الحسن بن علي زمن خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)؛ مواقف وعبر
الحلقة: الثانية عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1441 ه/ فبراير 2020م
كان عمر رضي الله عنه شديد الإكرام لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيثارهم حتى على أبنائه، وأسرته وله في ذلك مواقف كثيرة منها:
1 ـ أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر:
جاء فيما رواه الحسين بن علي رضي الله عنه: إن عمر قال لي ذات يوم: إي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا؟ فجئت يوماً وهو خال بمعاوية، وابن عمر بالباب لم يؤذن له، فرجعت فلقيني بعد، فقال: يا بني لم أراك تأتينا؟ قلت: جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع، فرجعت فقال: أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر، إنما أنبت في رؤوسنا ما ترى: الله ثم أنتم، ووضع يده على رأسه .
2 ـ والله مهنأ لي ما كسوتكم:
روى ابن سعد عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه على بن الحسين، قال: قدم على عمر حلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له، فخرج الحسن والحسين من بيت أمهما فاطمة رضي الله عنها يتخطيان الناس، ليس عليهما من تلك الحلل شئ، وعمر قاطب صار بين عينيه ثم قال: والله ما هنأ لي ما كسوتكم، قالوا يا أمير المؤمنين، كسوت رعيتك فأحسنت، قال: من أجل الغلامين يتخطيان الناس وليس عليهما من شئ كبرت عنهما وصغرا عنها ثم كتب إلى والي اليمن أن أبعث بحلتين لحسن وحسين وعجل، فبعث إليه بحلتين فكساهما .
3 ـ تقديم الحسن والحسين وبني هاشم في العطاء:
عن أبي جعفر أنه لما أراد عمر أن يفرض للناس بعدما فتح الله عليه، وجمع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أبدأ بنفسك، فقال: لا والله بالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بني هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض للعباس، ثم لعلي، حتى وإلى ما بين خمس قبائل، حتى انتهى إلى بني عدي ابن كعب، فكتب: من شهد بدراً من بني هاشم، ثم من شهد بدراً من بني أمية بن عبد شمس، ثم الأقرب، فالأقرب ففرض الاعطيات لهم ، وألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم . وفي هذه القصة تظهر حقيقة محبة عمر لآل البيت عموماً والحسن والحسين خصوصاً، حيث خصهم بأن جعلهم مع الطبقة الأولى من سادات الصحابة في الغطاء وما ذلك إلا محض المحبة لهما وتقديراً لهما من مكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 ـ معاملة عمر بن الخطاب للسيدة فاطمة والدة الحسن رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أسلم العدوي قال: لما بويع لأبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير بن العوام يدخلان على فاطمة فيشاورانها، فبلغ عمر فدخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله ما أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك وما أحد من الخلق بعد أبيك أحب إلينا منك، وكلمها، فدخل علي والزبير على فاطمة فقالت: انصرفا راشدين، فما رجعا إليهما حتى بايعا ، وهذا هو الثابت الصحيح والذي مع صحة سنده ينسجم مع روح ذلك الجيل وتزكية الله له وقد زاد رواة الشيعة الرافضة في هذه الرواية واختلقوا إفكاً وبهتاناً وزوراً وقالوا بأن عمر قال: إذا اجتمع عندك هؤلاء النفر أحرق عليهم هذا البيت، لأنهم أرادوا شق عصى المسلمين بتأخرهم عن البيعة ثم خرج عنها، فلم يلبث أن عادوا إليها، فقالت لهم: تعلمون أن عمر جاءني وحلف بالله لأن أنتم عدتم إلى هذا البيت ليحرقنه عليكم وايم الله أنه ليصدقن فيما حلف عليه، فانصرفوا عني فلا ترجعوا إليّ، ففعلوا ذلك، ولم يرجعوا إليها إلا بعدما بايعوا .
