرياء والجلالة، وعلى فخامة شأن التنزيل ما لا يخفى.

يمكنكم تحميل سلسلة كتب الإيمان كتاب:
الإيمان بالقرآن الكريم
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022