مطالبُ أهلِ النار في الآخرة
الحلقة:السادسة والأربعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020
مطالبُ أهلِ النار في الآخرة هي :
1 ـ طلب الفداء: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ﴾ [المائدة: 36 ـ 37] إنّ أقصى ما يتصوّره الخيالُ على أساسِ الافتراض، هو أن يكونَ للذين كفروا كلَّ ما في الأرض جميعاً، ولكنَّ السياقَ يفترِضُ لهم ما فوقَ الخيال في عالم الافتراض، فيفرِضُ أنَّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه، ويصورهم يحاولون الافتداءَ بهـذا، وذلك لينجوا به من عذاب يوم القيامة، ويرسم مشهدهم وهم يحاولون الخروج من النار، ثم عَجْزهم عن بلوغ الهدف، وبقاءهم في العذاب الأليم المقيم، إنَّه مشهدٌ مجسَّمٌ ذو مناظرَ وحركاتٍ متوالياتٍ، منظرُهم ومعهم ما في الأرض ومثله معهم، ومنظرُهم وهم يعرضونه ليفتدوا به، ومنظرُهم وهم مخيبو الطلب، غير مقبولي الرجال، ومنظرُهم وهم يدخلون النار، ومنظرُهم وهم يحاولون الخروجَ منها، ومنظرُهم وهم يُرْغَمون على البقاء، ويسدل الستار ويتركهم مقيمين هناك .
قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ *﴾ [الرعد: 18] أي: من مات فلن يقبل الله منه خيراً أبداً، ولو كان قد أنفقَ مثل الأرضِ ذهباً، لو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهباً بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ *﴾ [آل عمران: 10] والأموال والأولاد مظنّةُ حمايةٍ ووقايةٍ، ولكنّهما لا يُغنيانِ شيئاً في ذلك اليوم، الذي لا ريبَ فيه، لأنّه لا خلافَ لميعاد الله، وهم فيه ... بهـذا التعبير الذي يسلبهم كلَّ خصائص الإنسان ﴿وَقُودُ النَّارِ *﴾، ويصوّرهم في صورة الحطب والخشب وساء ﴿وَقُودُ النَّارِ *﴾ بل إنَّ الأموال والأولاد ومعهما الجاه والسلطان لا تغني شيئاً في الدنيا .
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ﴾ [الزمر: 47 ـ 48]، إنّه الهولُ الملفوفُ في ثنايا التعبير الرهيب، فلو أنَّ لهـؤلاء الظالمين، لو أنَّ لهـؤلاء مما يحرصون عليه لقدّموه فديةً مما يرون من سوء العذاب يوم ﴿مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ .
وهولٌ اخرُ يتضمّنه التعبير الملفوف ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ*﴾ ولا يفصحُ عمّا بدا لهم من الله ولم يكونوا يتوقعونه . لا يفصح عنه، ولـكنّه هـكذا هائلٌ مذهِلٌ مخيفٌ، فهو الله الذي يبدو منه لهـؤلاء الضعاف ما لا يتوقّعون، هـكذا بلا تعريفٍ ولا تحديدٍ ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ *﴾ وهـذه كذلك تزيدُ الموقفَ ، حين يتكشّفُ لهم قبحُ ما فعلوه، وحين يحيطُ بهم ما كانوا به يستهزئون من الوعيد والنذير، وهم في ذلك الموقف الأليم .
2 ـ طلبُ العودةِ إلى الدنيا لعمل الصالحات:
قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *﴾ [الأنعام: 27 ـ 28] وفي قوله ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *﴾ الله يعلمُ طبيعتهم، ويعلم إصرارهم على باطلهم، ويعلم أنَّ رجفةَ الموقف الرهيبِ الرعيبِ على النار هي التي أنطقت ألسنتهم بهـذه الأماني وهـذه الوعود ويدعهم السياقُ في هـذا المشهد ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ*﴾، وهـذا الردُّ يصفعُ وجوهَهم بالمهانة والتكذيب.
قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ*﴾ [الأعراف: 53] ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ أي: يوم القيامة، وما وُعِدوا به من العذاب والنكال والجنة والنار .
