الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

المؤسسة المالية في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

الحلقة السادسة عشر

بقلم الدكتور علي الصلابي

ربيع الآخر 1441ه/ديسمبر2019م

لمَّا تولَّى عثمان رضي الله عنه الخلافة لم يغيِّر من سياسة عمر الماليَّة ، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثَّروات ، وتشييد القصور ، وامتلاك المساحات الشَّاسعة من الأراضي، فقد زالت عن المسلمين شدَّة عمر ، والّتي كانت ترهبهم ، وتخيفهم ، والّتي كانت تحول دون الكثير ممَّا يشتهون، وكان عهده عهد رخاءٍ على المسلمين.
أولاً : السِّياسة الماليَّة الّتي أعلنها عثمان عندما تولَّى الحكم :
وجَّه عثمان رضي الله عنه كتاباً إلى الولاة ، وكتاباً أخر إلى عمَّال الخراج ، وأذاع كتاباً على العامَّة ، وقد ذكرت نصوصها عند حديثي عن منهجه في الحكم ، وفي ضوء تلك النُّصوص تكون عناصر السِّياسة الماليَّة العامَّة الّتي أعلنها ثالث الخلفاء الرَّاشدين قد قامت على الأسس العامة التالية :
* تطبيق سياسةٍ ماليَّةٍ عامَّةٍ إسلاميَّةٍ .
* عدم إخلال الجباية بالرِّعاية .
* أخذ ما على المسلمين بالحقِّ لبيت مال المسلمين .
* إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين .
* أخذ ما على أهل الذِّمَّة لبيت مال المسلمين بالحقِّ ، وإعطاؤهم ما لهم ، وعدم ظلمهم .
* تخلُّق عمَّال الخراج بالأمانة والوفاء .
* تفادي أية انحرافات ماليَّة يسفر عنها تكامل النِّعم لدى العامَّة .
ونفصل فيما يلي هذه الأسس :
1ـ نيَّة عثمان بن عفَّان تطبيق سياسةٍ ماليَّةٍ عامَّةٍ :
ممَّا لا شكَّ فيه : أنَّ الخليفة الثَّالث عثمان بن عفَّان عزم على تطبيق سياسةٍ ماليَّةٍ عامَّةٍ إسلاميَّةٍ ، فقد بويع رضي الله عنه على أساس تطبيق حكم الله ، وسُنَّة رسوله ، وسياسة الخليفتين قبله ، وقد طبَّق أبو بكرٍ رضي الله عنه ما نزل به القرآن ، وما سنَّهُ رسول الله (ص) فيما يتعلَّق بالسِّياسة الماليَّة ، وغيرها من الأحكام ، وقام عمر بتطوير المؤسَّسة الماليَّة، ونظَّم قواعدها، وأرسى مبادئها، وزاد مواردها، ورشَّد إنفاقها ، ونهج عثمان طريقهم ، واجتهد في بعض الأمور القابلة للاجتهاد ، فنفَّذ حكم الله في الأرض في قضايا الأموال، وغيرها، فأشرف على دفع الزَّكاة لبيت المال، وتوزيعها على مستحقِّيها ، وأهل الكتاب في دفعهم الجزية لبيت مال الدَّولة الإسلاميَّة يدخلون في ذمَّتها ، تحميهم وتوفِّر لهم الأمان ، وتضفي عليهم سائر خدماتها العامَّة ، والمجاهدون يغنمون الأموال ويرسلون خُمسها لبيت مال المسلمين ، ويقوم بيت المال بتوزيعها على اليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل ، وغيرها من وجوه الإنفاق طبقاً لقوله تعالى : {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [الأنفال: 41]، وغير ذلك من مصادر الدَّولة المعروفة .
وقد تميَّزت الماليَّة العامَّة في عهد ذي النُّورين ، والخلفاء الرَّاشدين بأنَّها مرتبطةٌ بالإسلام ، وتطبيق تعاليمه ، وتحمي إيراداته ، ويساند الإنفاق العام فيها على نشر راية الإسلام ، وخير المسلمين . وهي مرشدةٌ للإنفاق ؛ لأنَّ تعاليم الإسلام تمنع الإسراف ، وتحاربه ، والله لا يحبُّ المسرفين ، وتمنع السُّفهاء من التحكُّم في الأموال وهي ماليَّةٌ عامَّةٌ خيِّرةٌ ؛ لأنَّ بعض مواردها العامَّة توجَّه للبنية الضَّعيفة من الرَّعية ، وهي نقيَّةٌ من الدَّنس ، ولا تتضمَّن مواردُها كسباً من حرامٍ ؛ لأنَّ الله لا يبارك الكسب الحرام .
2ـ عدم إخلال الجباية بالرِّعاية :
ينبِّه عثمان بن عفَّان رضي الله عنه في كتابه للولاة : أنَّ جباية أموال بيت المال كادت تطغى على الواجب الأوَّل للولاة ، وهو رعاية الرَّعية ، وذلك : أنَّ الجباية أحد واجبات الرَّعيَّة المكلَّف بها رئيس الدَّولة الإسلاميَّة فلا يصحُّ أن تطغى على سائر الواجبات، وقد استنبط الفقهاء من الهدي النَّبويِّ ، والعهد الرَّاشديِّ تكاليف الرِّعاية ؛ أي : واجبات الخليفة لتحقيق رعاية الأمَّة كما يلي :
قال الماورديُّ : والّذي يلزمه من الأمور العامَّة عشرة أشياء :
أحدها : حفظ الدِّين على أصوله المستقرَّة وما أجمع عليه سلف الأمَّة .
والثاني : تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين ، وقطع الخصام بين المتنازعين ؛ حتَّى تعمَّ النَّصفة ، فلا يتعدَّى ظالمٌ ، ولا يضعف مظلوم .
