الأربعاء

1446-07-08

|

2025-1-8

علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عهد الصديق

الحلقة السابعة عشر

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1441 ه/ يناير 2020 م

رابعاً: اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبول الهدايا منه:
إن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً له في معاملاته وقضاياه ، قابلاً منه الهدايا ، رافعاً إليه الشكاوى ، مصلياً خلفه ، محباً له ، مبغضاً من بغضه، وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي ﷺ ومن تبعهم بهديهم ، وسلك بمسلكهم ، ونهج بمنهجهم، فهذا اليعقوبي الشيعي الغالي في تاريخه يذكر أيام خلافة الصديق فيقول: وأراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ ، فقدموا وأخروا فاستشار علي بن أبي طالب فأشار أن يفعل ، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير ، فقام أبو بكر في الناس خطيباً ، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم ، وفي رواية: سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي ﷺ حيث سمعته يبشر بتلك البشارة ، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله ﷺ يا أبا الحسن سرك الله.
ويقول اليعقوبي أيضاً: وكان مما يؤخذ عنه الفقه في أيام أبي بكر علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود، فقدم علياً على جميع أصحابه ، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في المشورة والقضاء ، فعندما كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر بقوله له: إنه وجد رجلاً في بعض نواحي العرب يُنكح كما تنكح المرأة ، فجمع أبو بكر لذلك أصحاب رسول الله ﷺ ؛ ومنهم علي ، فقال علي: إن هذا ذنب لم يعمل به إلا أمة واحدة، ففعل الله بهم ما قد علمتم ، أرى أن تحرقه بالنار ، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله ﷺ أن يحرق بالنار ، فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار.
وكان علي رضي الله عنه يمتثل أوامر الصديق؛ فعندما جاء وفد من الكفار الى المدينة ، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدين والبغاة الطغاة ، وأحس منهم الصديق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين ، أمر الصديق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش ، وأمر علياً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحراس ، وبقوا كذلك حتى أمنوا منهم. وللتعامل الموجود بينهم ، وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل؛ كان علي وهو سيد أهل البيت ووالد سبطي الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتقبل الهدايا والتحف دأب الأخوة المتشاورين ما بينهم والمتحابين ، كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر ، وولدت له عمر ورقية، وأيضاً منحه الصديق خولة بنت جعفر بن قيس التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة ، وولدت له أفضل أولاده بعد الحسن والحسين وهو محمد بن الحنفية ، وكانت خولة من سبي أهل الردة وبها يعرف ابنها ، ونسب إليها محمد بن الحنفية.
يقول الإمام الجويني عن بيعة الصحابة لأبي بكر: وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم لأبي بكر رضي الله عنه ، وكان علي رضي الله عنه سامعاً لأمره، وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد ، ونهض الى غزو بني حنيفة.
ووردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، وكان علي هو القاسم والمتولي في عهده على الخمس والفيء ، وكانت هذه الأموال بيد علي ، ثم كانت بيد الحسن، ثم بيد الحسين ، ثم الحسن بن الحسن ، ثم زيد بن الحسن.
وكان علي رضي الله عنه يؤدي الصلوات الخمسة في المسجد خلف الصديق ، راضياً بإمامته ، ومظهراً للناس اتفاقه ووئامه معه.
وكان علي رضي الله عنه يروي عن أبي بكر بعض أحاديث رسول الله ﷺ ، فعن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: كنت إذا سمعت من رسول الله ﷺ علماً نفعني الله به ، وكان إذا حدثني عنه غيري استحلفته ، فاذا حلف صدقته ، وحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من عبد مسلم يذنب ذنباً ثم يتوضأ فيحسن الوضوء ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له».