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*﴾ [المؤمنون: 99 ـ 100] إنّه مشهدُ الاحتقار وإعلان التوبة عندَ مواجهةِ الموتِ، وطلب الرجعة إلى الحياة، لتدارك ما فاتَ، والإصلاح فيما ترك وراءه من أهلٍ ومالٍ، وكأنّما المشهدُ معروضُ اللحظةَ للأنظار مشهودٌ كالعيان، فإذا الردُّ على هـذا الرجاء المتأخر لا يوجَّه إلى صاحبِ الرجاءِ، إنّما يعلَنُ على رؤوس الأشهاد ﴿كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ كلمةٌ لا معنى لها، ولا مدلول وراءها، ولا تنبغي العناية بها أو بقائلها، إنّها كلمةُ الموقفِ الرهيبِ، لا كلمةُ الإخلاصِ المنيب، كلمةٌ تقالُ في لحظة الضيق ليس لها في القلب رصيدٌ، وبها ينتهي مشهدُ الاحتضار، وإذا الحواجزُ قائمةٌ بين قائل هـذه الكلمة والدنيا جميعاً، فلقد قُضِيَ الأمرُ، وانقطعت الصلات، وأغلقتِ الأبوابُ، وأُسدلتِ الأستار﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ *﴾ فلا هم من أهل ، ولا هم من أهل الآخرة، إنّما هم في ذلك البرزخ إلى يوم يبعثون.
قال تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ *رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ *قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ *إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ *فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ *إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ *﴾ [المؤمنون: 106 ـ 111]، وأحسنُ ما قيل في معنى ﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ غلبتْ علينا أهواؤنا، فسمّى الأهواءَ واللذّاتِ شقوةً لأنهما يؤديان إليهما أي: كنّا فعلنا ﴿وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ *﴾، ضالين عن الهدى، وليس هـذا اعتذارٌ منهم إنما هو إقرار، ويدل على ذلك قولهم ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ *﴾: طلبوا الرجعةَ إلى الدنيا كما طلبوا عند الموت ﴿فإن عدنا﴾ إلى الكفر ﴿فإنا ظالمون﴾ لأنفسنا بالعودة، فيجابون بعد ألف سنة ﴿اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ *﴾: ابعدوا في جهنم.
قال تعالى: ﴿وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ *﴾ [إبراهيم: 44 ـ 45] أنذرهم يوم يأتيهم ذلك العذابُ المرسوم انفاً، فيتوجه الذين ظلموا يومئذ إلى الله بالرجاء يقولون: ﴿رَبَّنَا﴾ الان وقد كانوا يكفرون به من ، ويجعلون له أنداداً ﴿أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ونتبع الرسل﴾ وهنا ينقلِبُ السياق من الحكايةِ إلى ﴿وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾، كأنّهم ماثلون شاخصون يطلبون، وكأننا في الآخرة قد انطوت الدنيا، وما كان فيها، فها هو ذا الخطابُ يوجَّه إليهم من الملأ الأعلى بالتبكيتِ والتأنيبِ والتذكيرِ بما فرط منهم في تلك الحياة ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ *﴾ ؟ فكيفَ ترون الآن؟ زلتم يا ترى أم تزولوا ؟ ولقد قلتُم قولتكم هـذه، واثار الغارين شاخصةٌ أمامكم مثلاً، بارزاً للظالمين مصيرهم المحتوم ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ *﴾ فكانَ عجباً أن تروا مساكن الظالمين أمامكم خالية منهم وأنتم فيها ، ثم تقسمون مع ذلك ﴿مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ *﴾ وعند هـذا التبكيتِ ينتهي ، وندركُ أينَ صاروا، وماذا كان بعد الدعاء وخيبة الأمل، وإنّ هـذا المثلَ ليتجدّدُ في الحياة، ويقعُ كلَّ حين، فكم من طغاةٍ يسكنون مساكنَ الطغاة الذين سكنوا من قبلهم، وربّما يكونون قد هلكوا على أيديهم . ثم هم يطغون بعد ذلك، ويتجبّرون، ويسيرون حذوك النعل بالنعل سِيرةَ الهالكين، فلا تهزّ وجدانَهم تلك الاثار الباقية التي يسكنونها، والتي تتحدّث عن تاريخ الهالكين، وتصوّر مصايرهم للناظرين، ثُم يُؤخذون أخذة الغابرين، ويلحقون بهم، وتخلوا منهم الديارُ بعدَ حينٍ.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ *وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ *﴾ [فاطر: 36 ـ 37] ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾، يتصارخون، يفتعلون الصراخ، وهو الصياح بجهد وشدة، ويجأرون إلى الله عز وجل بأصواتهم .
قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ *أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ *أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ *﴾ [الزمر: 55 ـ 59] في قوله ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ أي: يتحسّرُ المجرم المفرط في التوبة ، ويودُّ لو كان من المؤمنين المخلصين المطيعين لله.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ *وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ *﴾ [الشورى: 44 45] الظالمون كانوا طغاةً بغاةً، فناسبَ أن يكون الذلُّ مظهرَهم البارزَ في يوم الجزاء، إنّهم يرونَ العذابَ، فيتهاوى كبرياؤهم، ويتساءلون في انكسار ﴿هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ *﴾ في هـذه الصيغة الموجبةِ باليأس مع اللهفة ، مع التطلع إلى بارقة للخلاص، وهم يعرضون على النار ﴿خَاشِعِينَ﴾ لا من التقوى ولا من الحياء، ولـكن من الذُّلِّ والهوان، وهم يُعْرَضُون منكَّسي الأبصار، لا يرفعون أعينهم من الذل والعار وهي صورةٌ شاخصةٌ ﴿يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾، وفي ظلِّ هـذا المشهد يوجَّهُ الخطابُ إلى المعاندين المكابرين ليستجيبوا لربّهم قبل أن يفاجئهم مثل هـذا المصير، فلا يجدون لهم ملجأ يقيهم، ولا نصيرَ ينكِرُ مصيرهم الأليم .
قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ *وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ *﴾ [المنافقون: 9 ـ 11] .
قال تعالى: ﴿وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأِمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ *فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *﴾ [السجدة: 12 ـ 14] .
3 ـ طلب الانتقام من الأولياء: قال تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُِولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاَءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُونَ *وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأِخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ *﴾ [الأعراف: 38 39] وفي قوله تعالى: ﴿إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾ وتلاحق اخرُهم، واجتمع قاصِيهم بدانيهم، بدأ الخصامُ والجدالُ .
وقال تعالى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ *هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ *وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ *هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لاَ مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ *قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لاَ مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ *قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ *﴾ [ص: 55 ـ 61] .
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ *﴾ [فصلت: 29] وفي قوله ﴿الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا﴾: الشياطين على ضربين جني وإنسي وترى الحنق والتحرّق على الانتقام في قولهم ﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ*﴾ وذلك بعد المودة والمخادنة والوسوسة، هـذه صلة الوسوسة والإغراء .
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا *خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا *يَوْمَ تُقَلَّبُ وَجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ *وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ *رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيرًا *﴾ [الأحزاب: 64 ـ 68] .
وقال تعالى: ﴿آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ *وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ *﴾ [البقرة: 165 ـ 167] أولـئك الذين اتّخذوا من دونِ الله أنداداً، فظلموا الحقَّ، وظلموا أنفسَهم لو مدُّوا أبصارهم إلى يوم يقفون بين يدي الله الواحد، لو تطلّعوا ببصائرهم إلى يوم يرون العذاب الذي ينتظِرُ الظالمين، لو يرون لرأوا ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ فلا شركاءَ ولا أندادَ... ﴿وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ *﴾ لو يرون إذ تبرّأ المتبوعون من التابعين، ورأوا العذاب، فتقطّعت بينهم الأواصر والعلاقات ، وانشغل كلٌّ بنفسه تابعاً كان أم متبوعاً، وسقطت الرياسات والقيادات التي كان المخدوعون يتبعونها، وعجزت عن وقاية أنفسها، فضلاً عن وقاية تابعيها، وظهرت حقيقةُ الألوهية الواحدة والقدرة الواحدة، وكذب القيادات الضالة وضعفها وعجزها أمام الله وأمام العذاب ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا﴾ وتبدّى الحنقُ والغيظُ في التابعين المخدوعين من القيادات ، وتمنَّوا لو يردّون لهم الجميل، لو يعودون إلى الأرض فيتبرأوا من تبعيّتهم لتلك القيادات العاجزة الضعيفة في حقيقتها التي خدعتهم، ثم تبرأت منهم أمام العذاب، إنّه مشهدٌ مؤثرٌ، مشهدُ التبرؤ والتعادي والتخاصم بين التابعين والمتبوعين، بين المحبين والمحبوبين، وهنا يجيء التعقيب المُمِضُّ المؤلم ﴿كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار﴾
4 ـ طلب الاستنجاد بالشركاء والأولياء:
قال تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ *وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *﴾ [إبراهيم: 21 ـ 22] وفي قوله تعالى: ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾: بنافعكم ومنقذكم ومخلصكم مما أنتم فيه ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾: بنافعي بإنقاذي ممّا أنا فيه من العذاب والنكال، وقال القرطبيُّ: فلا أنا بمغيثكم ولا أنتم بمغيثيَّ، والصارخُ والمستصرخُ هو الذي يطلبُ النصرة والمعاونة، والمصرخ هو المغيث .
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ *قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ *وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ *﴾ [القصص: 62 ـ 64] وفي قوله تعالى: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ *﴾ والله يعلم أنّه وجودَ اليوم لهـؤلاء الشركاء، وأنّ أتباعهم لا يعلمون عنهم شيئاً، ولا يستطيعون إليهم سبيلاً، ولكنّه الخزيُ والفضيحةُ على رؤوس الأشهاد، ومن ثَمَّ لا يجيبُ المسؤولون عن السؤال، فليس المقصودُ به هو الجواب، إنّما يحاولون أن يتبرَّأ من جريرة إغوائهم لمن وراءهم، وصدهم عن هدي الله، كما يفعل كبراءُ قريش مع الناس خلفهم، فيقولون: ﴿رَبَّنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ *﴾ ربّنا إننا لم نغوهم، فما كان لنا من سلطان على قلوبهم، إنّما وقعوا في الغواية عن رضًى منهم واختيار، كما وقعنا نحنُ في الغواية دون إجبار ﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ﴾ من جريمة إغوائهم ﴿ما كانوا إيانا يعبدون﴾ إنّما كانوا يعبدون أصناماً وأوثاناً وخلقاً من ، ولم نجعل أنفسنا لهم الهةً، ولم يتوجهوا إلينا نحنُ بالعبادة، وفي قوله: ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾ رأوه في هـذا، ورأوه ماثلاً وراءه، فليس وراءَ هـذا الموقف إلا العذاب، وهنا في اللحظة التي يصلُ فيها المشهدُ إلى ذِروته يعرض عليهم الهُدى الذي يرفضونه، وهو أمنيةُ المتمنّي في ذلك الموقف المكروب! وهو بين أيديهم في الدنيا، ولو أنّهم إليه يسارعون .
وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا *﴾ [الكهف: 52 ـ 53] وفي قوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا *﴾: أنّ الله تعالى بيّن أنّه لا سبيلَ لهـؤلاء المشركين، ولا وصولَ لهم إلى الهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنّه يفرِّق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاصَ لأحدِ الفريقين إلى الآخر، بل بينهم مهلكٌ وهولٌ عظيمٌ، وأمرٌ كبيرٌ .
وقال تعالى: ﴿وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا القرآن وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ *وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *﴾ [سبأ: 31 ـ 33] .
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ *قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ *فَالْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ *﴾ [سبأ: 40 ـ 42] .
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ *﴾ [غافر: 47 ـ 48] .
وقال تعالى: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ *قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ *قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ *وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ *فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ *فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ *فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ *إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ *﴾ [الصافات: 27 ـ 34] وفي قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ ، قال ابنُ عباس: يقولون: كنتم تقهروننا بالقدرة منكم علينا لأنّا كُنّا أذلاء، وكنتم أعزاء .
