الأحد

1446-07-05

|

2025-1-5

موقعة الجمل ... نهاية القتال ونتائجه

الحلقة السابعة والخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الآخر 1441 ه/ فبراير 2020م

6 - نداء أمير المؤمنين علي بعد الحرب:
ما إن بدأت الحرب تضع أوزارها، حتى نادى منادي علي: أن لا يجهزوا على جريح، ولا يتبعوا مدبراً، ولا يدخلوا داراً، ومن ألقى السلاح فهـو آمن، ومن أغلق بابـه فهو آمن، وليس لجيشـه من غنيمـة إلا ما حمل إلى ميدان المعركـة من سلاح وكراع، وليس لهم ما وراء ذلك من شيء. ونادى منادي أمير المؤمنين فيمن حاربه من أهل البصرة: من وجد شيئاً من متاعه عند أحد من جنده، فله أن يأخذه، وقد ظن بعض الناس في جيش علي ـ أن عليـاً سيقسم بينهم السبي، فتكلموا به ونشروه بين الناس، ولكن سرعان ما فاجأهـم علي رضي الله عنـه، حين أعلن في نـدائـه: وليس لكم أم ولد، والمواريث على فرائض الله، وأي امرأة قُتل زوجها فلتعتد أربعة أشهر وعشراً، فقالوا مستنكرين متأوِّلين: يا أمير المؤمنين تحل لنـا دماؤهم ولا تحل لنـا نساؤهم؟! فقال علي: كذلك السيرة في أهل القبلة. ثم قال: فهاتوا سهامكم وأقرعوا على عائشة؛ فهي رأس الأمر وقائدهم، فتفرقوا وقالوا: نستغفر الله، وتبين لهم أن قولهم وظنهم خطأ فاحش، ولكن ليرضيهم قسم عليهم رضي الله عنه من بيت المال خمسمئة خمسمئة.
7 - تفقده للقتلى وترحُّمه عليهم:
بعد انتهاء المعركة خرج يتفقد القتلى مع نفر من أصحابه، فأبصر محمد بن طلحة (السجاد) فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شاباً صالحاً، ثم قعد كئيباً حزيناً.. ودعا للقتلى بالمغفرة، وترحم عليهم، وأثنى على عدد منهم بالخير والصلاح. وعاد إلى منزله، فإذا امرأته وابنتاه يبكين على عثمان وقرابته، والزبير وطلحة وغيرهم من أقاربهم القرشيين. فقال لهن: إني لأرجو أن نكون الذين قال الله فيهم: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47]. ثم قال: ومن هم إن لم نكن؟!... ومن هم إن لم نكن؟!... فما زال يردد ذلك حتى وددت أنه سكت.
8 - مبايعة أهل البصرة:
كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حريصاً على وحدة الصف، واحترام رعايا الدولة، ومعاملتهم المعاملة الكريمة، وكان لهذه المعاملة أثر بالغ في مبايعة أهل البصرة لأمير المؤمنين علي، وكان أمير المؤمنين قد وضع الأسرى في مساء يوم الجمل في موضع خاص، فلما صلى الغداة طلب موسى بن طلحة بن عبيد الله، فقربه ورحب به وأجلسه بجواره، وسأله عن أحواله وأحوال أخوته، ثم قال له: إنا لم نقبض أرضكم هذه ونحن نريد أن نأخذها، إنما أخذناها مخافة أن ينتهبها الناس. ودفع له غلتها وقال: يا بن أخي وأتنا في الحاجة إذا كانت لك. وكذلك فعل مع أخيه عمران بن طلحة فبايعاه.
فلما رأى الأسارى ذلك دخلوا على علي رضي الله عنه يبايعونه، فبايعهم وبايع الآخرين على راياتهم قبيلة قبيلة، كما سأل عن مروان بن الحكم وقال: يعطفني عليه رحم ماسّة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش، وقد أرسل مروان إلى الحسن والحسين وابن عباس رضي الله عنهم ليكلموا علياً، فقال علي: هو آمن فليتوجه حيث شاء، ولكن مروان إزاء هذا الكرم والنبل، لم تطاوعه نفسه أن يذهب حتى بايعه، كما أن مروان رحمه الله أثنى على فعال أمير المؤمنين علي فقال لابنه الحسن: ما رأيت أكرم غلبة من أبيك، ما كان إلا أن ولينا يوم الجمل حتى نادى مناديه: ألا لا يتبع مدبر، ولا يذف على جريح.
وبذلك تمت بيعة أهل البصرة لأمير المؤمنين علي، وولى عليها ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وولى على خراجها زياد بن أبيه، وأراد علي رضي الله عنه: أن يمكث فيها مدة أطول، لولا أن مالكاً (الأشتر). أعجله عن ذلك، وذلك أن الأشتر كان يطمع في أن يلي ولاية، فلما علم بأن ابن عباس ولي إمارة البصرة غضب وسار في قومه فخشي علي رضي الله عنه منه شراً وفتنة، فاستعجل ببقية جيشه، وأدركه، وعاتبه على سيره، وأظهر أنه لم يسمع عنه شيئاً.
9 - حديث أبي بكرة عن رسول الله ﷺ: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار».
قال القرطبي: قال علماؤنا: أليس هذا الحديث ـ حديث أبي بكرة ـ في أصحاب النبي ﷺ، بدليل قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الحجرات: 9]. فأمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية، ولو أمسك المسلمون على قتال أهل البغي لتعطلت فريضة من فرائض الله. وهذا يدل على أن قوله: القاتل والمقتول في النار ليس في أصحاب النبي ﷺ، لأنهم إنما قاتلوا على التأويل.
قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين من المسلمين الهرب منه ولزوم المنازل وكسر السيوف، لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلاً إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين، وسبي نسائهم، وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا: هذه فتنة قد نهينا عن القتال فيها، وأمرنا بكف الأيدي والهرب منها.
وقال النووي: وأما كون القاتل والمقتول فمحمولة على من لا تأويل له، ويكون قتالهما عصبية ونحوها، ثم كونـه في النار معنـاه مستحق لها، وقد يجازى بذلك وقد يعفو الله تعالى عنه، هذا مذهب أهل الحق.. وعلى هذا يتأول كل ما جاء من نظائره. واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم أنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ للاجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه، وكان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا هو مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا عن مساعدتهم.
10 - تاريخ معركة الجمل:
اختلف المؤرخون في تاريخ وقعة الجمل إلى أقوال كثيرة منها:
أ- أخرج خليفة بن خياط من طريق قتادة: أن الفريقين التقيا يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وكانت الوقعة يوم الجمعة.
ب - أخرج عمر بن شبة: أن الوقعة كانت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثون.
ج - أخرج الطبري من طريق الواقدي أن الوقعة كانت يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين.
د - ذكر المسعودي: أن الوقعة كانت يوم الخميس في العاشر من جمادى الأولى.
غير أن أرجح الأقوال هو ما أخرجه خليفة بن خياط من طريق قتادة حيث إن إسناد روايته يعد أصح ما في الباب.
11 - أفلا نكف عنهن وهن مسلمات؟:
جاء أمير المؤمنين إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة، فاستأذن وسلم عليها ورحبت به، وإذا النساء في دار بني خلف يبكين على من قُتل، منهم عبد الله وعثمان ابنا خلف، فعبد الله قتل مع عائشة، وعثمان قتل مع علي، فلما دخل علي قالت له صفية امرأة عبد الله، أم طلحة الطلحات: أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي، فلم يرد عليها علي شيئاً، فلما خرج أعادت عليه المقالة أيضاً فسكت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟! فقال: ويحك إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات، أفلا نكف عنهن وهن مسلمات؟!

12 - اعتذار أبي بكرة الثقفي عن إمارة البصرة:
جاء عبد الرحمن بن أبي بكرة الثقفي إلى أمير المؤمنين فبايعه، فقال له علي: أين المريض؟ ـ يعني أباه ـ فقال: إنه والله مريض يا أمير المؤمنين، وإنه على مسرتك لحريص. فقال: امشِ أمامي، فمضى إليه فعاده، واعتذر إليه أبو بكرة فعذره، وعرض عليه البصرة فامتنع، وقال: رجل من أهلك يسكن إليه الناس، وأشار عليه بابن عباس، فولاه على البصرة، وجعل معه زياد بن أبيه على الخراج وبيت المال، وأمر ابن عباس أن يسمع من زياد.
13 - موقف أمير المؤمنين علي ممن ينال من عائشة:
قال رجل: يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر علي القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مئة، وأن يخرجهما من ثيابهما، وقد قام القعقاع بذلك.
14 - دفاع عمار بن ياسر عن أم المؤمنين عائشة:
عن محمد بن عريب ـ قال: قام رجل فذكر عائشة عند علي، فجاء عمار فقال: من هذا الذي يتناول زوجة نبينا؟ اسكت مقبوحاً منبوذاً مذموماً مدحوراً. وجاء في رواية: اغرب مقبوحاً، أتؤذي حبيبة رسول الله ﷺ؟!. وجاء في رواية: ذكرت عائشة عند علي رضي الله عنهما، فقال: حليلة رسول الله ﷺ.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022