سعد بن أبي وقَّاص يرسل وفوداً لدعوة رستم والسير نحو حتمية المعركة؛ البدايات والاستعدادات
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة السبعون
وسار رستم بجيشه من الحيرة حتَّى نزل القادسية على العتيق ـ جسر القادسيَّة ـ أمام عسكر المسلمين، يحول بينهم النَّهر، ومع الفرس ثلاثة وثلاثون فيلاً، ولما نزل أرسل إِلى سعد أن ابعث إِلينا رجلاً نكلِّمه.
فأرسل إِليه ربعيَّ بن عامرٍ، فجاءه وقد جلس على سرير من ذهبٍ، وبُسُط النَّمارق والوسائد منسوجةٌ بالذَّهب ! فأقبل ربعيٌّ على فرسه، وسيفه في خِرْقةٍ، ورمحه مشدودٌ بعصب، فلما انتهى إِلى البساط وطأه بفرسه، ثمَّ نزل، وربطها بوسادتين شقَّهما، وجعل الحبل فيهما، ثمَّ أخذ عباءة بعيره فاشتملها، فأشاروا عليه بوضع سلاحه؛ فقال: لو أتيتُكم فعلت ذلك بأمركم، وإِنَّما دعوتموني، ثمَّ أقبل يتوكَّأ على رمحه، ويُقارب خطوه حتَّى أفسد ما مرَّ عليه من البُسط، ثمَّ دنا من رستم، وجلس على الأرض، وركَّز رمحه على البساط، وقال: إِنَّا لا نقعد على زينتكم. فقال له رستم: ما جاء بكم ؟ قال: الله جاء بنا، وهو بعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إِلى عبادة الله، ومن ضيق الدُّنيا إِلى سعتها، ومن جور الأديان إِلى عدل الإِسلام، فأرسل لنا رسوله بدينه إِلى خلقه، فمن قبله؛ قبلنا منه، ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومن أبى؛ قاتلناه حتَّى نفضي إِلى الجنَّة، أو الظَّفر.
فقال رستم: قد سمعنا قولكم، فهل لكم أن تؤخِّروا هذا الأمر حتى ننظر فيه ؟ فقال: نعم، وإِنَّ ممَّا سَنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نمكن الأعداء أكثر من ثلاثٍ، فنحن متردِّدون عنكم ثلاثاً، فانظر في أمرك، واختر واحدةً من ثلاثٍ بعد الأجل: الإِسلام، وندعُك وأرضك، أو الجزاء فنقبل، ونكفُّ عنك، وإِن احتجت إِلينا نصرناك، أو المنابذة في اليوم الرابع إِلا أن تبدأ بنا، وأنا كفيل عن أصحابي.
فقال رستم: أسيِّدهم أنت ؟ قال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد بعضهم من بعضٍ، يجيز أدناهم على أعلاهم. ثمَّ انصرف.
فخلا رستم بأصحابه، وقال: رأيتم كلاماً قطُّ مثل كلام هذا الرَّجل ؟ فأروه الاستخفاف بشأنه.
فقال رستم: ويلكم وإِنما أنظر إِلى الرأي، والكلام، والسِّيرة، والعرب تستخفُّ اللِّباس، وتصون الأحساب.
فلمَّا كان اليوم الثَّاني من نزوله؛ أرسل إِلى سعدٍ أن ابعث إِلينا هذا الرَّجل. فأرسل إِليه حذيفة بن محصن الغلفاني، فلم يختلف عن ربعي في العمل، والإِجابة، ولا غرابة، فهما مستقيان من إِناءٍ واحدٍ، وهو دين الإِسلام.
فقال له رستم: ما قعد بالأوَّل عنا ؟ قال: (أميرنا يعدل بيننا في الشدَّة والرَّخاء، وهذه نوبتي). فقال رستم: والمواعدة إِلى متى ؟ قال: إِلى ثلاثٍ، من أمس.
