بين عائشة أم المؤمنين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)
الحلقة الثامنة والخمسون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441 ه/ فبراير 2020م
عائشـة أم المؤمنين هي الصديقـة بنت الصديق أبي بكر عبد الله بن عثمـان، وأمها أم رومان بنت عويمر الكنانية، ولدت بعد المبعث بأربع سنوات أو خمس، تزوجها النبي وهي بنت ست، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وكان دخوله بها في شوال في السنة الأولى، وقيل: في السنة الثانية من الهجرة، وهي المبرأة من فوق سبع سموات، وكانت أحب أزواج النبي ﷺ إليه، ولم يتزوج بكراً غيرها، وكانت أفقه نساء الأمة على الإطلاق، فكان الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين إذا أشكل عليهم الأمر في الدين استفتوها، وقد توفي عنها النبي ﷺ وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وكانت وفاتها رضي الله عنها في سنة ثمان وخمسين ليلة السابع عشر من رمضان، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنهم أجمعين، ودفنت في البقيع رضي الله عنها وأرضاها.
ومناقبها رضي الله عنها كثيرة مشهورة، فقد وردت أحاديث صحيحة بخصائص انفردت بها عن سواها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن، منها:
1- مجيء الملك بصورتها إلى النبي ﷺ في سرقة من حرير قبل زواجها به ﷺ؛ فقد روى الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك هذا من الله يمضه».
2- أحب أزواج النبي ﷺ: وقد صرح بمحبتها لما سئل ﷺ عن أحب الناس إليه؛ فقد روى البخاري بإسناده إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي ﷺ بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته، فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» قلت: فمن الرجال؟ قال: «أبوها». قال الحافظ الذهبي: وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض، وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيباً، وقد قال: «لو كنت متخذاً خليلاً من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام أفضل»، فأحب أفضل رجل في أمته، وأفضل امرأة في أمته، فمن أبغض حبيبي رسول الله ﷺ فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً.
3 - نزول الوحي على النبي ﷺ وهو في لحافها دون غيرها من نسائه عليه الصلاة والسلام، فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله ﷺ أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان، أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي ﷺ، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: «يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه والله ما نزل علي الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها». وقال الذهبي: وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها.
4 - أن جبريل عليه السلام أرسل إليها سلامه مع النبي ﷺ: فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ يوماً: «يا عائشة! هذا جبريل يقرئك السلام» فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى مالا أرى. تريد رسول الله ﷺ.
5 - بدأ النبي ﷺ بتخييرها عند نزول آية التخيير: وقرن ذلك بإرشادها إلى استشارة أبويها في ذلك الشأن، لعلمه أن أبويها لا يأمرانها بفراقه، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فاستن بها بقية أزواجه ﷺ، فقد روى الشيخان بإسنادهما إلى عائشة رضي الله عنها قالت: لما أمر رسول الله ﷺ بتخيير أزواجه؛ بدأ بي فقال: «إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك» قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: «إن الله ـ جل ثناؤه قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأِزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخرة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28 ـ 29]» قالت: فقلت: ففي هذا أستأمر أبوي؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج رسول الله ﷺ مثل ما فعلت.
6 - نزول آيات من كتاب الله بسببها: فمنها ما هو في شأنهـا خاصـة، ومنها ما هو للأمـة عامـة، فأما الآيات الخاصـة بهـا والتي تـدل على عظم شأنها ورفعة مكانتها؛ شهادة البـاري جلَّ وعلا لهـا بالبراءة مما رميت بـه من الإفك والبهتان، وهو قولـه تعالى: إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26].
قال ابن القيم: ومن خصائصها أن الله سبحانه وتعالى برأها مما رماها به أهل الإفك، وأنزل في عذرها وبراءتها وحي يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات، ووعدها المغفرة والرزق الكريم. وأخبر سبحانه وتعالى أن ما قيل فيها من الإفك كان خيراً لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها، ولا خافضاً من شأنها، بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها، وأعظم شأنها، وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة ما أجلها! وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها، حيث قالت: لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله ﷺ رؤيا يبرئني الله بها. فهذه صديقة الأمة وأم المؤمنين وحِب رسول الله ﷺ، وهي تعلم أنها بريئة منه مظلومة، وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها، وقد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول الله ﷺ.
قال ابن كثير: ولما تكلم فيها أهل الإفك بالزور والبهتان؛ غار الله فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآن تُتلى على الزمان.. وقد أجمع العلماء على تكفير من قذفها بعد براءتها.