ولما قبض رسول الله ﷺ اختلف أصحابه فقالوا: ادفنوه في البقيع، وقال اخرون: ادفنوه في موضع الجنائز ، وقال اخرون: ادفنوه في مقابل أصحابه، فقال أبو بكر: أخِّروا فإنه لا ينبغي رفع الصوت عند النبي ﷺ حياً ولا ميتاً ، فقال علي رضي الله عنه: أبو بكر مؤتمن على ما جاء به ، قال أبو بكر: عهد إليّ رسول الله ﷺ أنه ليس من نبي يموت إلا دفن حيث يقبض.
وشهد علي رضي الله عنه للصديق عن عظيم أجره في المصاحف ، فعن عبد خير قال: سمعت علياً يقول: أعظم الناس أجراً في المصاحف: أبو بكر الصديق، هو أول من جمع بين اللوحين.
خامساً: الصديق والسيدة فاطمة وميراث النبي ﷺ :
قالت عائشة رضي الله عنها: إن فاطمة والعباس رضي الله عنهما أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من رسول الله ﷺ ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا نورث ، ما تركنا صدقة ، إنما يأكل ال محمد ﷺ من هذا المال». وفي رواية: قال أبو بكر رضي الله عنه: ... لست تاركاً شيئاً كان رسول الله ﷺ يعمل به إلا عملت به ، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أزواج النبي ﷺ ، حين توفي رسول الله ﷺ ، أردن أن يبعثن عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أبي بكر ، ليسألنه ميراثهن من النبي ﷺ ، فقالت عائشة رضي الله عنها لهن: أليس قد قال رسول الله ﷺ : «لا نورث ما تركنا صدقة». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «لا يقتسم ورثتي ديناراً ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة».
وهذا ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع فاطمة رضي الله عنها امتثالاً لقوله ﷺ ، لذلك قال الصديق: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله ﷺ يعمل به إلا عملت به وقال: والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله ﷺ يصنعه فيه إلا صنعته.
وقد تركت فاطمة رضي الله عنها منازعته بعد احتجاجه بالحديث وبيانه لها ، وفيه دليل على قبولها الحق وإذعانها لقوله ﷺ ، قال ابن قتيبة: وأما منازعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما في ميراث النبي ﷺ فليس بمنكر ، لأنها لم تعلم ما قاله رسول الله ﷺ ، وظنت أنها ترثه كما يرث الأولاد اباءهم، فلما أخبرها بقوله كَفَّت.
وقد غلا الرافضة في قصة ميراث النبي ﷺ غلواً مفرطاً مجانبين الحق والصواب، معرضين متجاهلين ما ورد من نصوص صحيحة في أنه ﷺ لا يورث، وجعلوا ذلك من أصول الخلاف بين الصحابة وال البيت رضي الله عنهم أجمعين ، وامتداداً لأمر الخلافة ، فاتهموا الصحابة رضوان الله عليهم بإيقاع الظلم والجور على ال البيت ، ولا سيما أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما اللذين غصبا الخلافة من ال البيت كما في زعمهم ، وأضافوا إلى ذلك غصب أموال ال البيت ، وغصب ما فرض الله لهم من حقوق مالية ، ويعتبر الرافضة قضية فدك ، ومنع فاطمة من إرثها من أهم القضايا ، التي تواطأ عليها الصحابة بعد غصب الصديق رضي الله عنه للخلافة منهم على حد تعبيرهم، وذلك حتى لا يميل الناس إلى ال البيت بسبب هذا المال فيجتمعوا عليه ويخلعوه من الخلافة.
والمتتبع لكتب الرافضة في هذه المسألة يجد أنها تنصب على إنكار حديث رسول الله ﷺ : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة» واستقطاب الأدلة لمحاولة إبطاله؛ فمن ذلك:
1- زعمهم أن هذا الحديث وضعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وفي ذلك يقول الحلي: إن فاطمة لم تقبل بحديث اخترعه أبو بكر من قوله: «ما تركناه صدقة» وقال أيضاً: والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها، وقال المجلسي ، بعد أن نص على أن أبا بكر وعمر أخذا فدكاً: ولأجل ذلك وضعوا تلك الرواية الخبيثة المفتراة: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة». ويقول الخميني في ذلك: نقول بأن الحديث المنسوب إلى النبي لا صحة له ، وأنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي. ويجاب على ذلك: بأن هذا القول كذب محض ، وافتراء واضح ، إذ هذه الرواية لم ينفرد بها أبو بكر رضي الله عنه ، بل إن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة». رواه عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة ، والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف والعباس ابن عبد المطلب ، وأزواج النبي ﷺ ، وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين. وفي ذلك يقول ابن تيمية: والرواية عن هؤلاء ثابتة في الصحاح والمسانيد ، مشهورة يعلمها أهل العلم بالحديث ، فقول القائل: إن أبا بكر انفرد بالرواية؛ يدل على فرط جهله أو تعمده الكذب.