وفي اليوم الثَّالث أرسل إِلى سعدٍ أن ابعث إِلينا رجلاً. فأرسل إِليه المغيرة بن شعبة فتوجَّه إِليه، ولما كان بحضرته جلس معه على سريره، فأقبلت إِليه الأعوان يجذبونه ! فقال لهم: قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إِنَّا معشر العرب لا يستعبد بعضنا بعضاً، إِلا أن يكون محارباً لصاحبه. فظننت أنَّكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أنَّ بعضكم أرباب بعضٍ، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، وإِنِّي لم اتكم ولكنَّكم دعوتموني، اليوم علمت أنَّكم مغلوبون، وأنَّ ملكاً لا يقوم على هذه السِّيرة، ولا على هذه العقول.
فقالت السُّوقة: صدق والله العربي ! وقالت الدَّهاقين ـ زعماء الفلاحين ـ: لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا تنزع إِليه، قاتل الله سابقينا حيث كانوا يصغرون أمر هذه الأمة. ثمَّ تكلم رستم بكلام صغَّر فيه شأن العرب، وضخَّم أمر الفرس، وذكر ما كانوا عليه من سوء الحال، وضيق العيش.
فقال المغيرة: أمَّا الذي وصفتنا به من سوء الحال، والضِّيق، والاختلاف، فنعرفه ولا ننكره، والدُّنيا دُوَلٌ، والشدَّة بعدها الرَّخاء، ولو شكرتم ما اتاكم الله؛ لكان شكركم قليلاً على ما أوتيتم، وقد أسلمكم ضعفُ الشُّكر إِلى تغيِّر الحال، وإِنَّ الله بعث فينا رسولاً، ثمَّ ذكر مثل ما تقدَّم، وختم كلامه بالتَّخيير بين الإِسلام، أو الجزية، أو المنابذة، ثمَّ رجع.
فخلا رستم بأهل فارس، وقال: أين هؤلاء منكم ؟ ألم يأتكم الأوَّلان فجسراكم واستخرجاكم، ثمَّ جاءكم هذا فلم يختلفوا، وسلكوا طريقاً واحداً، ولزموا أمراً واحداً، هؤلاء والله الرِّجال ! صادقين كانوا أم كاذبين، والله لئن بلغ من أدبهم، وصونهم لسرِّهم ألا يختلفوا؛ فما قومٌ أبلغ فيما أرادوا منهم، لئن كانوا صادقين؛ فما يقوم لهؤلاء شيء. فلجُّوا.
الاستعداد للمعركة:
لم ينتفع الفرس بدعوة الوفود، وتمادوا في غيِّهم؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فأجمع الفرس على القتال، واستعدَّ المسلمون لذلك وعبر الفرس نهر العتيق، وعيَّن رستم جيشه العرمرم على الشَّكل التالي:
ـ في القلب: ذو الحاجب (ومعه 18 فيلاً) عليها الصَّناديق والرِّجال.
ـ في الميمنة ممَّا يلي القلب: الجالينوس.
ـ في الميمنة: الهرمزان (ومعه 7، أو 8 أفيال) عليها الصَّناديق والرِّجال.
ـ في الميسرة ممّا يلي القلب: البيرزان.
ـ في الميسرة: مهران (ومعه 7 أو 8 أفيال) عليها الصَّناديق والرِّجال، وأرسل رستم فرقةً من خيالته إِلى القنطرة لتمنع المسلمين من عبورها نحو جيشه، فأصبحت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين، وكان ترتيب الصُّفوف على الشَّكل التالي:
ـ الخيَّالة في الصفوف الأولى، يليها الفيلة، ثمَّ المشاة، ونُصب لرستم مظلَّةٌ كبيرةٌ استظلَّ بها على سريره، وجلس يراقب سير المعركة، وكان المسلمون على أهبة الاستعداد، وعلى أحسن تعبئة للقتال، فقد عبَّأ سعد بن أبي وقاص جيشه مبكِّراً، وأمر الأمراء، وعرَّف على كل عشرةٍ عريفاً، وجعل على الرَّايات رجالاً من أهل السَّابقة أيضاً، ورتَّب المقدمة، والسَّاقة، والمجنَّبات، والطلائع، وقد وصل القادسية على تعبئةٍ، وقد عبَّأ جيشه على الشَّكل التَّالي:
1 ـ على المقدمة: زهرة بن الحويَّة.
