الأربعاء

1446-07-08

|

2025-1-8

علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عهد الصديق

الحلقة الثامنة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م

سادساً: مصاهرات بين الصديق وأهل البيت ، وتسمية أهل البيت بعض أبنائهم باسم أبي بكر:
كانت صلة سيدنا أبي بكر الصديق خليفة رسول الله ﷺ بأعضاء أهل البيت ، صلة ودية تقديرية تليق به وبهم ، كانت هذه المودة والثقة متبادلة ، وكانت من المتانة بحيث لا يتصور معها التباعد والاختلاف؛ مهما نسج المسامرون الأساطير والأباطيل ، فالصديقة عائشة بنت الصديق بنت أبي بكر كانت زوجة النبي ﷺ ، ومن أحب الناس إليه مهما احترق الحساد ونقم المخالفون ، فإنها حقيقة ثابتة ، وهي طاهرة مطهرة بشهادة القرآن مهما جحدها المبطلون وأنكرها المنكرون ، ثم أسماء بنت عميس التي كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي ، فمات عنها وتزوجها الصديق وولدت له ولداً سماه محمداً الذي ولاه علي مصر ، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب ، فولدت له ولداً سماه يحيى.
وحفيدة الصديق كانت متزوجة من محمد الباقر الإمام الخامس عند الروافض، وحفيد علي رضي الله عنه.
وقد نقل الأستاذ إحسان إلهي ظهير من كتب الروافض ما يثبت التلاحم والمصاهرة بين بيت النبوة وبيت الصديق؛ فقد أثبت بأن قاسم بن محمد بن أبي بكر حفيد أبي بكر ، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد علي كانا ابني خالة؛ فأم قاسم بن محمد وعلي بن الحسين هما بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى اللتين كانتا من سبايا الفرس في عهد عمر رضي الله عنه. وتوسع احسان الهي ظهير في إثبات المصاهرات وعلاقات المودة والتراحم والاحترام المتبادل بين أهل البيت وبيت الصديق.
وكان من حب أهل البيت للصديق والتوادد ما بينهم أنهم سموا أبنائهم بأسماء أبي بكر رضي الله عنه ، فأولهم علي بن أبي طالب حيث سمى أحد أبنائه بأبي بكر، وهذا دليل على حب ومؤاخاة وإعظام وتقدير علي للصديق رضي الله عنهما، والجدير بالذكر أنه ولد له هذا الولد بعد تولية الصديق الخلافة والإمامة ، بل وبعد وفاته كما هو معروف بداهة ، وهل يوجد في الشيعة اليوم المتزعمين حب علي وأولاده رجل يسمى بهذا الاسم ، وهل هم موالون له أم مخالفون؟ وعلي رضي الله عنه لم يسم بهذا الاسم ابنه إلا متيمناً بالصديق ، وإظهاراً له المحبة والوفاء وحتى بعد وفاته ، وإلا فلا يوجد في بني هاشم رجل قبل علي سمى ابنه بهذا الاسم ، ثم لم يقتصر علي بهذا التيمن والتبرك وإظهار المحبة والصداقة للصديق ، بل بعده بنوه أيضاً مشوا مشيه ونهجوا منهجه ، فالحسن والحسين ، سميا كل واحد منهما أحد أولادهما بأبي بكر ، فقد ذكر ذلك اليعقوبي والمسعودي وهما من مؤرخي الروافض، واستمر أهل البيت يسمون من أسماء أولادهم بأبي بكر ، فقد سمي ابن أخ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب فإنه سمى أحد أبنائه باسم أبي بكر ، وهذا من إحدى علائم الحب والود بين القوم ، خلاف ما يزعمه الروافض اليوم من العداوة والبغضاء والقتال الشديد والجدال الدائم بينهم.
وقد كان جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الذي يلقب بالصادق عند الشيعة الروافض يقول: ولدني أبو بكر مرتين، فأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر كان أحد فقهاء المدينة السبعة تربى في حجر أم المؤمنين عائشة ، وأما أمها فهي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، وكان جعفر يغضب من الرافضة ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ، فكيف يرضى من يدعي محبة جعفر وال البيت أن يلعن جد جعفر؟!
وعن عروة بن عبد الله قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف؟ فقال: لا بأس به ، قد حَلَّى أبو بكر الصديق سيفه ، قال: قلت: وتقول الصديق؟ قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة ، ثم قال: نعم الصدّيق ، نعم الصدّيق ، نعم الصدّيق، من لم يقل له الصديق فلا صَدَّق الله له قولاً في الدّنيا والاخرة.
سابعاً: علي رضي الله عنه في وفاة الصديق:
كان علي رضي الله عنه من ضمن من استشارهم الصديق فيمن يتولى الخلافة بعده ، وكان رأي علي أن يتولَّى الخلافة بعد الصدّيق الفاروق، ولما حان الرحيل ونزل الموت بأبي بكر ، كان اخر ما تكلم به الصدّيق في هذه الدنيا قول الله تعالى: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]. وارتجت المدينة لوفاة أبي بكر الصِّدّيق ، ولم تر المدينة منذ وفاة الرسول ﷺ يوماً ، أكثر باكياً وباكية من ذلك المساء الحزين.
وأقبل علي بن أبي طالب مسرعاً ، باكياً ، مسترجعاً ، ووقف على البيت الذي فيه أبو بكر فقال: رحمك الله يا أبا بكر كنت إلف رسول الله ﷺ وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته ، وكنت أول القوم إسلاماً ، وأخلصهم يقيناً ، وأشدهم لله يقيناً ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل ، وأحوطهم على رسول الله ﷺ ، وأحدبهم على الإسلام، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب ، وأفضلهم سوابق ، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الل ﷺ هدياً وسمتاً ، وأشرفهم منزلة ، وأرفعهم عنده ، وأكرمهم عليه ، فجزاك الله عن رسول الله ﷺ وعن الإسلام أفضل الجزاء. صدقت رسول الله ﷺ حين كذبه الناس ، وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر ، سماك الله في تنزيله صديقاً ، فقال: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33] ، واسيته حين بخلوا ، وقمت معه على المكاره حين قعدوا ، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة ، ثاني اثنين صاحبه في الغار ، والمنزل عليه السكينة ، ورفيقه في الهجرة ، وخليفته في دين الله ، وأمته أحسن الخلافة حين ارتدوا ، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي ، ونهضت حين وهن أصحابه ، وبرزت حين استكانوا ، وقويت حين ضعفوا ، ولزمت منهاج رسول الله ﷺ إذ وهنوا ، وكنت كما قال رسول الله ﷺ : ضعيفاً في بدنك ، قوياً في أمر الله ، متواضعاً في نفسك ، عظيماً عند الله تعالى ، جليلاً في أعين الناس ، كبيراً في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز ، ولا لقائل فيك مهمز ، ولا لمخلوق عندك هوادة ، الضعيف عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه ، القريب والبعيد عندك سواء ، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله عز وجل ، وأتقاهم... شأنك الحق والصدق ، والرفق ، قولك حكم وحتم ، وأمرك حلم وحـزم ، ورأيك علم وعزم ، اعتدل بك الدين ، وقوي بك الإيمان ، وظهر أمر الله، فسبقت والله سبقاً بعيداً ، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً ، وفزت بالخير فوزاً مبيناً ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، رضينا عن الله عز وجل قضاءه ، وسلمنا له أمره ، والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله ﷺ بمثلك أبداً ، كنت للدين عزاً ، وحرزاً وكهفاً ، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد ﷺ ، ولا حرمنا أجرك ، ولا أضلنا بعدك.
فسكت الناس حتى قضى كلامه ، ثم بكوا حتى علت أصواتهم وقالوا: صدقت.
وجاء في رواية: أن علياً قال عندما دخل على أبي بكر بعدما سُجِّي: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجَّى.

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022