وأما ما نزل بسببها من الآيات وهي للأمة عامة فآية التيمم، وكانت رحمة وتسهيلاً لسائر الأمة، فقد روى البخاري، بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها: أنها استعارت من أسماء قلادة، فهلكت، فأرسل رسول الله ﷺ ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي ﷺ شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خير.
7-كان رسول الله ﷺ يحرص على أن يمرض في بيتها: فقد كانت وفاته ﷺ بين سحرها ونحرها في يومها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا، وأول ساعة من الآخرة، ودفن في بيتها، فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول: «أين أنا غداً؟» حرصاً على بيت عائشة، قالت: فلما كان يومي سكن.
وعند مسلم عنها أيضاً: قالت: إن كان رسول الله ﷺ ليتفقد يقول: «أين أنا اليوم أين أنا غداً؟» استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري.
وروى البخاري أيضاً بإسناده عنها: أن رسول الله ﷺ كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: «أين أنا غداً، أين أنا غداً؟» يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها. قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله ﷺ، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقصمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله ﷺ فاستن به، وهو مستند إلى صدري. وفي رواية أخرى بزيادة: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة.
8- إخباره ﷺ بأنها من أصحاب الجنة: فقد روى الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله مَنْ مِنْ أزواجك في الجنة؟ قال: «أما إنك منهن». قالت: فخيل إليّ أن ذاك أنه لم يتزوج بكراً غيري. وروى البخاري بإسناده إلى القاسم بن محمد: أن عائشة اشتكت، فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله ﷺ وعلى أبي بكر؛ وفي هذا فضيلة عظيمة لعائشة رضي الله عنها، حيث قطع لها بدخول الجنة، إذ لا يقول ذلك إلا بتوقيف.
9 - فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام: ما رواه الشيخان بإسنادهما إلى عبد الله بن عبد الرحمن: أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
قال النووي: قال العلماء: معناه: أن الثريد من كل طعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل من مرقه بلا ثريد، وثريد ما لا لحم فيه أفضل من مرقه، والمراد بالفضيلة: نفعه والتشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ به وتيسر تناوله وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة، وغير ذلك فهو أفضل من المرق كله ومن سائر الأطعمة، وفضل عائشة على النساء زائد كزيادة فضل الثريد على غيرها من الأطعمة. وليس في هذا تصريح بتفضيلها على مريم وآسية لاحتمال أن المراد تفضيلها على نساء هذه الأمة.
هذه بعض الأحاديث التي أشارت إلى فضل السيدة عائشة ومكانتها وسبقها وعلو شأنها في الدين، وعظيم مكانتها، ومع هذا فقد تعرضت السيدة عائشة أم المؤمنين للطعن والتجريح والكذب والافتراء من قِبل الشيعة الرافضة ومن تأثر برواياتهم المختلفة، وآثارهم الموضوعة وجاؤوا لآثار صحاح، وأحاديث مسندة صحيحة وأوّلوها على غير حقيقتها ومرادها، كما فعل ذلك صاحب كتاب (ثم اهتديت) وهو لم يأتِ بجديد، وإنما سار على منهج أسلافه ممن سبقوه من الشيعة الروافض، وطعن في أم المؤمنين عائشة بقول عمار: والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم بها ليعلم إياه تطيعون أم هي. وليس في قول عمار هذا ما يطعن به على عائشة ـ رضي الله عنها ـ، بل فيه أعظم فضيلة لها، وهي أنها زوجة نبينا ﷺ في الدنيا والآخرة، فأي فضل أعظم من هذا؟! وأي شرف أسمى من هذا؟! فإن غاية كل مؤمن رضا الله والجنة، وعائشة ـ رضي الله عنها ـ قد تحقق لها ذلك بشهادة عمار ـ رضي الله عنه ـ الذي كان مُخالفاً لها في الرأي في تلك الفتنة، وأنها ستكون في أعلى الدرجات في الجنة بصحبة رسول الله ﷺ، وبهذا قد جاء الحديث الصحيح ـ المرفوع للنبي ﷺ على ما روى الحاكم في المستدرك من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن النبي ﷺ قال لها: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والاخرة»؟ قالت: بلى والله، قال: «فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة، فيكون هذا الحديث من أعظم فضائل عائشة ـ رضي الله عنها ـ، ولذا أورد البخاري الأثر السابق عن عمار في مناقب عائشة رضي الله عنها.