والثالث : حماية البيضة ، والذَّبُّ عن الحريم ؛ ليتصرَّف النَّاس في المعاش ، وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفسٍ ، أو حالٍ .
والرَّابع : إقامة الحدود ؛ لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك ، وتُحفظ حقوق عباده عن إتلافٍ ، واستهلاك .
والخامس : تحصين الثُّغور بالعدَّة المانعة ، والقوَّة الدَّافعة ، حتَّى لا تظفر الأعداء بغرَّةٍ ينتهكون فيها محرَّماً ، أو يسفكون فيها لمسلمٍ ، أو معاهد دماً .
والسَّادس : جهاد من عاند الإسلام بعد الدَّعوة إليه ، حتَّى يسلم ، أو يدخل الذِّمَّة؛ ليقام بحقِّ الله تعالى في إظهاره ( الإسلام ) على الدِّين كلِّه .
والسَّابع : جباية الفيء ، والصَّدقات على ما أوجبه نصّاً ، واجتهاداً مِنْ غير خوفٍ، ولا عسف .
والثَّامن :تقدير العطايا وما يستحقُّ من بيت المال من غير سرفٍ ولا تقتيرٍ ، ودفعه في وقتٍ لا تقديم فيه ، ولا تأخير .
والتاسع : استكفاء الأمناء ، وتقليد النُّصحاء فيما يفوِّض إليهم من الأعمال ، ويكله إليهم من الأموال ، لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطةً ، والأموال بالأمناء محفوظةً .
والعاشر : أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور ، وتصفُّح الأحوال ، لينهض بسياسة الأمَّة وحراسة الملَّة ، ولا يعوِّل على التفويض تشاغلاً بلذَّةٍ ، أو عبادةٍ.
وبإيجاز فإنَّ واجبات الخليفة تتفرَّع عن شَرْطَيْ عقد البيعة ، وهما : حراسة الدِّين، وسياسة الدُّنيا؛ اللَّذين هما مهمَّة الرَّسول (ص) ؛ الّذي هو خليفته ، وإن كان الماورديُّ ، والفرَّاء المتعاصران قد تطابقت تحديداتهما لواجبات الإمام ، فإنَّما ذلك اجتهادٌ منهما حسب حاجة الأمَّة في عصرهما ، ولا ينبغي أن تقتصر حقوق الأمَّة على ما عدَّده عالمٌ من علمائها ، أو أكثر مهما بلغ من فضلٍ ، وسعة علمٍ ، ومهما كانت نظرته للموضوع شاملةً ؛ هذا إن كان العالم معاصراً ، فكيف إن كانت اراؤه ، واجتهاده قد سبقنا بقرونٍ، ولذا فينبغي أن تحدَّد واجبات الإمام بناءً على الشَّرطين العامَّين لصحَّة عقده ، وهما : حراسة الدِّين ، وسياسة الدنيا ، وينبغي أن تقوم لجانٌ من علماء الأمَّة بتحديد ذلك لأهل زمانهم.
هذه بعض تكاليف الرِّعاية، كما أوردها الفقهاء، وهي قابلةٌ للتَّطوير بما يلائم تطوُّر الأزمان، والعصور، وبحيث لا يخالف التَّطوير نصّاً من نصوص القرآن، أو حكماً من أحكام الدِّين.
3ـ أخذ ما على المسلمين بالحقِّ لبيت مال المسلمين :
عمَّال الخراج نوابٌ عن الدَّولة في استئداء حقوق بيت المال ، فإذا أخذوا ما على المسلمين بالحقِّ أدوا واجبهم المنوط بهم، وإذا غالوا في جباية حقوق بيت المال، ظلموا المموِّلين، وألحقوا بهم الضَّرر وحمَّلوهم فوق ما يطيقون، والرَّسول (ص) يحذِّر من المغالاة في استئداء حقوق بيت المال، فقد نهى عن جباية كرائم الأموال في الزَّكاة ، وأمر بالتَّخفيف في استئداء زكاة الثَّمر.
4ـ إعطاء المسلمين ما لهم من بيت المال بالحقِّ :
عطاء بيت المال للمسلمين إمَّا أن يكون مباشراً كصرف الزَّكاة للمستحقِّين لها، وما يقضي به نظام الأعطيات من توزيع فائض الأموال على المسلمين ، أو يكون العطاء العامُّ غير مباشرٍ يتمثَّل في الخدمات العامَّة الّتي تؤدِّيها الدَّولة للرَّعية ، وهذه ينفق عليها من بيت مال المسلمين ، وفي كلا العطاءين ينبغي أن يتَّسِم العطاء بالحقِّ ، فلا يجوز في العطاء المباشر أن تُخالف الأسس التي تحدَّدت لوضعه محاباةً لبعض الأفراد ، أو حرماناً أو نقصاناً للبعض الاخر دون مبرِّرٍ ، ولا يجوز أن يتأخَّر العطاء عن موعده بسبب تعقّد الإجراءات ، أو كثرة الحجب التي تحجبُ أرباب الظُّلامات عن الوصول لمن بيدهم أمر العطاء ؛ لبحث ظلامتهم من تأخير العطاء ، أو قلَّته ، أو عدم وصوله إليهم ، ولا يجوز في الخدمات العامة التي تؤديها الدَّولة للشَّعب أن تكون المنفعة لفردٍ معيَّنٍ ، بل يجب أن يعود نفعها على الأمَّة جمعاء.
5ـ عدم ظلم أهل الذِّمَّة وأخذ ما عليهم لبيت المال بالحقِّ، وإعطاؤهم حقوقهم بالحقِّ كذلك:
لا يجوز ظلم أهل الكتاب عند أخذ الجزية منهم ؛ لأنَّ أهل الكتاب من الذمِّيِّين الّذين يقيمون في الدَّولة الإسلاميَّة ، وهم في ذمَّتها ، ورعايتها ما داموا يؤدُّون الجزية، وقد أوصى به رسول الله (ص) ، فقد ولَّى عبد الله بن أرقم على جزية أهل الذِّمَّة ، فلمَّا ولَّى من عنده ، ناداه ، فقال : « ألا من ظلم معاهداً ، أو كلَّفه فوق طاقته، أو انتقصه ، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه ، فأنا حجيجه يوم القيامة ». واستناداً لذلك ؛ فقد أوصى بهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين موته : أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذِّمَّة خيراً ، أن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتل مَنْ وراءهم وألا يكلَّفوا فوق طاقتهم.
فإذا اذى عمَّال الجزيةِ الذِّمِّيِّين ، أو كلفوهم فوق طاقتهم ، أو عذَّبوهم ، أو أخذوا الجزية من الشَّيخ الكبير الّذي لا شيء له ، ولا يستطيع العمل ، أو أخذوها من الذِّمِّي الّذي أسلم ؛ كان هذا لوناً من ألوان الظُّلم الّذي نبَّه الخليفة الثَّالث في كتابه عمَّال الخراج بعدم ارتكابه مستنداً في ذلك لتعاليم الرَّسول (ص).
هذا وعلاوةً على الجزية يؤدِّي أهل الذِّمَّة الّذين يزرعون أرض الخراج وهي الّتي آلت للدَّولة الإسلاميَّة كغنيمةٍ نتيجة للفتح الإسلامي ـ ما يستحقُّ عليه من خراج لبيت مال المسلمين ، ويجب أن يراعي عمَّال الخراج الحقَّ في تحديد قيمته المستحقَّة على الأراضي الّتي يزرعها أهل الذمَّة ، وذلك بمراعاة العوامل الّتي تحكم تحديده ؛ لأنَّ إغفالها كلِّها ، أو بعضها يوقع الظُّلم بأهل الذِّمَّة ، الّذين يزرعونها ، وهذه العوامل أربع :
* ما يختصُّ بالأرض من جودةٍ ، يزكو بها زرعها ، أو رداءةٍ يقلُّ بها ريعها .
* ما يختصُّ بالزَّرع من اختلاف أنواعه من الحبوب ، والثِّمار ، فمنها ما يكثر ثمنه ، ومنها ما يقلُّ ثمنه ، فيكون الخراج بحسبه .
* ما يختصُّ بالسَّقي ، والشُّرب ؛ لأنَّ ما التزم المؤونة في سقيه النَّواضح ، والدّوالي لا يحتمل من الخراج ما يحتمله سقي السُّيوح ، والأمطار .
* ألا يستقضي في وضع الخراج غاية ما تحمله ليجعل فيها لأرباب الأرض بقيَّة يجبرون بها في النَّوائب ، والجوائح.
هذا ، وإذا كانت الدَّولة الإسلاميَّة ، قد أبرمت عهداً ، أو عقدت صلحاً مع أهل الكتاب ، فواجب الدَّولة الإسلاميَّة ، وعمَّال خراجها أن يلتزموا بما ورد بها من شروطٍ، ومنها الشُّروط الّتي تحدّد قيمة ما يدفعونه من جزيةٍ ، أو خراجٍ ، لأنَّ المسلمين إذا أبرموا عقداً ، أو عهدوا عهداً ، التزموا بالوفاء بالعقود ، والعهود.
6ـ عدم ظلم اليتيم :
لليتيم حقٌّ في المال العامِّ بنصوص القرآن الكريم، فهو من المستحقِّين لأموال الزَّكاة إن كان فقيراً، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *} [التوبة : 60 ] .
ولليتيم نصيبٌ في خمس الغنائم تطبيقاً لقوله جلَّ وعلا : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} [الأنفال : 41 ] .
ولليتيم نصيبٌ في عطاء بيت المال ، فقد كان يفرض للأطفال عموماً ، ومنهم يتامى الأطفال ، وإذا كان اليتيم غنيّاً ، فيؤدِّي الزَّكاة المفروضة على أمواله إذا توفرت، وواجب المُصَدِّق أن يأخذ الزَّكاة بالحقِّ ، والعدل ؛ حتَّى لا يذهب ظلمه بمال اليتيم ، أو جزءٍ منه بغير وجه حقٍّ.
7ـ تخلق عمَّال الخراج بالأمانة والوفاء :
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا *} [النساء : 58] .
وقال تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لأِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *} [المؤمنون : 8 ] .
طالب الخليفة الرَّاشد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه عمَّال الخراج أن يتحلَّوا بالأمانة ، وهي صفةٌ لازمةٌ لجميع من يشتغلون بالأموال العامَّة ، وإذا لم تتوفَّر فيهم هذه الصِّفة ؛ جاروا على حقوق بيت المال ، وجاروا على المموِّلين ، وانتكست العلاقة بين بيت المال والمموِّلين .
والقران الكريم والأحاديث النَّبوية الشَّريفة تنبِّه ، وتحضُّ على التزام الأمانة ؛ وطالب الخليفة عثمان كذلك عمال الخراج بأن يتحلَّوا بالوفاء ، وقد ورد الوفاء مطلقاً في كتاب الخليفة ، فيشمل : الوفاء لبيت المال بمراعاة أخذ حقوقه كاملةً من الرَّعيَّة ، والوفاء للمموِّلين بعدم ظلمهم بالمغالاة في تحديد الفرائض الماليَّة المطلوبة منهم ، والوفاء لأهل الذِّمَّة بالرِّفق ، وحسن المعاملة ، وتطبيق ما تضمَّنته شروط الصُّلح معهم من جزيةٍ ، وخراجٍ دون زيادةٍ.

8 ـ أثر تكامل النِّعم على مسار الأمَّة :
لم يرد عثمان بن عفَّان رضي الله عنه أن يترك العامَّة دون تبصيرهم ، فحذَّرهم من أن تجذبهم الدُّنيا إلى ملاذِّها ، ومتاعها ، وخشي : أنَّ أمر الأمة صائر إلى الابتداع بعد أن توفرت لهم ثلاثٌ ، وهي : تكامل النِّعم ، وبلوغ أولاد السَّبايا ، وقراءة الأعاجم، فعثمان رضي الله عنه أدرك أنَّ تكامل النِّعم لدى البعض سيميل بأولي النِّعم عن المسار السَّليم ؛ لأنَّ تكامل النِّعمة بزيادة الأموال لدى أفراد الرَّعيَّة قد يفسدهم بسبب ما ينفقونه على التَّرف ، والفساد، قال تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا *} [الإسراء : 16 ] .
9ـ المقارنة بين السِّياسة العمريَّة والعثمانيَّة :
هذه السِّياسة الماليَّة الّتي أعلنها ذو النُّورين تكاد تتَّفق مع السِّياسة العامَّة الماليَّة الّتي نفَّذها الفاروق حين ولِّي أمر المسلمين ، فقد أعلن ، ونفَّذ : أنَّ المال العامَّ لا يصلحه إلا خلالٌ ثلاث: أن يؤخذ بالحقِّ، ويعطى في الحقِّ، ويمنع في الباطل، فالسِّياسة العمريَّة، والعثمانيَّة في المال تنبعان من مشكاةٍ واحدةٍ ، وهي مشكاة الإسلام، ومبادئه ، وأصوله ، وقواعده.

يمكن النظر في كتاب تيسير الكريم المنَّان في سيرة أمير المؤمنين
عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/BookC171.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022