الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

طعام وشراب ولباس أهل النار
الحلقة:الرابعة والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020
 
ذكر الله تعالى في اياتٍ كثيرة أنواعاً من طعامهم، وهي كما يلي :
أ ـ النار: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *﴾ [البقرة: 174] أي إنّما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق ناراً تأجّجُ في بطونهم يومَ القيامة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا *﴾ [النساء: 10] وقال رسول الله (ﷺ): «الذي يَشْرَبُ في إناءِ الفِضَّةِ، إنّما يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نارَ جَهَنَّمَ».
ب ـ الزقوم: من أشجار النار الزقوم، وهي شجرةٌ لا نفعَ فيها، فهي لا ظلَّ لها ينعمون به، ومنظرُها بشعٌ، فطلعُها كأنّه رؤوسُ الشياطين، وما الظنُّ بشجرةٍ تنبتُ في أصلِ الجحيم، وإنّما القصدُ من وضع هـذه الشجرة هو تعذيبهم بها، فيأكلون من ثمرها، ظناً منهم أنّه ينفعهم، فما يزيدُهم إلاّ عذاباً، فإذا أكلوا بدأ يغلي في بطونهم، فيفزعون يبحثون عن الماء ليطفىءَ الغليان الذي في بطونهم، فيشربونَ من ماءِ الحميمِ يكرعون منه كرعاً، فيقطّعُ أمعاءَهم، ويتضاعفُ العذاب عليهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ *طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ *كَغَلْيِ الْحَمِيمِ *خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ *ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ *ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ*﴾ [الدخان: 43 ـ 49] .
ج ـ المهل: قيل: هو عكر الزيت، وقيل: النُّحاس المذاب . فيبدأ يغلي في بطنه كما يغلي الحميمُ وهو الماءُ الحار، قال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ *لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ *فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ *فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ *هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ *﴾ [الواقعة: 51 ـ 56] . فقوله ﴿فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ *﴾ أي: على الزقومِ ليطفأ ، و﴿الْهِيمِ *﴾: هي الإبلُ العطاش، واحدها أهيم والأنثى هيماء، ويقال هائم وهائمة، والهِيمُ: داءٌ يأخذُ الإبلَ، فلا تروى أبداً حتى تموت، فكذلك أهلُ جهنم لا يروون من الحميم أبداً ، وقال تعالى: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ *إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ *إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ *طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ *فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ *ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإَِلَى الْجَحِيمِ *﴾ [الصافات: 62 ـ 68] . فبعد شربهم من الحميم يرجعون مرة أخرى إلى النار، فهـذا حالُهم من شجر الزقوم مرةً أُخرى، وهـكذا كأنهم في طواف، قال تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ *يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ *﴾ [الرحمـن: 43 ـ 44] والحميم الان: هو الماءُ الذي بلغ أقصى حرارته .
د ـ الغسلين: قال تعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ *وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ *لاَ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ *﴾ [الحاقة: 35 ـ 37] الغسلين: غُسالةُ أبدانِ الكفّار في النار، وهو الدمُ والماءُ الذي يسيلُ من لحومهم.
هـ الضريع: قال تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ *لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ *﴾ [الغاشية: 6 ـ 7] الضريعُ: نباتٌ في الحجازِ له شوكٌ كبار، يقال له: الشرِق، فإذا يبسَ قيل له: الضريع .
و ـ طعام ذو غصة: قال تعالى: ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا *وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا *﴾ [المزمل: 12 ـ 13] قال ابن عباس في قوله ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾ قال: شوكٌ يأخذُ ، لا يدخلُ ولا يخرجُ .
شرابهم:
أ ـ الحميم: وهو الماءُ المغليُّ شديد الحرارة قال تعالى: ﴿الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ *﴾ [الأنعام: 70] وقال تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ *يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ *﴾ [الرحمـن: 43 ـ 44] أي: بلغ وقته من شدة الحر، ومنه قوله تعالى: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ *﴾ [الغاشية: 5] قال تعالى: ﴿فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ *وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ *لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ *﴾ [الواقعة: 42 ـ 44] قوله ﴿سَمُومٍ وَحَمِيمٍ *﴾ أي: هواء ، وماء حار، وقال تعالى: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا *إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا *﴾ [النبأ: 24 ـ 25] وهـذه الحميم إذا شربوه قطّع أمعاءَهم، كما قال سبحانه ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ *﴾ [محمد: 15] وإذا لم يشربوه صُبَّ فوق رؤوسهم، فتنصهِرُ جلودهم وما في بطونهم، قال تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ﴾ [الحج: 19 20] وقال رسول الله (ﷺ): «إنَّ الحميمَ ليُصَبُّ على رؤوسهم، فينفذُ الحَمِيْمُ حتّى يخلصَ إلى جوفه، فَيَسْلتُ ما في جوفِهِ حتّى يمرقَ من قدميه، وهو الصَّهرُ، ثم يعادُ كما كان» .
ب ـ ماء الصديد: قال تعالى: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ *يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ *﴾ [إبراهيم: 16 ـ 17] الصديد: هو القيح والدم . ولا يزالُ هـذا الصديدُ يكثُرُ خروجُه من أهل النار، حتّى يصبحَ نهراً يسمّى نهر الخبالِ .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله (ﷺ): « مَنْ شَرِبَ الخمرَ لم تقْبَلْ له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، فإنْ عادَ لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، فإنْ عادَ لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، فإنْ عادَ الرابعةَ لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أربعينَ صباحاً، فإنْ تابَ لم يَتُبِ اللهُ عليه، وغضبُ الله عليه، وسَقَاهُ من نَهْرِ الخبال »، قيل: يا أبا عبد الرحمـن، وما نهرُ الخبال؟ قال: «نهرٌ من صديدِ أهلِ النّارِ» .
ج ـ ماء كالمُهل: قال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: 29] المُهْلُ: دَرْدِيُّ الزيتِ، وهو ما يبقى في أسفله، فهو ماءٌ ثقيل، يختلِفُ عن الحميم .
د ـ الغَسّاق: قال تعالى: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا *إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا*﴾ [النبأ: 24 ـ 25] وقال تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ *وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ *﴾ [ص: 57 ـ 58] أمّا الحميمُ فهو الحارُّ الذي قد انتهى حرُّه، وأما الغَسّاقُ فهو ضِدّهُ، وهو البارِدُ الذي لا يُسْتَطاعُ من شدّةِ برده المؤلم، ولهـذا قال عز وجل: أي: وأشياء من هـذا ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ*﴾: الشيءُ وضِدُّه يعاقبون بها .
وعن مجاهد قال: الغَسّاقُ الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من شدّة برده. وعن أبي العالية في قوله تعالى: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا *إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا *﴾ [النبأ: 24 ـ 25] قال: استثنى من الشراب: الحميمَ، ومن الباردِ: الغسّاق.
لباس أهل النار:
بعد أن يُحْشَرَ الناسُ حفاةً عُراةً يُلْبَسُون لباساً، وهـذا اللباسُ ليسَ لسترِ العورةِ، ولا للزينةِ، لأنّه لباسٌ مقطَّعٌ ممزّقٌ، بل لباسٌ لزيادةِ العذابِ، فهو لباسٌ من نارٍ، قال تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ *يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ*﴾ [الحج: 19 ـ 20] قوله: ﴿قُطِّعَتْ﴾ يعني ليست مفصّلة على ، بل هي مقطّعةٌ ممزّقةٌ، وكان إبراهيمُ التَّيْميُّ إذا قرأ هـذه الآية يقول: سبحانَ من قطّع من النيران ثياباً، وقال تعالى: ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ *﴾ [إبراهيم: 50] السرابيل: جمعُ سربال، والسربالُ هو القميصُ أو الدّرعُ، وقيل: كلُّ ما لُبِسَ فهو سربال . القطران: النُّحاس المذاب، فلباسُهم من نُحاسٍ مذابٍ، والنُّحاسُ لا يكون مذاباً حتى يحمَى عليه، ويكون في الغايةِ من الحرارة والغليان
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله (ﷺ) قال: « أربعٌ في أُمَّتي من أمرِ الجاهليةِ لا يتركونهنَّ: الفَخْرُ في الأحسابِ، والطعنُ في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنجومِ، والنياحةُ، وقال: النائحةُ إذا لم تتبْ قبل موتها تقامُ يومَ القيامة، وعليها سِرْبالٌ من قَطِرَانٍ، ودِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ».
 
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022