2 ـ وعلى الميمنة: عبد الله بن المعتم.
3 ـ وعلى الميسرة: شرحبيل بن السَّمط الكندي، وخليفته خالد بن عرفطة.
4 ـ وعلى السَّاقة: عاصم بن عمرو.
5 ـ وعلى الطلائع: سواد بن مالك.
6 ـ وعلى المجردة: سلمان بن ربيعة الباهلي.
7 ـ وعلى الرَّجالة: حمَّال بن مالك الأسدي.
8 ـ وعلى الرُّكبان: عبد الله بن ذي السَّهمين الحنفي.
9 ـ وعلى القضاء بينهم: عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي.
10 ـ وكاتب الجيش: زياد بن أبي سفيان.
11 ـ ورائده، وداعيه: سلمان الفارسي. وكلُّ ذلك بأمرٍ من عمر.
هذا وقد خطب سعد بن أبي وقاص في النَّاس، وتلا قول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *} [الأنبياء: 105]. وأمر القرَّاء أن يشرعوا في سورة الأنفال، فقرئت، ولمَّا أَتمُّوا قراءتها هشَّت قلوب النَّاس، وعيونهم، ونزلت السَّكينة، وصلَّى النَّاسُ الظُّهر، وأمر سعد جيشه أن يزحفوا بعد التكبيرة الرَّابعة وأن يقولوا: لا حول، ولا قوة إِلا بالله، واستمرَّت المعركة أربعة أيام.
وقد كان سعد ـ رضي الله عنه مريضاً ـ بعرق النِّسا، وبه دمامل لا يستطيع الرُّكوب، ولا الجلوس، فكان مكبّاً على صدره، وتحته وسادة ويشرف على الميدان من قصر قديسٍ الَّذي كان في القادسية، وقد أناب عنه في تبليغ أوامره خالد بن عرفطة، وقد أمر بأن ينادى في الجيش: ألا إِن الحسد لا يحلُّ إِلا على الجهاد في أمر الله، أيُّها النَّاس فتحاسدوا، وتغايروا على الجهاد.
وقبل بدء القتال حصل اختلافٌ على خالد بن عرفطة نائب سعد، فقال سعد: احملوني، وأشرفوا بي على النَّاس. فارتقوا به، فأكبَّ مُطَّلعاً عليهم، والصَّفُّ في أصل حائط قصر قديسٍ يأمر خالداً، فيأمر خالدٌ النَّاس، وكان ممَّن شغب عليه بعض وجوه النَّاس فهمَّ بهم سعد، وشتمهم، وقال: أما والله لولا أنَّ عدوَّكم بحضرتكم؛ لجعلتكم نكالاً لغيركم، فحبسهم، ومنهم أبو محجن الثَّقفي، وقيَّدهم في القصر، وقال جرير بن عبد الله مؤيِّداً طاعة الأمير: أما إِنِّي بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أسمع، وأطيع لمن ولاه الله الأمر وإِن كان عبداً حبشيّاً. وقال سعد: والله لا يعود أحد بعدها يحبس المسلمين عن عدوِّهم ويشاغلهم وهم بإِزائهم إِلا سُنَّت به سنةٌ يؤخذ بها من بعدي. وقد قام فيهم سعد بن أبي وقاص بعد هذه الحادثة خطيباً، فقال بعد أن حمد الله، وأثنى عليه: إِنَّ الله هو الحقُّ لا شريك له في الملك، وليس لقوله خلفٌ، قال الله جل ثناؤه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ *} [الأنبياء: 105].