5 ـ طلب الخروج من النار:
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ *لاَ تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لاَ تُنْصَرُونَ *قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ *مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ *﴾ [المؤمنون: 64 ـ 67] وفي قوله ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ﴾ يعني حتّى إذا جاءَ ـ وهم المنعمون في الدنيا ـ عذابُ الله وبأسُه ونقمتُه بهم: ﴿إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ أي: يصرخون ويستغيثون ﴿ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ *﴾ أي: إذا دعيتم أبيتم، وإن طلبتم امنتعتم قيل مستكبرين بالبيت يقولون: نحن أهله ﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ*﴾، وكانوا يتكبّرون ويسمُرون فيه، ولا يعمرونه ويهجرونه.
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً *يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً *لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً *﴾ [الفرقان: 27 ـ 29] .
وقال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ *﴾ [ص: 3] ومعنى قوله: ﴿فنادوا ولات حين مناص﴾ نادوا بالتوحيد حين تولّت الدُّنيا عنهم وأرادوا التوبةَ في غير وقتها ، قال تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ *ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ *﴾ [غافر: 11 ـ 12] وفي قوله: ﴿فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ *﴾ فهل أنتَ مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار ، فإنّكَ قادِرٌ على ذلك لنعمل غير الذي كنّا نعمل، فإن عُدنا إلى ما كنا فيه فإنّا ظالمون، فأجيبوا إلى أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا، ثم علّل المنعَ من ذلك بأنَّ سجاياكم لا تقبلُ الحقَّ ولا تقتضيه، بل تمجُّه وتنفيه، ولهـذا قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ﴾ فهـذا هو الذي يقودكم إلى ذلك الموقف الذليل إيمانكم ، وكفركم بالوحدانية، فالحكم لله العلي الكبير، وهما صفتان تناسبان موقف الحكم، الاستعلاء على كل شيء، والكبر فوق كل شيء في موقف الفصل الأخير .
وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ *وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ *﴾ [السجدة: 20 ـ 21]
6 ـ طلب التخفيف من العذاب:
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ *قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ *﴾ [غافر: 49 ـ 50] .
7 ـ طلب القضاء عليهم :
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ *وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ *وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ *لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ *﴾ [الزخرف: 74 ـ 78] .
8 ـ طلب سقيا الماء والطعام:
قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ *أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ *وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ *الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوُا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ *﴾ [الأعراف: 48 ـ 51] .
9 ـ طلب النور:
قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ *يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ *﴾ [الحديد: 13 ـ 14] إنّ المنافقين والمنافقات في حَيرةٍ وضلال، وفي مهانةٍ وإهمالٍ، وهم يتعلّقون بأذيالِ المؤمنين والمؤمنات ﴿يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ فحيثُما تتوجّه أنظارُ المؤمنين والمؤمنات يشعُّ ذلك النور اللطيف ، ولـكن أنَّى للمنافقين أن يقتبسوا من هـذا النور، وعاشوا حياتهم كلها في الظلام ؟ إنّ صوتاً يناديهم ﴿قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا ناركم﴾ ويبدو أنّه صوتٌ للتهكم والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاقٍ ودَسٍّ في الظلام: ارجعوا وراءكم إلى الدنيا، إلى ما كنتم تعملون، ارجعوا فالنور يلتمس النور، وعلى الفور يفصل بين المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات، فهـذا يومُ الفصل إن كانوا في الدنيا مختلطين في الجماعة: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ *﴾ ويبدو أنّه سورٌ يمنعُ، ولـكن لا يمنعُ الصوتَ فها هم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ فما بالنا نفترق ؟ ألم نكن معكم في الدنيا نعيش في صعيد واحد ؟ وقد بعثنا معكم في صعيد واحد؟ ﴿وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ﴾: فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات، وتربصتم أي: أخرتم التوبة من وقت إلى وقت ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾: بالبعث بعد الموت . ﴿وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ﴾: قلتم سيغفر لنا وقيل: غرتكم الدنيا ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾: ما زلتم في هـذا حتى جاءكم الموت ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ *﴾: الشيطان .
يمكنكم تحميل -سلسلة أركان الإيمان- كتاب:
الإيمان باليوم الآخر
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي