الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

خزنة النار
الحلقة:الحادية الأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020
 
1 ـ عدد خزنة النار:
قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ *لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ *لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ *﴾ [المدثر: 27 ـ 30] فعددُهم تسعةَ عشرَ ملكاً، ولكنّ القرطبي قال: والصحيح ـ إن شاء الله ـ أنّ هـؤلاء التسعة عشر هم الرؤساءُ والنقباءُ، وأمّا جملتُهم فالعبارةُ تعجَزُ عنها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى﴾ [المدثر: 31] وقد ثبت في ( الصحيح ) عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (ﷺ): «يؤتى بجهنّم يومئذٍ لها سبعونَ ألفَ زمامٍ، مع كلِّ زمامٍ سبعونَ ألفَ ملكٍ يجرُّونها ».
2 ـ أسماءُ خزنةِ النار:
أمّا كبيرُ خزنة النار فهو مالك رضي الله عنه، وجاء ذكره في الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ *﴾ [الزخرف: 77] وهو خازن ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ﴾، أخرج البخاريُّ عن صفوان بن يعلى عن أبيه رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ (ﷺ) يقرأ على المنبر: « أي يقبِضُ أرواحَنا فيريحَنا ممّن نحنُ ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾، فإنّهم كما قال تعالى: وقال ﴿يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ وجل: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى *الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى *ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا *﴾ [الأعلى: 11 ـ 13] فلمّا سألوا أن يموتوا أجابهم مالك: قال ابن عباس: مكث ألفَ سنةٍ ثم ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ *﴾: إنّكمُ ماكثون، أي لا خروجَ لكم منها، ولا محيدَ لكم عنها .
وقد وصف الله عز وجل خزنةَ النارِ بأنّهم وهم الذين يتولَّوْن تعذيبَ الكفار والعصاة في ﴿الزَّبَانِيَةَ *﴾، كما قال سبحانه: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ*﴾ [العلق: 17 ـ 18] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال أبو جهل: هل يعفّرُ محمَّدٌ وجهه بين أظهركم، قال فقيل: نعم، فقال: واللاتِ والعُزَّى لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقبتِهِ، أو لأعفّرَنَّ وجهَهُ في الترابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ (ﷺ) وهو يصلِّي زعمَ ليطأَ على رقبتِهِ، قال: فما فَجِئهُم منه إلاّ وهو ينكُصُ على عقبيه، ويتّقي بيديه، قال: فقيل له: مالكَ؟ فقال: إنَّ بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهولاً وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ (ﷺ): « لو دنا منِّي لاختطفتهُ الملائكةُ عُضْواً عُضْواً » قال: فأنزل الله عز وجل: ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى *أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى *إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى *أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى *عَبْدًا إِذَا صَلَّى *أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى *أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى *أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى *أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى *كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ *نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ *فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ *سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ *كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ *﴾ [العلق: 6 ـ 19] .
3 ـ صفاتهم:
وحديثُنا هنا عن صفاتهم الزائدةُ عن الصفات العامة المشتركة للملائكة، وقد ذكر الله تعالى من صفاتهم صفتين، وهاتان الصفتان شاملتان لجميع الصفات، وهما: الغِلْظةُ والشِّدَّةُ، فهي فيهم، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ *﴾ [التحريم: 6] .
وقد ذكر الله تعالى جلّ جلاله بعضَ المواقف التي تبيّن شيئاً من غلظتهم مع أصحاب النار في ثلاثة مواطن :
الموطن الأول: عند فتح أبواب جهنم لإدخالهم فيها، قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ *قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ *﴾ [الزمر: 71 ـ 72] .
الموطن الثاني: عند دخولهم النار، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ *وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ *فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأِصْحَابِ السَّعِيرِ *﴾ [الملك: 8 11] .
الموطن الثالث: عند سؤال أهل النار خزنة جهنم أن يشفعوا لهم عند الله في تخفيف العذاب، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ *قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ *﴾ [غافر: 49 ـ 50] .
 
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022