الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

الحسن بن علي زمن خلافة الصديق (رضي الله عنهما): أحداث وعبر

الحلقة: الحادية عشر

بقلم: د. علي محمد الصلابي

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

1 ـ إنفاذ الصديق جيش أسامة رضي الله عنهما:
ومن الأحداث المشهورة في عهد الصديق والتي لها أثرها الخاص في ثقافة الحسن وجيله إنفاذ أبي بكر لجيش أسامة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وإصراره على ذلك تنفيذاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اقترح بعض الصحابة على الصديق رضي الله عنه بأن يبقى الجيش فقالوا: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب كما ترى ـ قد انتقضت بك فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين ، وأرسل أسامة من معسكره من الجرف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما إلى أبي بكر يستأذنه أن يرجع بالناس، وقال: إنَّ معي وجوه المسلمين وجلتهم، ولا آمن على خليفة رسول الله، وحرم رسول الله، والمسلمين أن يتخطفهم المشركون (، وبعد مناقشات ومداولات أمر الصديق بفض الاجتماع الأول ثم دعاهم إلى اجتماع عام آخر في المسجد، وفي هذا الاجتماع طلب من الصحابة أن ينسوا فكرة إلغاء مشروع وضعه رسول الله بنفسه وأبلغهم أنه سينفذ هذا المشروع حتى لو تسبب تنفيذه في احتلال المدينة من قبل الأعراب المرتدين، فقد وقف خطيباً وخاطب الصحابة قائلاً: والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته وطلبت الأنصار رجلاً أقدم سناً من أسامة يتولى أمر الجيش وأرسلوا عمر بن الخطاب ليحدث الصديق في ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: فإن الأنصار تطلب رجلاً أقدم سناً من أسامة رضي الله عنه فوثب أبو بكر رضي الله عنه وكان جالساً وأخذ بلحية عمر رضي الله عنه وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب: استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمرني أن أعزله ، ..
ثم خرج أبو بكر الصديق حتى أتاهم، فأشخصهم، وشيعهم، وهو ماش راكب، وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر رضي الله عنهما، فقال له أسامة رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله: والله لتركبن أو لأنزلن. فقال: والله لا تنزل، والله لا أركب. وما عليَّ أن أُغبَّر قدميَّ في سبيل الله (. ثم قال الصديق رضي الله عنه لأسامة رضي الله عنه: إن رأيت تعينني بعمر رضي الله عنه فافعل، فأذن له . ثم توجه الصديق رضي الله عنه إلى الجيش فقال: يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر، فاحفظوها عني لا تخونوا ولا تغلوا، وتغدروا ولا تمثلوا ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغّوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منه شيئاً بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب، فأخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله ، وأوصى الصديق أسامة رضي الله عنهما أن يفعل ما أمر به النبي الكريم قائلاً: أصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم أبدأ ببلد قضاعة ثم إيت آبل ، ولا تقصِّرن في شئ من أمر رسول الله، ولا تعجلنَّ لما خلَّفت عن عهده ، ومضى أسامة بجيشه وانتهى إلى ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من بث الخيول من قبائل قضاعة، والغارة على آبل، فسَلِم وغنم ،وكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً .وقد قدم بنعي رسول الله على هِرَقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم ثم أغاروا على أرضنا ، وقال العرب: لو لم يكن لهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش (، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه ولقد اختلق بعض الشيعة الرافضة حديثاً نسبوه لرسول الله، لا أصل له في كتب السنة فقالوا: بأن رسول الله لعن من تخلف عن جيش أسامة، وهذا الحديث منكر لا أصل له وهم ما احتجوا بهذا الحديث المختلق إلا ليجعلوا من أبي بكر وعمر أول الملعونين. فقد قالوا: وقد تخلف أبو بكر وعمر عن جيش أسامة ولم يجد الرافضة الحديث مسنداً إلا من طريق منبوذ مجهول لدى الرافضة والسنة لقد استفاد الحسن بن علي رضي الله عنه وشباب ذلك الجيل من قصة انفاذ جيش أسامة دروساً وعبراً منها.
أـ الأحوال تتغير وتتبدل والشدائد لا تشغل أهل الإيمان عن أمر الدين:
فقد علّم الصديق الأمة إذا نزلت بها الشدة وألمت بها المصيبة أن تصبر، فالنصر، مع الصبر، وأن لا تيأس ولا تقنط من رحمة الله ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) (الأعراف، آية: 56). وليتذكر المسلم دائماً أن الشدة مهما عظمت، والمصيبة مهما اشتدت وكبرت فإن من سنن الله الثابتة، ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * َإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)) (الإنشراح، آية: 5 ـ 6). وإن المسلم لأمره عجيب في هذه الدنيا فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: عجاً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له . فالشدائد والمصائب مهما عظمت وكبرت لا تشغل أهل الإيمان عن أمر الدين، فوفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم تشغل الصديق عن أمر الدين وأمر ببعث أسامة في ظروف كالحة مظلمة بالنسبة للمسلمين ولكن ما تعلمه الصديق من رسول الله من الاهتمام بأمر الدين مقدم على كل شئ وبقي هذا الأمر حتى ارتحل من هذه الدنيا ، وقد تعلم الحسن بن علي رضي الله عنه هذا الدرس واستوعبه وعاش به في حياته.