وقال ابن كثير؛ بعد ذكره لمن روى الحديث وأن هذا الزعم من الرافضة باطل: ولو تفرد بروايته الصديق رضي الله عنه لوجب على جميع أهل الأرض قبول روايته والانقياد له في ذلك، وقد قال الدكتور سليمان بن رجاء السحيمي صاحب الكتاب القيم (العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط): ويؤيد هذا ما جاء من كتب الرافضة عن الإمام جعفر الصادق الإمام الخامس المعصوم عندهم فيما رواه الكليني والصفار والمفيد: أنه قال: قال رسول الله ﷺ : «من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة ، والعلماء أمناء ، والأتقياء حصون ، والأوصياء سادة، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر.
وأن العلماء ورثة الأنبياء ، لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر». وفي رواية: «إن العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم». وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: «ما أورث النبيون».
2- زعمهم أن هذا الحديث مخالف لقوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء:11]، وقالوا: ولم يجعل الله ذلك خاصاً بالأمة دونه ﷺ .
والحقيقة: أن الخطاب شامل للمقصودين بالخطاب ، وليس فيه ما يوجب كون النبي ﷺ من المخاطبين بها. فهو ﷺ لا يقاس بأحد من البشر ، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ ولأن الله حرم عليه صدقة الفرض والتطوع ، وخص بأشياء لم يخص بها أحد غيره ﷺ ، ومما خصه الله به ، هو وإخوانه من الأنبياء عليهم السلام كونهم لا يورثون ، وذلك صيانة من الله لهم لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وخلفوها لورثتهم ، أما بقية البشر فلا نبوة لهم يقدح فيها بمثل ذلك ، كما صان الله تعالى نبينا ﷺ عن الخط والشعر صيانة لنبوته عن الشبهة ، وإن كان غيره لم يحتج إلى هذه الصيانة.
وقال ابن كثير في رده على استدلال الرافضة بالآية: إن رسول الله ﷺ قد خُصّ من بين الأنبياء بأحكام لا يشاركونه فيها.. فلو قدر أن غيره من الأنبياء يورثون وليس الأمر كذلك ، لكان ما رواه الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر مبيناً لتخصيصه بهذا الحكم دون من سواه، وبهذا يتبين بطلان استدلالهم بمخالفة الحديث.
3- زعمهم أن منع الإرث والاستدلال بهذا الحديث مخالف لقوله تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ [النمل: 16]. ومخالف لما حكاه الله عن نبيه زكريا عليه السلام: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم: 5 - 6].
حيث قالوا: إن الميراث يقتضي الأموال وما في معناه ، وليس لأحد أن يقول: إن المراد بالآية العلم دون المال.
ويجاب على ذلك بما يلي: إن الإرث اسم جنس يدخل تحته أنواع ، فيستعمل في إرث العلم والنبوة ، والملك ، وغير ذلك من أنواع الانتقال. قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32].
وقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 10 - 11] ، وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا الشأن ، وإذا كان كذلك فقوله تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ ، وقوله: إنما يدل على جنس ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ ، ولا يدل على إرث المال ، وذلك أن داوود عليه السلام كان له أولاد كثيرون غير سليمان ، فلا يختص سليمان بماله ، فدل على أن المراد بهذا الإرث إرث العلم والنبوة ونحو ذلك لا إرث المال ، والاية سيقت في بيان مدح سليمان وما خصه الله به من النعمة ، وحصر الإرث في المال لا مدح فيه ، إذ إن إرث المال من الأمور العادية المشتركة بين الناس ، وكذلك قوله تعالى: ليس المراد به إرث المال؛ لأنه ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ يرث ال يعقوب شيئاً من أموالهم ، وإنما يرث ذلك منهم أولادهم وسائر ورثتهم لو ورثوا
كما أن قوله: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ﴾ يدل على أن الإرث إرث مال، لأن زكريا لم يخف أن يأخذوا ماله من بعده إذا مات، فإن هذا ليس بمخوف، وزكريا عليه السلام لم يعرف له مال ، بل كان نجاراً يأكل من كسب يده كما في صحيح مسلم، ولم يكن ليدخر منها فوق قوته حتى يسأل الله ولداً يرث عنه ماله، فدل على أن المراد بالوراثة في هاتين الايتين وراثة النبوة، والقيام مقامه.
يقول القرطبي في تفسيره للاية: وعليه فلم يسأل من يرث ماله ، لأن الأنبياء لا تورث ، وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية ، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال ، لما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة» ، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى:﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُود ﴾ وعبارة عن قول زكريا: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ ، وتخصيص للعموم في ذلك ، وأن سليمان لم يرث من داود مالاً خلّفه داود بعده ، وإنما ورث منه الحكمة والعلم ، وكذلك ورث يحيى من ال يعقوب ، وهكذا قال أهل العلم بتأويل القران ما عدا الروافض.
ومما تجدر الإشارة إليه: أن الرافضة خالفوا ما استدلوا به على وجوب الميراث، وذلك أنهم حصروا ميراثه ﷺ في فاطمة رضي الله عنها ، فزعموا أنه لم يرث النبي ﷺ ، إلا هي ، فأخرجوا أزواجه وعصبته مخالفين عموم الايات التي استدلوا بها ، فقد روى الصدوق بسنده عن أبي جعفر الباقر قوله: لا والله ما ورث رسول الله ﷺ العباس ولا علي ، ولا ورثته إلا فاطمة عليها السلام، وما كان اخذ علي عليه السلام السلاح وغيره إلا أنه قضي عنه دينه.
وورث الكليني والصدوق والطوسي بأسانيدهم إلى الباقر أيضاً قوله: وورث علي عليه السلام من رسول الله ﷺ علمه ، وورثت فاطمة عليها السلام تركته، بل وأخرجوا حتى فاطمة من ذلك ، حيث زعموا أن النساء لا يرثن العقار ، فقد بوب الكليني في كتابه الكافي باباً بعنوان: إن النساء لا يرثن من العقار شيئاً ، وساق تحته روايات منها: عن أبي جعفر الصادق أنه قال: النساء لا يرثن من الأرض ، ولا من العقار شيئاً.
روى الصدوق بسنده إلى ميسر قال: سألته - يقصد الصادق - عن النساء ما لهن في الميراث ؟ فقال: أما الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه، وبهذا يتبين عدم استحقاق فاطمة رضي الله عنها شيئاً من الميراث ، بدون الاستدلال بحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث». فما دامت المرأة لا ترث العقار والأرض ، فكيف كان لفاطمة أن تسأل فدك على حسب قولهم وهي عقار لا ريب فيه، وهذا دليل كذبهم وتناقضهم فضلاً عن جهلهم.
وأما ما زعموه من كون الصديق رضي الله عنه سأل فاطمة أن تحضر شهوداً، فأحضرت علياً وأم أيمن؛ فلم يقبل شهادتهما؛ فهو من الكذب البين الواضح ، قال حماد بن إسحاق: فأما ما يحكيه قوم أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك ، وذكرت أن رسول الله ﷺ أقطعها إياها ، وشهد لها علي عليه السلام فلم يقبل أبو بكر شهادته لأنه زوجها؛ فهذا أمر لا أصل له ولا تثبت به رواية أنها ادعت ذلك ، وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه.
4- أن السنة والإجماع قد دلا على أن النبي لا يورث:
قال ابن تيمية: كون النبي ﷺ لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها ، وبإجماع الصحابة ، وكل منهما دليل قطعي ، فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم ، وإن كان عموماً فهو مخصوص ، لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلا ظنياً ، فلا يعارض القطعي ، إذ الظني لا يعارض القطعي ، وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس ، وليس فيهم من ينكره بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق ، ولهذا لم يصر أحد من أزواجه على طلب الميراث ، ولا أصرّ العمّ على طلب الميراث ، بل من طلب من ذلك شيئاً فأخبر بقول النبي ﷺ رجع عن طلبه ، واستمر الأمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى علي ، فلم يغير من ذلك شيئاً ، ولا قسم له تركة.
قال ابن تيمية: قد تولى الخلافة (عليٌّ) بعد ذي النورين عثمان ، وصار فدك وغيرها تحت حكمه ، ولم يعطِ منها شيئاً لأحد من أولاد فاطمة ، ولا من زوجات النبي ﷺ ، ولا ولد العباس ، فلو كان ظلماً وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه ، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير؟! .
وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) قال: وقد روينا عن السفاح: أنه خطب يوماً ، فقام رجل من ال علي رضي الله عنه قال: أنا من أولاد علي رضي الله عنه ، فقال: يا أمير المؤمنين أَعِنِّي على من ظلمني ، قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي رضي الله عنه والذي ظلمني أبو بكر رضي الله عنه حين أخذ فدك من فاطمة ، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم ، ومن قام بعده؟ قال: عمر رضي الله عنه ، قال: ودام على ظلمكم. قال: نعم ، قال: ومن قام بعده؟ قال عثمان رضي الله عنه: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم ، قال: ومن قام بعده؟ فجعل يلتفت كذا وكذا ينظر مكاناً يهرب منه.
