ما أعدّ الله لأهلِ النّارِ من عذابِ
الحلقة:الثالثة والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020
1 ـ شدة العذاب:
ومن شدّة عذابها أنَّ نفخةً واحدةً منها تكفي بأَن يقرّوا بكلّ شيءٍ، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُن ياوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ*﴾ [الأنبياء: 46] وقال تعالى: ﴿كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ *نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ *الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ *إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ *فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ *﴾ [الهمزة: 4 ـ 9] وقد اشتملت هـذه السورةُ ـ مع قصرها ـ على سبعِ أمورٍ تدلُّ على عظيمِ عذابِ نار جهنم، وشدته، وهي كما يلي :
أ ـ قوله: والنبذُ يُستخدَمُ ﴿لَيُنْبَذَنَّ﴾، والمهانة، والذلّ، ويقال: فلانٌ منبوذٌ، أي مهانٌ محتَقر، لا نصير له، ولا معُزّ، فهم إضافةً لعذابهم البدني بالنار، فإنّهم يعذّبون عذاباً نفسياً بالمهانة والتحقير .
ب ـ قوله: تسميةُ النار بالحُطَمَةِ تعظيمٌ ﴿الْحُطَمَةِ *﴾، لأنّها تَحْطِمُ عظامَ ورؤوسَ مَنْ دخلها .
ج ـ قوله: هـذا الأسلوبُ أسلوبُ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ *﴾، كقوله تعالى: ﴿الْحَآقَّةُ *مَا الْحَآقَّةُ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَآقَّةُ *﴾ [الحاقة: 1 ـ 3] وقوله: ﴿الْقَارِعَةُ *مَا الْقَارِعَةُ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ *﴾ [القارعة: 1 ـ 3] .
د ـ قوله تعالى: ﴿نَارُ اللَّهِ *﴾ الله تعالى النار إلى نفسه سبحانه، وهـذه إضافةُ تعظيمٍ، كقوله تعالى: « بَيْتُ الله » و« نَاقَةُ اللهِ » .
هـ وقوله تعالى: على وزن ﴿الْمُوقَدَةُ *﴾، وهـذه الصيغةُ من صيغ اسم المفعول، ومن المعلوم أنّ هـذه الصيغة تدلُّ على من وقع عليه الفعل، فهي إذن نار، ويوقد عليها، والإيقاد إنّما يكون بالنار، وهـذا من الغرائب، كيف يوقد على النار، وهي التي يوقد بها لا عليها، ولكنّ نار جهنم من شدّة نارها وحرارتها يوقَدُ عليها حتّى لا تخبوَ وتضعفَ، كما قال تعالى: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا *﴾ [الإسراء: 97] .
و ـ: من شدة حرارة جهنم أنها ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ *﴾ تحرِقُ الأبشار والجلودَ فقط، بل يصلُ حَرْقُها ونارُها وحرارتُها إلى القلبِ والفؤادِ .
ز ـ من شدّة عذابها أنها مُحْكَمةُ ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ *فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ *﴾، موصَدةُ الأبوابِ، ممدّدةُ الأعمدةِ والأسوارِ، لا منجا منه ولا مهرب ولا مفر .
2 ـ إحاطة النار بأهلها:
قال تعالى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ *﴾ [ص: 55 ـ 56] وقال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ﴾ [الأعراف: 41] المهاد: المكان الممهد، الموطأ[(566)]، وهو الفراش، وهـذا يكونُ من تحتهم، ومهادُهم من جهنم، وغواش: جمع غاشية أي: نيران تغشاهم وقال تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلاَ عَنْ ظُهُورِهِمْ ولاَ هُمْ يُنْصَرُونَ *﴾ [الأنبياء: 39] وقال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ *يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *﴾ [العنكبوت: 54 ـ 55] وقال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ *﴾ [الزمر: 16] الظل: جمع ظلة، والظلة سحابة تظلُّ، كغرفة وغرف، كقوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ [الأعراف: 171] وقوله: ﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ [الشعراء: 189] وهـذه الظُّلَلُ من نارٍ .
3 ـ قيودُ أهل النار وأغلالُهم وسلاسلُهم ومطارِقُهم:
أعد الله تعالى لأهل النار أغلالاً وسلاسلَ وقيوداً ومطارقَ، وأوثق بها أهل الكفر وثاقاً لا يمكن لأحدٍ من العالمين أن يوثِقَه، قال تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ *وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ *﴾ [الفجر: 25 ـ 26] .
والأغلال: جمع غل، وهو ما يقيّد به، فتجعل الأعضاء وسطه، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *﴾ [سبأ: 33] .
والأصفاد: جمع صفد وهو الغل، والأصفاد هي الأغلال . قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *﴾ [إبراهيم: 49] .
والسلاسلُ: معروفةٌ، هي القيودُ من حديدٍ . قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ *الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ *﴾ [غافر: 69 ـ 74] وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا *﴾ [الإنسان: 4] وطول هـذه السلسلة سبعون ذراعاً، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ *ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ *﴾ [الحاقة: 31 ـ 32] وطولُ السلسلةِ لا يُسْتغرَبُ، ولا يشِكلُ، لأنَّ الكافرَ يكبرُ حجمهُ في النار، حتّى يكون ضِرْسُه كجبل أُحد.
والمقامع هي المطارق، ومقامِعُ أهل النار من مادة الحديد حتى يكونَ وقعُها أشدُّ، قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ *كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ *﴾ [الحج: 21 ـ 22] أي كلّما أرادَ أحدُهم الخروجَ من النار ضُرِبَ بالمقمعِ، فيهوي مرّةً أخرى في النار.
4 ـ قرن أهل النار بمعبوداتهم وشياطينهم:
قال تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ *مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ *﴾ [الصافات: 22 ـ 23] وقال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ *لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ *﴾ [الأنبياء: 98 ـ 99] لمّا عبد الكفار الالهة من دون الله، واعتقدوا أنّها تشفعُ لهم عند الله، وتقرّبهم إليه، عوقبوا بأنْ جُعِلَتْ معهم في النار، إهانةً لهم وإذلالاً، ونكايةً لهم، وإبلاغاً في حسرتهم وندامتهم، فإنَّ الإنسانَ إذا قُرِنَ في العذاب بمن كان سبب عذابه كان أشدّ في ألمه وحسرته، ومن أجل ذلك يُقْذَفُ يومَ القيامة بالشمس والقمر في النار، ليكونا ممّا توقد به النار، تبكيتاً للظالمين الذين يعبدونهما من دون الله ففي الحديث: « الشمسُ والقمرُ يكوّران يوم القيامة ».
ولهـذا المعنى يقرن الكفار بشياطينهم ليكونَ أشدَّ لعذابهم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ *وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ *حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ *وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ *﴾ [الزخرف: 36 ـ 39] .
5 ـ سجون أهلِ النار:
قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ *﴾ [المطففين: 7 ـ 8] سجّين فعيل من السجن، وهو الضيق، كما يقال: فسيح وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك، ولهـذا أعظم الله أمره فقال: أي أمرٌ ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ *﴾، وسجنٌ مقيم، وعذابٌ أليم.
وقال رسول الله (ﷺ): «يُحْشَرُ المتكبّرون يوم القيامة أمثالَ الذَّرِّ في صورِ الرجالِ، يَغْشَاهُمُ الذّلُّ من كلِّ مكانٍ، فيُساقونَ إلى سجنٍ في جهنم يسمّى بُوْلَس، تعلوهم نارُ الأنيار، يُسْقَوْن من عُصارة أهلِ النارِ، طينةِ الخبال » .
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي