توقير النبي صلى الله عليه وسلم في آله وأزواجه أمهات المؤمنين
الحلقة: الرابعة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020
إنّ من توقير النبي صلى الله عليه وسلم ورعاية جنابه وتبجيله وتعظيمه توقيرُ اله وذريته وأزواجه ، كما حضَّ عليه صلى الله عليه وسلم ، وسلكه السلف الصالح رضوان الله عليهم.
أ ـ فال بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوقِ ما يجبُ رعايتُها ، فإنَّ الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء:
قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [الانفال : 41].
وقال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر : 7].
وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث عن كعب بن عُجْرة رضي الله عنه قال: خرجَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد ، وعلى ال محمد ، كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وعلى ال محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد».
فالصلاة على ال محمّدٍ حقُّ لهم عند المسلمين ، وذلك سببٌ لرحمة الله تعالى لهم بهذا النسب ، كما تجبُ محبتهم لحبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأن محبتهم من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنّ نتولاهم ، ونحفظ فيه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في يوم غدير خم: «وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي».
فقيل لزيد بن أرقم: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟.
قال: نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته مَنْ حُرمَ الصدقةَ بعده.
قيل: ومن هم؟.
قال: الُ عليِّ ، وال عقيل ، وال جعفر ، وال عباس.
قيل: كلُّ هؤلاء حُرِمَ الصدقة؟.
قال: نعم.
ولا تنكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم ، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وُجِدَ على ظهر الأرض فخراً وحسباً ، إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ، كما كان عليه سلفهم العباس وبنوه وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين. وكذلك ال عقيل وال جعفر كما في حديث مسلم السابق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله اصطفى كنانةَ من ولدِ إسماعيلَ ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريشٍ بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم».وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: ارقبوا محمّداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته.
ب ـ أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهن أجمعين فيجب علينا أن نحفظ لهنّ حقهنّ في الحرمة والاحترام ، والتوقير والإكرام والإعظام ، والمكانة التي جعل الله لهنّ ، فلقد رفع الله مقامهن ، وبوّأهن أعلى منزلة عند جميع المؤمنين ، وهي منزلة الأمومة ، فجعلهنّ أمهات في التحريم والاحترام ، فقد قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الاحزاب : 6].
شرّف الله تعالى أزواجَ نبيّه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين ، أي في وجوب التعظيم والإجلال ، وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهنّ رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات.
وكيف لا تكون لهنّ هذه المنزلة والمكانة وهنّ اللائي اخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الاخرة، عندما نزلت ايتا التخيير ، قال تعالى: {تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *} [الاحزاب : 28 ـ 29].
وبعد اختيارهن رضي الله عنهن اللهَ ورسولَه والدّارَ الاخرة كرّمهن الله تبارك وتعالى ، وكافأهنّ ، فكان لهنّ ما أعد الله لهنّ من الأجر العظيم.
ثم ميّزهن عن نساءِ العالمين في العذاب والأجر فقال: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الاحزاب : 32]. يعني في الفضل والشرف ، وذلك لما منحهنَّ الله من صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعظيم المحل منه ، ونزول القران في حقهن.
ولقد تضمنت سورة الأحزاب كثيراً من الأمور التي أكرم الله بها أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، مجازاة لهن على حسن صنيعهن في اختبارهنّ لله ورسوله والدار الاخرة ، فمن حقهنّ علينا أن نحفظَ لهنَّ هذه المكانة ، وذلك بأن نتولاهن ، وأن نثني عليهن بما ورد في فضائلهن ، ومع ما كان لهن من دور في مؤازرة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته ، وما كان لهنّ من دور بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في حفظ مسائل الدين ، ونشرها بين الأمة.
والمسلمون يتولّون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، ويؤمنون بأنهنّ أزواجه في الاخرة ، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أولاده ، وأوّل من امن به ، وعاضده على أمره ، وكان له منها المنزلة العالية ، والصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما ، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «فضلُ عائشةَ على النساءِ ، كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعام».
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book94(1).pdf