وبتصويب أبي بكر رضي الله عنه في اجتهاده صرح بعض أولاد علي من فاطمة رضي الله عنهما على ما روى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أما لو كنت مكان أبي بكر ، لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك.
كما نقل أبو العباس القرطبي اتفاق أهل البيت؛ بدأ بعلي رضي الله عنه ومن جاء بعده من أولاده، ثم أولاد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله ﷺ ، أنهم ما كانوا يرون تملكها ، وإنما كانوا ينفقونها في سبيل الله ، قال رحمه الله: إن علياً لما ولي الخلافة ولم يغيرها عما عمل فيها في عهد أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ولم يتعرض لتملكها ، ولا لقسمة شيء منها ، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها ، ثم كانت بيد حسن بن علي ، ثم بيد حسين بن علي ، ثم بيد علي بن الحسين ، ثم بيد الحسين بن الحسن ، ثم بيد زيد بن الحسين ، ثم بيد عبد الله بن الحسين ، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه ، وهؤلاء كبراء أهل البيت رضي الله عنهم وهم معتمدون عند الشيعة وأئمتهم ، لم يُروَ عن واحد منهم أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه ، فلو كان ما يقوله الشيعة حقاً لأخذها علي أو أحد من أهل بيته لما ظفروا بها ، ولم لا!؟ .
وقال ابن تيمية: قد تولى الخلافة ـ علي ـ بعد ذي النورين عثمان ، وصار فدك وغيرها تحت حكمه ، ولم يعط منها شيئاً لأحد من أولاد فاطمة ، ولا من زوجات النبي ﷺ ولا ولد العباس ، فلو كان ظلماً ، وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه ، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جري في ذلك من الشر العظيم ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير؟!
وقال ابن كثير: وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل ، وتكلفوا ما لا علم لهم به ، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، ولما يأتهم تأويله ، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم، فلو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله ، وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل واحد قبوله ، ولكنهم طائفة مخذولة ، وفرقة مرذولة ، يتمسكون بالمتشابه ، ويتركون الأمور المقدرة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
5- تسامح السيدة فاطمة مع أبي بكر:
وقد ثبت عن فاطمة رضي الله عنها: أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك ، وماتت وهي راضية عنه ، على ما روى البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها ، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن اذن له؟ قال: نعم ، فأذنت له ، فدخل عليها يترضاها ، فقال: والله ما تركت الدار والمال ، والأهل والعشيرة ، ألا ابتغاء مرضاة الله ، ومرضاة رسوله ، ومرضاتكم أهل البيت ، ثم ترضاها حتى رضيت. قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد قوي ، والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي.
وبهذا تندحض مطاعن الرافضة على أبي بكر التي يعلقونها على غضب فاطمة عليه ، فلئن كانت غضبت على أبي بكر في بداية الأمر ، فقد رضيت عنه بعد ذلك ، وماتت وهي راضية عنه ، ولا يسع أحد صادق في محبته لها ، إلا أن يرضى عمن رضيت عنه، ولا يعارض هذا ما ثبت في حديث عائشة: إنما يأكل ال محمد ﷺ من هذا المال ، وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله ﷺ عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ﷺ ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ﷺ ، فأبى أبو بكر أن يدفع لفاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، فإن هذا بحسب علم عائشة رضي الله عنها راوية الحديث ، وفي حديث الشعبي زيادة علم ، وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه ، فعائشة رضي الله عنها نفت والشعبي أثبت ، ومعلوم لدى العلماء أن قول المثبت مقدم على قول النافي ، لأن احتمال الثبوت حصل بغير علم النافي ، خصوصاً في مثل هذه المسألة ، فإن عيادة أبي بكر لفاطمة رضي الله عنها ليست من الأحداث الكبيرة التي تشيع في الناس ، ويطلع عليها الجميع ، وإنما هي من الأمور العادية التي تخفى على من لم يشهدها ، والتي لا يعبأ بنقلها لعدم الحاجة لذكرها.
على أن الذي ذكره العلماء أن فاطمة رضي الله عنها لم تتعمد هجر أبي بكر رضي الله عنه أصلاً ، ومثلها ينزه عن ذلك لنهي النبي ﷺ عن الهجر فوق ثلاث ، وإنما لم تكلمه لعدم الحاجة لذلك ، قال القرطبي صاحب (المفهم) في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله ﷺ ولملازمتها بيتها، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران ، وإلا فقد قال رسول الله ﷺ : «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم ، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله ﷺ ، كيف لا يكون كذلك وهي بضعة من رسول الله ﷺ وسيدة نساء أهل الجنة ؟! .
وقال النووي: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر رضي الله عنه فمعناه انقباضها عن لقائه ، وليس هذا من الهجران المحرم ، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء ، وقوله في هذا الحديث: (فلم تكلمه) يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت إلى لقائه فتكلمه ، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته، لقد انشغلت فاطمة رضي الله عنها عن كل شيء بحزنها لفقدها أكرم الخلق ، وهي مصيبة تزري بكل المصائب ، كما أنها انشغلت بمرضها الذي ألزمها الفراش عن أية مشاركة في أي شأن من الشؤون فضلاً عن لقاء خليفة المسلمين المشغول لكل لحظة من لحظاته بشؤون الأمة ، وحروب الردة وغيرها ، كما أنها كانت تعلم بقرب لحوقها بأبيها ؛ فقد أخبرها رسول الله ﷺ بأنها أول من يلحق به من أهله، ومن كان في مثل علمها لا يخطر بباله أمور الدنيا ، وما أحسن قول المهلب الذي نقله العيني: ولم يروِ أحد أنهما التقيا وامتنعا عن التسليم ، وإنما لازمت بيتها ، فعبر الراوي عن ذلك بالهجران.
ومما يدل على أن العلاقة كانت وطيدة بين الصديق والسيدة فاطمة إلى حد أن زوجة أبي بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرض فاطمة بنت النبي ﷺ ورضي الله عنها في مرض موتها ، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة ، وشاركت في غسلها وترحيلها الى مثواها ، وكان علي رضي الله عنه يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رضي الله عنها ، وقد وصَّتها بوصايا في كفنها ودفنها وتشييع جنازتها.
فعملت أسماء بها، فقد قالت السيدة فاطمة لأسماء: إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله ﷺ ألا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة ، فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً ، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله ، به تعرف المرأة من الرجال، وعن ابن عبد البر: فاطمة رضي الله عنها أول من غطي نعشها في الإسلام ، ثم زينب بنت جحش.
وكان الصديق دائم الاتصال بعلي من ناحية ليسأله عن أحوال بنت النبي ﷺ خلاف ما يزعمه القوم ، فمرضت (أي فاطمة رضي الله عنها) وكان علي يصلي في المسجد الصلوات الخمس ، فلما صلى قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله ﷺ ؟ ومن ناحية أخرى من زوجه أسماء؛ حيث كانت هي المشرفة والممرضة الحقيقية لها ، ولما قبضت فاطمة من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله ﷺ ، فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً ويقولان: يا أبا الحسن ، لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله ﷺ .
وقد توفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة ، عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين ، قال: ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء ، فحضرها أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، فلما وضعت ليصلى عليها ، قال علي: تقدم يا أبا بكر ، قال أبو بكر رضي الله عنه: وأنت يا أبا الحسن؟ قال: نعم ، فوالله لا يصلي عليها غيرك ، فصلى عليها أبو بكر رضي الله عنه ، ودفنت ليلاً ، وجاء في روايـة: صلى أبو بكر الصديق رضي الله عنه على فاطمة بنت رسول الله ﷺ فكبر عليها أربعاً ، وفي رواية مسلم: صلى عليها علي بن أبي طالب وهي الرواية الراجحة.
ولقد أجاد وأفاد محمد إقبال في قصيدته العصماء (فاطمة الزهراء) فقال:
نسبُ المسيحِ بَنَى لمريم سيرةً
بقيتْ على طولِ المَدى ذكراها