إِنَّ هذا ميراثكم، وموعود ربكم، وقد أباحها لكم منذ ثلاث حججٍ، فأنتم تطعمون منها، وتأكلون منها، وتقتلون أهلها، وتجبونهم، وتسبونهم إِلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيَّام منكم، وقد جاءكم منهم هذا الجمع، وأنتم وجوه العرب، وأعيانهم، وخيار كلِّ قبيلة، وعزُّ من وراءكم، فإِن تزهدوا في الدُّنيا، وترغبوا في الاخرة؛ جمع الله لكم الدُّنيا، والاخرة، ولا يقرِّب ذلك أحداً إِلى أجله، وإِن تفشلوا، وتهنوا، وتضعفوا؛ تذهب ريحكم، وتوبقوا اخرتكم.
وكتب سعد إِلى الرَّايات: إِنِّي قد استخلفت فيكم خالد بن عرفطة، وليس يمنعني أن أكون مكانه إِلا وجعي الذي يعودني وما بي من الحبوب، فإِنِّي مكبٌّ على وجهي وشخصي لكم بادٍ، فاسمعوا له، وأطيعوا، فإِنَّه إِنَّما يأمركم بأمري، ويعمل برأيي، فقرأى على النَّاس فزادهم خيراً، وانتهوا إِلى رأيه، وقبلوا منه، وتحاثُّوا على السَّمع، والطَّاعة، وأجمعوا على عذر سعد، والرِّضا بما صنع، وقد بقي سعد بن أبي وقاص فوق القصر، وأصبح مشرفاً على ساحة المعركة، ولم يكن القصر محصَّناً، وهذا يدلُّ على شجاعة سعدٍ رضي الله عنه، فعن عثمان بن رجاء السَّعدي، قال: كان سعد بن مالك أجرأ النَّاس، وأشجعهم، إِنَّه نزل قصراً غير حصين بين الصَّفَّين، فأشرف منه على النَّاس ولو أعراه الصَّفُّ فواق ناقةٍ أخذ برمَّته، فوالله ما أكرثه هول تلك الأيام، ولا أقلقه.
ـ فزع رستم من الأذان:
لمَّا نزل رستم النَّجف بعث منها عيناً إِلى عسكر المسلمين، فانغمس فيهم بالقادسيَّة كبعض من ندَّ منهم، فراهم يستاكون عند كلِّ صلاةٍ، ثمَّ يصلُّون، فيفترقون إِلى موقفهم، فرجع إِليه فأخبره بخبرهم، وسيرتهم، حتَّى سأله: ما طعامهم ؟ فقال: مكثت فيهم ليلة، لا والله ما رأيت أحداً منهم يأكل شيئاً إِلا أن يمصوا عيداناً لهم حين يمسون، وحين ينامون، وقبيل أن يصبحوا، فلما سار فنزل بين الحصن، والعتيق وافقهم وقد أذَّن مؤذن سعدٍ الغداة، فراهم يتحشحشون (يتهيَّؤون للنهوض)، فنادى في أهل فارس أن يركبوا، فقيل له: ولم ؟ قال: أما ترون إِلى عدوِّكم قد نودي فيهم، فتحشحشوا لكم، قال عينه ذلك: إِنَّما تحشحشهم هذا للصَّلاة، فقال بالفارسيَّة، وهذا تفسيره بالعربيَّة: أتاني صوت عند الغداة، وإِنَّما هو عمر الَّذي يكلِّم الكلاب، فيعلمهم العقل. فلمَّا عبروا، تواقفوا، وأذَّن مؤذِّن سعد للصَّلاة يعني: صلاة الظهر، فصلَّى سعد، وقال رستم: أكل عمر كبدي.
ـ رفع الرُّوح المعنويَّة بين أفراد الجيش الإِسلاميِّ:
جمع سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ وجهاء المسلمين، وقادته في بداية اليوم الأوَّل من المعركة، وقال لهم: انطلقوا، فقوموا في النَّاس بما يحقُّ عليكم، ويحقُّ لهم عند مواطن البأس، فإِنَّكم من العرب بالمكان الذي أنتم به، وأنتم شعراء العرب، وخطباؤهم، وذوو رأيهم، ونجدتهم، وسادتهم، فسيروا في النَّاس، فذكِّروهم، وحرِّضوهم على القتال. فساروا فيهم.
ـ فقال قيس بن هبيرة الأسدي: أيُّها النَّاس احمدوا الله على ما هداكم له، وأبلاكم؛ يزدكم، واذكروا الاء الله، وارغبوا إِليه في عاداته، فإِنَّ الجنَّة، أو الغنيمة أمامكم، وإِنَّه ليس وراء هذا القصر إِلا العراء، والأرض القفر، والظِّراب الخُشن، والفلوات الَّتي لا تقطعها الأدلَّة.
ـ وقال غالب بن عبد الله الليثي: أيُّها الناس ! احمدوا الله على ما أبلاكم، وسلوه؛ يزدكم، وادعوه؛ يجبكم، يا معشر معدٍّ ! ما علَّتكم اليوم وأنتم في حصونكم ـ يعني: الخيل ـ ومعكم من لا يعصيكم ـ يعني: السُّيوف ـ ؟ اذكروا حديث النَّاس في غدٍ، فإِنَّه بكم غداً يُبدأ عنده، وبمن بعدكم يُثنَّى.
ـ وقال ابن الهُذيل الأسديُّ: يا معشر معدٍّ ! اجعلوا حصونكم السُّيوف، وكونوا عليهم كالأسود الأجَم، وتربَّدوا لهم تربُّد النُّمور، وادَّرعوا العجاج، وثقوا بالله، وغُضُّوا الأبصار، فإِذا كلَّت السُّيوف؛ فإِنَّها مأمورة، فأرسلوا عليهم الجنادل، فإنَّها يؤذن لها فيما لا يؤذن للحديد فيه.
ـ وقال بُسر أبي رهم الجهني: احمدوا الله، وصدِّقوا قولكم بفعلٍ، فقد حمدتم الله على ما هداكم له، ووحَّدتموه، ولا إِله غيره، وكبَّرتموه، وامنتم بنبيِّه، ورسله، فلا تموتنَّ إِلا وأنتم مسلمون، ولا يكونَنَّ شيءٌ بأهون عليكم من الدُّنيا، فإِنَّها تأتي مَنْ تهاون بها، ولا تميلوا إِليها فتهرب منكم لتميل بكم، انصروا الله ينصركم.
ـ وقال عاصم بن عمرو: يا معاشر العرب ! إِنَّكم أعيان العرب، وقد صمدتم لأعيان من العجم، وإِنَّما تخاطرون بالجنَّة، ويخاطرون بالدُّنيا، فلا يكوننَّ على دنياهم أحوط منكم على اخرتكم، لا تحدثوا اليوم أمراً تكونون بها شيئاً على العرب غداً.
ـ وقال ربيع بن البلاد السَّعدي: يا معاشر العرب ! قاتلوا للدِّين، والدُّنيا {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *} [آل عمران: 133]. وإِن عظَّم الشَّيطان عليكم الأمر؛ فاذكروا الأخبار عنكم بالمواسم ما دام للأخبار أهلٌ.
ـ وقال ربعي بن عامر: إِنَّ الله قد هداكم للإِسلام، وجمعكم به، وأراكم الزِّيادة، وفي الصَّبر الرَّاحة، فعوِّدوا أنفسكم الصَّبر؛ تعتادوه، ولا تعوِّدوها الجزع؛ فتعتادوه. وقد قام كلُّهم بنحوٍ من هذا الكلام، وتواثق النَّاس، وتعاهدوا، واهتاجوا لكلِّ ما كان ينبغي لهم.
للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172(1).pdf