توقير النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه رضوان الله عليهم:
الحلقة: الخامسة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1441 ه/ أغسطس 2020
من توقيره وبرّه صلى الله عليه وسلم توقيرُ أصحابه وبرُّهم ، ومعرفة حقهم ، والاقتداء بهم ، وحسنُ الثناء عليهم ، والاستغفارُ لهم ، والإمساكُ عما شجر بينهم ، ومعاداةُ مَنْ عاداهم.. ولا يُذْكَرُ أحدٌ منهم بسوء ، ولا يُغْمَصُ عليه أمرٌ ، بل تُذْكَرُ حسناتُهم وفضائلُهم وحميدُ سيرتهم ، ويُسْكَتُ عمّا وراء ذلك.
فهم أناس قد اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وخَصَّهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وسماع حديثه من فمه الشريف ، وتلقي الشريعة وأمور الدين عنه ، وتبليغ ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من النور والهدى على أكمل الوجوه وأتمّها ، فكان لهم الأجرُ العظيمُ لصحبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهادِ معه في سبيل الله ، وأعمالهم الجليلة في نشر الإسلام والدعوة إليه ، ولهم من الأجر مثل أجور مَنْ بعدهم ، لأنّهم الواسطة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً ، ولقد أوجبت الحالُ التي كانوا عليها من الهجرةَ والجهادَ والنُّصرةَ ، وبذلَ المُهَج والأموال ، وقتل الاباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين: القطع على عدالتهم ، وأنهم أفضل من جمع المعدِّلين والمزكّين ، الذين يجيئون من بعدهم أبدَ الابدين.
ولقد أثنى ربّهم عليهم أحسنَ الثناء ، ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقران ، ووعدهم المغفرة والأجر العظيم ، فقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا *} [الفتح : 29].
وأخبر في ايةٍ أُخرى برضاه عنهم ، ورضاهم عنه ، فقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *} [التوبة : 100]. وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح : 18].
وأمر النبيُّ بالعفو عنهم ، والاستغفار لهم ، فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [ال عمران: 159].
وأمره بمشاورتهم تطييباً لقلوبهم ، وتنبيهاً لِمَنْ بعدهم من الحكّام على المشاورة في الأحكام فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [ال عمران: 159].
وندب مَنْ جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم ، وألا يجعلوا في قلوبهم غِلاَّ للذين امنوا فقال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *} [الحشر : 10].
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، ونهى عن النيل منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا أصحابي ، فلو أنّ أحدَكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه».
كما شهد صلى الله عليه وسلم بكونهم خيرَ أمته التي هي خيرُ الأمم ، فقال صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني» فالصحابة كلّهم عدولٌ بتعديلِ الله لهم ، وثنائه عليهم ، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال النووي: الصحابةُ كلُّهم عدولٌ مَنْ لابسَ الفتن وغيرهم بإجماع مَنْ يعتدّ به.
وقال ابن حجر: اتفق أهل السنة على أنّ الجميعَ عدولٌ ، ولم يخالِفْ في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.
وعن الإمام أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيتَ الرجلَ ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنّه زنديق، وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقران حق ، وإنّما أدى إلينا هذا القران والسنن أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّما يريدون أن يجرِّحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولى، وهم زنادقة.
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book94(1).pdf