والمجد يشرف من ثلاثِ مطالع
في مهدِ فاطمةَ فما أعلاها

هي بنتُ مَنْ هي زَوْجُ مَنْ هِيَ أم مَنْ
من ذا يداني في الفخار أباها

هي ومضةٌ مِنْ نورِ عينِ المصطفى
هادي الشعوبِ إذا ترومُ هُداها

من أيقظَ الفِطْرَ النيامَ بروحِهِ
كأنه بعد البِلى أحياها

وأعاد تاريخَ الحياةِ جديدةً
مثل العرائسِ في جديدِ حُلاها

هي أسوةٌ للأمهات وقدوةٌ
يترسَّمُ القَمَرُ المنيرُ خطاها

جعلتْ من الصبرِ الجميلِ غذاءَها
ورأتْ رضا الزوجِ الكريمِ رِضَاها

إلى أن قال:
لولا وُقوفي عندَ شَرعِ المُصطفى
وحدودِ شرعتهِ ونحنُ فِداها

لمضيتُ للتطوافِ حولَ ضريحِها
وغمرتُ بالقبلاتِ طيبَ ثَرَاها

 

يمكن النظر في كتاب أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيته وعصره
على الموقع الرسمي للدكتور علي محمّد الصّلابيّ
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book161C.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022