وأما قوله في الجزء الأخير من الأثر: ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها؛ فليس بمطعن على أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ وبيان ذلك من وجوه:
أ ـ أن قول عمار هذا يمثل رأيه، وعائشة ـ رضي الله عنها ـ ترى خلاف ذلك، وأن ما هي عليه هو الحق، وكل منهما صحابي جليل، عظيم القدر في الدين والعلم، فليس قول أحدهما حجة على الآخر.
ب ـ أن غاية ما في قول عمار هو مخالفتها أمر الله في تلك الحالة الخاصة، وليس كل مخالف مذموماً حتى تقوم عليه الحجة بالمخالفة، ويعلم أنه مخالف، وإلا فهو معذور إن لم يتعمد المخالفة؛ فقد يكون ناسياً أو متأولاً فلا يؤخذ بذلك.
ج ـ أن عماراً رضي الله عنه ما قصد بذلك ذم عائشة ولا انتقاصها، وإنما أراد أن يبين خطأها في الاجتهاد نصحاً للأمة، وهو مع هذا يعرف لأم المؤمنين قدرها وفضلها.
وقد جاء في بعض روايات هذا الأثر عن عمار: أن عماراً سمع رجلاً يسب عائشة، فقال: اسكت مقبوحاً منبوذاً، والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها.
وأما قول الشيعة الروافض؛ أن النبي ﷺ قام خطيباً، فأشار نحو مساكن عائشة فقال: ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان، وطعنهم على عائشة ـ رضي الله عنها ـ بذلك، وزعمهم: أن الرسول ﷺ أراد أن الفتنة تخرج من بيتها! فهذا الكلام فيه تضليل وقلب للحقائق والتدليس على من لا علم عنده من العامة، وذلك بتفسيره قول الراوي: فأشار (نحو مسكن عائشة)، على أن الإشارة كانت لبيت عائشة، وأنها سبب الفتنة! والحديث لا يدل على هذا بأي وجه من الوجوه، وهذه العبارة لا تحتمل هذا الفهم عند من له أدنى معرفة بمقاصد الكلام؛ فإن الراوي قال: أشار نحو مساكن عائشة، ولم يقل: إلى جهة مساكن عائشة، والفرق بين التعبيرين واضح وجلي، وهذه الرواية التي ذكرها أخرجها البخاري في كتاب فرض الخمس. وهذا الحديث قد جاء مخرجاً في كتب السنة من الصحيحين وغيرهما من عدة طرق وبأكثر من لفظ، وجاء النص فيها على البلاد المشار إليها بما يدحض دعوى الشيعة الروافض، ويغني عن التكلُّف في الرد عليهم بأي شيء آخر، وها هي ذي بعض روايات الحديث من عدة طرق عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ:
فعن ليث، عن نافع، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: أنه سمع رسول الله ﷺ وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان».
وعن عبيد بن عمر قال: حدثني نافع عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق: «الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان» قالها مرتين أو ثلاثاً.
وعن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن رسول الله ﷺ قال وهو مستقبل المشرق: «ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان».
وفي هذه الروايات تحديد صريح للجهة المشار إليها وهي جهة المشرق، وفيها تفسير للمقصود بالإشارة في الرواية التي ذكرها الشيعة الروافض.
كما جاء في بعض الروايات الأخرى للحديث تحديد البلاد المشار إليها:
فعن نافع، عن ابن عمر قال: ذكر النبي ﷺ فقال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا»، قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان».
وعن سالم بن عبد الله بن عمر: أنه قال: يا أهل العراق؟ ما أسأَلَـكُمْ عن الصغيرة وأركَبَـكُمْ للكبيرة! سمعت أبي؛ عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله يقول: «إن الفتنة تجيء من هاهنا -وأوْمَأ بيده نحو المشرق- من حيث يطلع قرنا الشيطان».
وفي بعض الروايات جاء ذكر بعض من يقطن تلك البلاد من القبائل ووصف حال أهلها، فعن أبي مسعود قال: أشار رسول الله ﷺ بيده نحو اليمن فقال: «ألا إن الإيمان هاهنا، وإن القسوة وغلظ القلب في الفدادين، وعند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر».
فدلت هذه الروايات دلالة قطعية على بيان مراد النبي ﷺ من قوله: «الفتنة (هاهنا)» وأن المقصود بذلك بلاد المشرق، حيث جاءت الروايات مصرحة بهذا، كما جاء في بعضها وصف أهل تلك البلاد وتعيين بعض قبائلها، مما يظهر به بطلان ما ادعى الشيعة الروافض من أن الإشارة كانت إلى بيت عائشة، فإن هذا قول باطل، ورأيٌ ساقط، لم يفهمه أحد، وما قال به سوى الشيعة الروافض.
يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf