الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

الصلاة والسلام على النبي

الحلقة: السادسة و الخمسون والأخيرة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1442 ه/ أغسطس 2020


من حقوق الرسول صلى الله عليه وسلم الثابتة التي تعدُّ جانباً مهماً من جوانب تعظيمه وتوقيره عليه الصلاة والسلام ، فقد أمرنـا الله عز وجل بذلك فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} [الاحزاب : 56] ، فهذه الاية هي الأصل في بيان هذا الحقّ ، وأجمع أهل العلم على أنّ فيها من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وبيانِ منزلته ، والتنويهِ بمقداره ما ليس في غيرها.
والمقصود من هذه الاية أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم عنده في الملأ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأنّ الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر تعالى أهلَ العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمعَ الثناءُ عليه من أهل العالمين: العلوي والسفلي جميعاً، وبهذه الاية شرّف الله نبيّه صلى الله عليه وسلم في حياته ، وبعد موته ، وأظهر للعالمين منزلته عنده.
وقد تضافرت الأدلة النقلية الصحيحة على مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في سائر الأوقات وكثير من الأماكن ، وتتأكد تلك المشروعية في مواطن إما وجوباً وإما استحباباً مؤكداً.
ومن هذه المواطن في الصلاة في التشهد الأول ، وفي التشهد الأخير منها ، وفي اخر القنوت ، وبعد التكبيرة الثانية من صلاة الجنازة ، وفي الخطب ، كخطبة الجمعة والعيدين ، والاستسقاء ، وغيرها ، وبعد إجابة المؤذن ، وعند الدعاء ، وعند دخول المسجد ، وعند الخروج منه ، وعلى الصفا والمروة ، وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم ، وعند ذكره صلى الله عليه وسلم.
ولصلاة العبد على النبي صلى الله عليه وسلم أجرٌ عظيم ، وفضلٌ عميم ، طالما حصّله الذاكرون المصلون ، وضيعه الغافلون.
إنّ طلب الصلاة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هو من أجلّ أدعية العبد ، وأنفعها له في دنياه واخرته.
والأحاديث التي جاءت في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ منها:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذّنَ فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلّوا علي ، فإنّه مَنْ صلّى عليَّ صلاةً ، صلّى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا ليَ الوسيلة ، فإنَّها منزلةٌ في الجنة ، لا تنبغي إلاّ لعبدٍ من عبادِ اللهِ ، وأرجو أن أكونَ أنا هو ، فمن سأل ليَ الوسيلةَ حلّتْ له الشفاعة».
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله إنِّي أكثرُ الصلاة عليك ، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟.
قال: «ما شئتَ».
قلت: الربع؟
قال: «ما شئت، وإن زدتَ فهو خيرٌ».
قلت: النصف؟
قال: «ما شئتَ، وإنْ زدتَ فهو خير».
قلت: الثلثين؟.
قال: «ما شئتَ، وإنْ زدتَ فهو خيرٌ».
قلت: أجعلُ لك صلاتي كلها ؟.
قال: «إذن تكفى همّك، ويُغْفَرُ لكَ ذنبُك».
وبوقفة يسيرة مع هذه الأحاديث وغيرها يعرِفُ المرءُ عظيمَ فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنّه يجني بامتثال هذا الأمر ثمراتٍ نافعةٍ ، ويحصل على فوائدَ جمةٍ في الدنيا والاخرة ، وذلك لأنّ صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم امتثالٌ لأمر الله أولاً ، وموافقة له سبحانه وتعالى في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً ، وكذلك موافقة ملائكته الكرام عليهم السلام ، وإن اختلفت تلك الصلوات ، فصلاتُنا عليه دعاءٌ وسؤالٌ ، وصلاةُ الله عليه ثناءٌ وتعظيمٌ وتشريفُ ، وصلاة الملائكة عليه رقةٌ تبعث على استدعاء الرحمة.
وقد ذكر العلامة ابن القيم في الباب الرابع من كتابه الرائع «جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام» عدداً من تلك الفوائد الجمة ، والثمرات النافعة من أهمها:
* امتثال أمر الله.
* حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
* أنه يُرفع عشر درجات.
* أنه يُكتب له عشر حسنات.
* أنه يُمحى عنه عشر سيئات.
* أنه يُرْجَى إجابة دعائه إذا قدّمها أمامه، فهي تصاعِدُ الدعاءَ إلى عند رب العالمين.
* أنها سببٌ لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤالِ الوسيلةِ له.
* أنها سببٌ لغفران الذنوب.
* أنها سببٌ لكفايةِ الله العبدَ ما أهمّه.
* أنها سببٌ لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يومَ القيامةِ.
* أنها سببٌ لدوام محبّته للرسول صلى الله عليه وسلم، وزيادتها، وتضاعفها.
* أنّ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سببٌ لمحبته للعبد
* أنها سببٌ لهدايةِ العبدِ وحياةِ قلبه.
* أنها سببٌ لعرض المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده.
* أنّ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أداءٌ لأقل القليل من حقه، وشكرٌ له على نعمته التي أنعم الله بها علينا.
* أنّها متضمِّنةٌ لذكر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبده بإرساله.
هذه بعض الفوائد والثمار للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
والأحاديث التي بينت الفوائد كثيرة منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلّى علي واحدةً صلى الله عليه عشراً».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلّى علي صلاةً واحدةً صلّى الله عليه عشرَ صلوات، وحطَّ عنه عشرَ خطيئات».
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أولى الناسِ بي يومَ القيامةِ أكثرُهم عليَّ صلاةً».
وكما وردت أحاديثُ ترغّب في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتبيّن فضلها ، فقد وردت أحاديثُ تذمُّ تاركَ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، منها:
ما رواه أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكِرْتُ عندَه فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دَخَلَ عليه رمضانُ، ثم انسلخ قبلَ أن يُغْفَرَ له ، ورَغِمَ أنفُ رَجُلٍ أدركَ عنده أبواه الكِبَرُ ، فلم يُدْخلاهُ الجنة».
وروى الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البخيلُ مَنْ ذكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ».
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نسيَ الصلاةَ عليَّ أَخْطَأَ طريقَ الجنّة».
وفي الختام نرجو من الله تعالى أن يرزقنا حُسْنَ الاقتداء، والحِرْصَ على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والقيامَ بحقوقه، وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان بالرسل والرسالات
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book94(1).pdf 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022