الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

وجوب محبة النبي (صلى الله عليه وسلم)

الحلقة: الثانية والخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020


لمّا كانت محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم واجبات الإيمان ، وأكبر أصوله ، وأجل قواعده ، بل هي أصلُ كل عمل من أعمال الإيمان والدّين ، كما أنَّ التصديق أصلُ كلّ قولٍ من أقوال الإيمان، ولمّا كانت هذه المحبةُ من الإيمان الواجب الذي لا يتمّ إيمانُ العبدِ إلاّ به ، ولما كانت هذه المحبّة هي إحدى الحقوق الواجبة للنبيِّ صلى الله عليه وسلم على أمته ، فقد جعل الله هذه المحبة فوق محبة الإنسانِ لنفسه وأهله وماله والناس أجمعين ، كما نصَّ على ذلك:
أ ـ في كتاب الله العزيز ، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ *} [التوبة : 24].
فالاية نصّت على وجوب محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنّ تلك المحبة يجب أن تكون مقدّمةً على كلِّ محبوبٍ ، ولا خلافَ في ذلك بين الأمة.
كفى بهذه الاية حضّاً وتنبيهاً ، ودلالة وحجة على لزوم محبته ، ووجوب فرضها ، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذا قرّع تعالى مَنْ كان مالُه وأهلُه وولدُه أحبَّ إليه من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} ، ثم فسّقهم بتمام الاية ، وأعلمهم أنهم ممّن ضلَّ ، ولم يهده الله.
ب ـ ومن الايات التي يستدلّ بها على وجوب محبّةِ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، فالايةُ دليلٌ على أنّ مَنْ لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به من نفسه ، فليس من المؤمنين ، وهذه الأولوية تتضمّن أموراً أهمها:
أن يكونَ النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ إلى العبدِ من نفسه ، لأنَّ الأولية أصلُها الحبّ ، ونفس العبد أحبُّ إليه من غيره ، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها ، فبذلك يحصلُ له اسمُ الإيمانِ.
ويلزمُ من هذه الأولوية والمحبة كما الانقياد والطاعة والرضا والتسليم وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه والتسليم لأمره ، وإيثاره على من سواه.
ج ـ ومما يستدلُّ به كذلك على وجوب محبّة النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة : 165].
ووجه الاستدلال بهذه الاية: أنَّ الاية قد تضمّنت وجوبَ محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنّه ممّا يدخل في محبة الله محبة ما يحبّه الله ، والله يحبُّ نبيه وخليله صلى الله عليه وسلم ، فمن أجل ذلك وجبتْ علينا محبته ، ومن المعلوم أن أصل حب أهل الإيمان هو حب الله ، ومن أحب الله أحب من يحبه الله ، وكل ما يحب سواه فمحبته تكون تبعاً لمحبة الله ، إذ ليس في الوجود ما يستحقُّ أن يحبّ لذاته من كلّ وجهٍ إلا الله تعالى ، فالرسولُ صلى الله عليه وسلم إنّما يحب لأجل الله ، ويطاع لأجل الله ، ويتبع لأجل الله ، وكذا الأنبياء والصالحون وسائر الأعمال الصالحة تَحبُّ جميعاً ، لأنها مما يُحِبُّ الله ، وبهذا يعلم تعين محبة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوبها ولزومها.
هذا وقد جاء ذكر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مقترناً بمحبّة الله في قوله تعالى: وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ بهنّ حلاوةَ الإيمان: مَنْ كانَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سواهما...».
وهذا الاقترانُ يدلِّل على مدى الصلة الوثيقة بين محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كانتْ محبّةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم داخلةً ضِمْنَ محبة الله تعالى أصلاً ، لكنّ إفرادها بالذكر مع أنّها ضِمْنَ محبّة الله فيه إشارة إلى عِظَمِ قدرها وإشعارٌ بأهميتها ومكانتها.
د ـ ومن الأدلة: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} [ال عمران: 31].
ففي هذه الاية إشارةٌ ضمنية إلى وجوبِ محبّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، لأنَّ الله تبارك وتعالى قد جعل برهانَ محبّته تعالى ودليلَ صدقها هو اتّباعُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا الاتّباعُ لا يتحقّقُ ولا يكونُ إلا بعد الإيمان بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، والإيمانُ به لابدّ فيه من تحقق شروطه ، التي منها محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فوالذي نفسي بيده لا يؤمنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده».
هـ والأدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده حتى أكونَ أحبَّ إليكَ من نفسِكَ» فقال له عمر: فإنّه الان واللهِ لأنتَ أحبُّ إليَّ من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الان يا عمر».
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولدِه والناسِ أجمعين».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثٌ منْ كُنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإيمان: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سواهما ، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبّه إلا لله ، وأن يكرَهَ أن يعودَ في الكفرِ بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن يُقْذَفَ في النار».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «وما أعددتَ للساعة؟» قال: حب الله ورسوله. قال: «فإنك مع مَنْ أحببت» قال أنس: فما فرحنا بعدَ الإسلام فرحاً أشدَّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنك مع من أحببتَ» قال أنس: فأنا أحبُّ الله ورسوله وأبا بكر وعمرَ ، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم.
من علامات محبته صلى الله عليه وسلم:
اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم.
الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم.
تمني رؤيته والشوق إلى لقائه صلى الله عليه وسلم.
النصيحة لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم.
تعلّم القران الكريم.
محبة من أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
بغض من أبغض الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الزهد في الدنيا.


يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book94(1).pdf 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022