وهذه القصة الباطلة لم تثبت عن عمر رضي الله عنه، ودعوى أن عمر رضي الله عنه همّ بإحراق بيت فاطمة، من أكاذيب الرافضة، وقد اوردها مع أكاذيب أخرى الطبري الطبرسي في كتابه دلائل الإمامة ، عن جابر الجعفي، وهو رافضي كذاب باتفاق أئمة الحديث كما في الميزان الذهبي ، وتهذيب التهذيب ، وزعم بعض الروافض أن عمر ضرب فاطمة حتى اسقط ولدها محسنا وهو في بطنها، وهذه من الأكاذيب الرافضية التي لا أساس لها من الصحة وما علموا إنهم يطعنون في علي رضي الله عنه وذلك باتهامه بالجبن والسكوت عن عمر وهو من أشجع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إن بعض عقلاء الشيعة أنكر صحة هذا الهذيان والزور . علما بأن محسن ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك بالرواية الصحيحة في مسند الإمام أحمد كما سبق
5 ـ زواج عمر من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب:
كان عمر يكن لأهل البيت محبة خاصة لا يكنها لغيرهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أوص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم أهل البيت ورعاية حقوقهم، فمن هذا الباعث خطب عمر أم كلثوم ابنته علي وفاطمة رضوان الله عليهم وتودد إليه في ذلك قائلاً: فوا الله ما على الأرض رجل يرصد من حسن صحبتها ما أرصده، فقال علي: قد فعلت، فأقبل عمر إلى المهاجرين، وهو مسرور قائلاً: رفئوني .. ثم ذكر أن سبب زواجه منها ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسيبي، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ،وقد قام الأستاذ أبو معاذ الإسماعيلي في كتابه زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب حقيقة وليس افتراء بتتبع مراجع ومصادر الشيعة وأهل السنة فيما يتعلق بهذا الزواج الميمون، وقد ذكرت شيئاً من سيرتها ومواقفها في حياتها في عهد الفاروق في كتابي فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره.
6 ـ في غنائم المدائن:
عندما فتحت المدائن ، عام 16هـ جاءت الأموال منها فقام عمر رضي الله عنه بإعطاء الحسن والحسين رضي الله عنهما ألف درهم لكل واحد منهم وأعطى ابنه عبد الله خمسمائة ، وفي هذه الحادثة تأكيد على محبة عمر للحسن والحسين وتقديمه لهما.
- تأثر الحسن بن علي بالفقه الراشدي للفاروق:
قامت دولة الفاروق على فقه الخلافة الراشدة وكان ـ بعد الله وتوفيقه ـ لعبقرية الفاروق أثر في تطوير مؤسسات الدولة والاجتهاد في النوازل الفقهية، وإدارة الأزمات، ومما ساعد على تأثر الحسن بن علي بثقافته، وأدبيات عهد الفاروق قرب والده أمير المؤمنين علي من الفاروق فقد كان علي رضي الله عنه عضواً بارزاً في مجلس شورى الدولة العمرية بل كان هو المستشار الأول، فقد كان عمر رضي الله عنه يعرف لعلي فضله، وفقهه، وحكمته، وكان رأيه فيه حسناً، فقد ثبت فيه قوله فيه أقضانا علي ، وكان لعلي اجتهادات في الأمور القضائية، والمالية والإدارية في عهد الفاروق أخذ بها أمير المؤمنين عمر، وكان الفاروق يستشير علي في الأمور الكبيرة منها والصغيرة، وقد استشاره حين فتح المسلمون بيت المقدس، وحين فتحت المدائن، وعندما أراد عمر التوجه إلى نهاوند وقتال الفرس، وحين أراد أن يخرج لقتال الروم، وفي موضع التقويم الهجري وغير ذلك من الأمور ، وكان علي رضي الله عنه طيلة حياة عمر مستشاراً ناصحاً لعمر محباً له خائفاً عليه، وكان عمر يحب علياً وكانت بينهم مودة ومحبة وثقة متبادلة، ومع ذلك يأبى أعداء الإسلام إلا أن يزوروا التاريخ، ويقصوا بعض الروايات التي تناسب أمزجتهم ومشاربهم ليصوروا لنا فترة الخلفاء الراشدين عبارة عن: أن كل واحد منهم كان يتربص بالآخر الدوائر لينقضّ عليه، وكل أمورهم كانت تجري من وراء الكواليس ، إن من أبرز ما يلاحظه المتأمل في خلافة عمر تلك الخصوصية في العلاقة وذلك التعاون المتميز الصافي، بين عمر وعلي رضي الله عنهما، فقد كان علي هو المستشار الأول لعمر في سائر القضايا والمشكلات وما اقترح علي على عمر رأياً إلا واتجه عمر إلى تنفيذه عن قناعة، وكان علي رضي الله عنه يمحضه النصح في كل شئونه وأحواله ، فلا شك أن تلك العلاقة بين علي وعمر رضي الله عنهما لها انعكاساتها الثقافية والعلمية والتربوية على الحسن وأبناء ذلك الجيل والمواقف التي تدل على قوة العلاقة بين عمر وعلي كثيرة منها:
- كساني هذا الثوب أخي وخليلي:
خرج علي وعليه برد عدني فقال: كساني هذا الثوب أخي وخليلي وصفيي وصديقي أمير المؤمنين عمر ، وفي رواية عن أبي السفر قال: رؤي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه برد كان يكثر لبسه قال: فقيل: يا أمير المؤمنين إنك لتكثر لبس هذا البرد؟ فقال: نعم، إن هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناصح الله فنصحه، ثم بكى ومن هذه القصص وأمثالها عرف الحسن حقيقة محبه علي وأهل البيت لعمر ومحبة عمر لهم.