ب ـ المسيرة الدعوية لا ترتبط بأحد، ووجوب اتباع النبي صلي الله عليه وسلم فقد تعلم الحسن بن علي من قصة إنفاذ جيش أسامة بأن مسيرة الدعوة لم ولن تتوقف، حتى بموت سيد الخلق، وإمام الأنبياء وقائد المسلمين صلى الله عليه وسلم، وقد كان الصديق رضي الله عنه قبل ذلك قد بين في خطبته التي ألقاها إثر بيعته عن عزمه على مواصلة بذل الجهود لخدمة هذا الدين (، وقد جاء في رواية قوله: فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة، وما وضعناها بعد، ولنجاهدنَّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يبغين أحد إلا على نفسه . ومن الدروس التي استفادها الحسن بن علي من قصة أنفاذ الصديق جيش أسامة رضي الله عنهم أنه يجب على المسلمين اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم، في السراء والضراء، فقد بين الصديق من فعله أنه عاض على أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالنواجذ ومنفِّذها مهما كثرت المخاوف وشدّت المخاطر فمن أقوال الصديق الخالدة في تلك الحادثة: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفنني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته ،
وقدَّم بموقفه هذا صورة تطبيقية لقول الله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) (الأحزاب، آية: 36)، وقد تعلم المسلمون أن الله تعالى ربط نصر الأمة وعزها باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أطاعه فله النصر والتمكين، ومن عصاه فله الذل والهوان، فسر حياة الأمة في طاعتها لربها واقتدائها بسنَّة نبيها صلى الله عليه وسلم .
جـ ـ حدوث الخلاف بين المؤمنين وردَّه إلى الكتاب والسنَّة:
ومما إستفاده الحسن بن علي رضي الله عنه من هذه القصة أنه قد يحدث الخلاف بين المؤمنين الصادقين حول بعض الأمور فقد اختلفت الآراء حول تنفيذ جيش أسامة رضي الله عنه في تلك الظروف الصعبة، وقد تعددت الأقوال حول إمارته ولم يصر أحد على رأي بعد وضوح فساده وبطلانه، وعندما ردّ الصديق الخلاف إلى ما ثبت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببعث أسامة وبين رضي الله عنه أنه ما كان ليفرِّط فيما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما وضحه لهم الصديق، وكما أنه لا عبرة لرأي الأغلبية إذا كان مخالفاً للنص، فقد رأى عامّة الصحابة حبس جيش أسامة، وقالوا للصديق: إن العرب قد انتقصت عليك وإنك لا تصنع بتفريق الناس شيئاً ، فأولئك الناس لم يكونوا كعامة الناس بل كانوا من الصحابة الذين هم خير البشر وجدوا على الأرض بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، لكن الصديق رضي الله عنه لم يستجب لهم مبيناً أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أجل وأكرم، وأوجب من رأيهم كلهم (، قال الحافظ بن حجر: تعليقاً على رأي الأكثرية، حول وفاته صلى الله عليه وسلم: فيؤخذ منه أن الأقل عدداً في الاجتهاد قد يصيب ويخطئ الأكثرية، فلا يتعين الترجيح، بالأكثر ، فخلاصة الكلام إن مما نستفيده من قصة تنفيذ الصديق جيش أسامة رضي الله عنهما أن تأييد الكثرة لرأي ليس دليلاً على إصابته ، ومما يستفاد من هذه القصة انقياد المؤمنين وخضوعهم للحق إذا اتضح لهم، فعندما ذكرهم الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بتنفيذ جيش أسامة وهو الذي عين أسامة أميراً على الجيش، انقاد أولئك الأبرار للأمر النبوي الكريم .
س ـ جعل الدعوة مقرونة بالعمل:
فقد تعلم الحسن بن علي رضي الله عنه من قصة جيش أسامة أهمية جعل الدعوة مقرونة بالعمل، فقد علم أن الصديق لم يقتصر على الإصرار على إمارة أسامة فحسب بل قدم اعترافاً عملياً بإمارته، وقد تجلى ذلك في أمرين:
- مشى أبو بكر رضي الله عنه مع أسامة رضي الله عنه، وهو راكب وقد كان ابن عشرين سنة من عمره وأصر على المشي مع أسامة رضي الله عنه، كما أصر على بقاء أسامة راكباً لما طلب منه أسامة رضي الله عنه إما أن يركب هو، أو يأذن له بالنزول، فلم يوافق رضي الله عنه لا على هذا ولا على ذاك، وكأن الصديق بمشيه ذلك يخاطب الجيش فيقول: انظروا أيها المسلمون أنا أبو بكر رغم كوني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمشي مع أسامة وهو راكب إقراراً وتقديراً لإمارته.
- كان أبو بكر الصديق يرغب في بقاء عمر بن الخطاب نظراً لحاجته إليه، لكنه لم يأمره بذلك، بل استأذن من أسامة في تركه إياه بالمدينة إن رأى هو ذلك مناسباً، وبهذا قدَّم الصديق رضي الله عنه صورة تطبيقية أخرى لاعترافه واحترامه لإمارة أسامة رضي الله عنه، وفيها بلا شك دعوة قوية للجيش إلى الإقرار والانقياد لإمارته وهذا الذي اهتم به الصديق رضي الله عنه من جعل دعوته مقرونة بالعمل هو الذي أمر به الإسلام ووبّخ الرب عز وجل أولئك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، قال تعالى: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)) (البقرة، آية: 44).
ش ـ مكانة الشباب في الإسلام:
ومما يتجلى في هذه القصة كذلك منزلة الشباب العظيمة في خدمة الإسلام، فقد عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاب أسامة بن زيد رضي الله عنهما أميراً على الجيش المعدّ لقتال الروم ـ القوة العظمى في زعم الناس في ذلك الوقت ـ وكان عمره آنذاك عشرين سنة، أو ثماني عشرة سنة، وأقره أبو بكر الصديق رضي الله عنه على منصبه رغم انتقاد الناس، وعاد الأمير الشاب بفضل الله من مهمته التي أسندت إليه غانماً ظافراً وفي هذا توجيه للشباب في معرفة مكانتهم في خدمة الإسلام (. فعلى الدعاة والمربين إعطاء هذا الجانب حقه بالإهتمام، وفتح المجال أمام الطاقات الشابة لكي تبدع في خدمة دينها وهذه السنة النبوية تجدد الحيوية والنشاط في الأمة وتساهم في تفجير طاقات خلاَّقة تقوم بالدور الحضاري المنوط بالمسلمين.
ل ـ صورة مشرقة من آداب الجهاد في الإسلام:
وتعلم الحسن بن علي رضي الله عنه من قصة بعث أبي بكر لجيش أسامة الصورة المشرفة للجهاد الإسلامي وقد تجلت تلك الصورة المشرقة في وصية أبي بكر الصديق لجيش أسامة عند توديعهم إياهم، ولم يكن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وصاياه للجيوش إلا مستناً بسنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث كان عليه الصلاة والسلام يوصي الأمراء والجيوش عند توديعهم ، ومن خلال الوصية التي جاءت في البحث تظهر الغاية من حروب المسلمين فهي دعوة إلى الإسلام، فإذا ما رأت الشعوب جيشاً يلتزم بهذه الوصايا لا يملك إلا الدخول في دين الله طواعية واختياراً (.
ي ـ أثر جيش أسامة على هيبة الدولة الإسلامية:
عاد جيش أسامة ظافراً غانماً بعدما أرهب الروم حتى قال لهم هرقل وهو بحمص بعد ما جمع بطارقته، هذا الذي حذرتكم، فأبيتم أن تقبلوا مني!! قد صارت العرب تأتي مسيرة شهر فتغير عليكم ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم ، وأصاب القبائل العربية في الشمال الرعب والفزع من سطوة الدولة الإسلامية، وكان لهذه الغزوة أثر في حياة المسلمين وفي حياة العرب الذين فكروا في الثورة عليهم، وفي حياة الروم الذين تمتد بلادهم على حدودهم فقد فعل هذا الجيش بسمعته ما لم يفعله بقوته وعدده، فأحجم من المرتدين من أقدم، وتفرق من اجتمع، وهادن المسلمين من أوشك أن ينقلب عليهم، وصنعت الهيبة صنيعها قبل أن يصنع الرجال، وقبل أن يصنع السلاح ، حقاً لقد كان إرسال هذا الجيش نعمة على المسلمين، إذ أمست جبهة الردة في الشمال أضعف الجبهات، ولعل من آثار هذا أن الجبهة في وقت الفتوحات كان كسرها أهون على المسلمين من كسر جبهة العدو في العراق، كل ذلك يؤكد أن أبا بكر رضي الله عنه كان في الأزمات، من بين جميع الباحثين عن الحل، أثقبهم نظراً، وأعمقهم فهماً ، وقد أثبتت الأحداث تأثر الحسن بن علي، بالخلفاء الراشدين في إدارته للأزمات، فكان في خلافته من أعمق الناس فهماً وأبعدهم نظراً وأشدهم حرصاً على وحدة المسلمين.
2 ـ حروب الردة:
كان رأي الصديق في حرب المرتدين رأياً ملهماً، وهو الرأي الذي تمليه طبيعة الموقف لمصلحة الإسلام والمسلمين، وأي موقف غيره سيكون فيه الفشل والضياع والهزيمة والرجوع إلى الجاهلية، ولولا الله ثم القرار الحاسم من أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة لتغير وجه التاريخ وتحولت مسيرته، ورجعت عقارب الساعة إلى الوراء ولعادت الجاهلية تعيث في الأرض فساداً (، لقد تجلى فهمه الدقيق للإسلام وشدة غيرته على هذا الدين في قوله: قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص وأنا حي ؟ لقد سمع أبو بكر وجهات نظر الصحابة في حرب المرتدين، وما عزم على خوض الحرب إلا أنه كان سريع القرار حاسم الرأي فلم يتردد لحظة واحدة بعد ظهور الصواب له وعدم التردد كان سمة بارزة من سمات أبي بكر ـ هذا الخليفة العظيم ـ في حياته كلها ، ولقد اقتنع المسلمون بصحة رأيه ورجعوا إلى قوله واستصوبوه، وأصبح قوله: والله لو منعوني عقالاً ، كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم على منعه ، من أقواله الخالدة التي حفظها لنا التاريخ ولم تهملها الليالي ولم تفصلها عنا حواجز الزمن ولا أسوار القرون ولقد استخدم في جهاده للمرتدين دهاء وحنكة سياسية ورؤية استراتيجية واضحة تمثلت في أساليب عدة منها، النفسية والدعوية، والإستخباراتية، والإعلامية، والعلمية، وتوجها بجيوشه المظفرة التي قضت على حركة الردة في جزيرة العرب ولقد فهم وتعلم الحسن فقه الصديق في التعامل مع المرتدين ولمس بعض فقه التمكين في جهاده للمرتدين والتي من أهم معالمه:
ـ استقرار التنظيم الإداري في الجزيرة .
ولا شك أن حروب الردة وأسبابها، وفقه الصديق في القضاء عليها أخذت بلباب الحسن بن علي وشكلت جزءاً من ثقافته سواء عن طريق السماع أو المشاهدة.
ـ كما أن معالم السياسة الخارجية في دولة الصديق كانت واضحة في حس أبناء ذلك الجيل الذي من نوابغه الحسن بن علي رضي الله عنه، فقد رسمت خلافة الصديق رضي الله عنه أهدافاً في السياسة الخارجية، للدولة الإسلامية والتي كان من أهمها:
ـ بذر هيبة الدولة في نفوس الأمم الأخرى.
ـ العدل بين الأمم المفتوحة والرفق بأهلها.
ـ رفع الإكراه على الأمم المفتوحة.
ـ مواصلة الجهاد الذي أمر به المولى عز وجل في القرآن.
ـ كما أن معالم التخطيط الحربي عند الصديق أصبحت من ثقافة ذلك الجيل وأدبياته خصوصاً للاطلاع القيادة الشبابية وعلى رأسهم الحسن بن علي، فقد وضع الصديق مع مستشاريه من الصحابة خطوطاً رئيسية للخطة الحربية التي سار عليها، وقد كانت هذه الخطة المحكمة عاملاً من عوامل نزول النصر والتمكين من الله عز وجل للمسلمين ومن هذه الخطوط:
ـ عدم الإيغال في بلاد العدو حتى تدين للمسلمين.
ـ التعبئة وحشد القوات.
ـ تنظيم عملية الإمداد للجيوش.
ـ تحديد الهدف من الحرب.
ـ إعطاء الأفضلية لمسارح العمليات.
ـ عزل ميدان المعركة.
ـ التطور في أساليب القتال.
ـ سلامة خطوط الاتصال مع القادة.
ـ ذكاء الخليفة وفطنته . فقد امتازت الخطط الحربية الإسلامية في بداية الفتوحات بوجود العقل المدبر، ذي الفطنة والذكاء والكياسة والفراسة، وهو الصديق وقد ساعد أبو بكر على فهمه الواسع للتخطيط الحربي طول ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد تربى على تعليمه وتوجيهاته.فكسب علوماً شتى، وخبرات متنوعة، فقام بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام الخلافة خير قيام، فحمل البصيرة الواعية، وزود الجيوش بالنصائح الغالية، وأرسل الإمدادات في أوقاتها تسعف المجاهدين، وتمدهم بالهمة والعزيمة الماضية ( إن الحسن بن علي رضي الله عنه تربى على كتاب الله وهدي رسوله وتشرّب هدى الخلفاء الراشدين المهديين والذين في مقدمتهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022