- ما قاله علي في عمر بعد استشهاده:
قال ابن عباس كما في صحيح البخاري: وصنع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون، قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي، إذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحداً أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أني كنت كثيراً ما أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .
- إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك:
لما فرغ علي من وقعه الجمل، ودخل البصرة، وشيع أم المؤمنين عائشة لما أرادت الرجوع إلى مكة، سار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الاثنين، لثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فقيل له: أنزل بالقصر الأبيض، فقال: لا إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله فأنا أكره لذلك، فنزل في الرحبة وصلى في الجامع الأعظم ركعتين
- حب أهل البيت لعمر رضي الله عنه:
إن من دلالة محبة أهل البيت لعمر رضي الله عنه تسمية أبنائهم بإسمه حباً وإعجاباً بشخصيته، وتقديراً لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقراراً بالصلات الودية الوطيدة والتي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم، الصهر القائم بينه وبينهم، فأول من سمي ابنه باسمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سمى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية عمر ، وقد جاء في كتاب صاحب الفصول، تحت ذكر أولاد علي بن أبي طالب: وعمر من التغلبية وهي الصهباء بنت ربيعة من السبي الذي أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر، وعمّر عمر هذا حتى بلغ خمساً وثمانين سنة فحاز نصف ميراث علي رضي الله عنه، وذلك أن جميع اخوته وأشقائه وهم عبد الله وجعفر وعثمان قتلوا جميعهم قبله مع الحسين رضي الله عنهم ـ يعني انه لم يقتل معهم ـ بالطف فورثهم ، هذا وتبعه الحسن في ذلك الحب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم فسمّي أحد أبنائه عمر أيضاً ، وكذلك الحسين بن علي سمّي عمر، ومن بعد الحسين ابنه علي الملقب بزين العابدين سمّى أحد أبنائه باسم عمر ، وكذلك موسى بن الصادق الملقب بالكاظم سمى أحمد أبنائه باسم عمر ،
فهؤلاء الأئمة من أهل البيت الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومعالم منهج أهل السنة والجماعة بسيرته العطرة يظهرون لعمر الفاروق ما يكنونه في صدورهم من حبهم وولائهم له بعد وفاته بمدة، وقد جرى هذا الإسم وكذلك أبو بكر وعثمان في ذرية أهل البيت ممن ساروا على مذهب الحق وهو منهج أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا، ونجد أسماء الصحابة وأمهات المؤمنين في البيوت الهاشمية التي التزمت بالكتاب والسنة، فقد سموا طلحة، وعبد الرحمن وعائشة وأم سلمة ونحن ندعو الشيعة اليوم، الاقتداء بعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة من آل البيت فيحبون أنصار دين الله وأصحاب رسوله، فيسمون بعض أبنائهم وبناتهم بأسماء الخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين نرجو ذلك.
- قول عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في عمر:
عن حفص بن قيس، قال: سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخُفَّين، فقال، فقال: أمسح، فقد مسح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فقلت: إنما أسألك أنت تمسح؟ قال: ذاك أعجز' لك، أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي، فعمر كان خيراً مني ومن ملء الأرض. فقلت: يا أبا محمد، فإن أناساً يزعمون أن هذا منكم تقية، قال: فقال لي ـ ونحن بين القبر والمنبر ـ: اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمعنّ عليَّ قول أحد بعدي. ثم قال: من هذا الذي يزعم أن علياً رضي الله عنه كان مقهوراً، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأمر ولم ينفذه. وكفى بإزراء على علي ومنقصة أن يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأمره ولم ينفذه .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf