الحسن بن علي زمن خلافة ذو النورين رضي الله عنه:
دروس وعبر
الحلقة: الرابعة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
1 ـ منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشُّورى:
ومما عاصره الحسن بن علي في أمر بيعة عثمان منهج عبد الرحمن بن عوف في إدارة الشورى والذي تمثل في الخطوات التالية:
أـ اجتماع الرّهط للمشاورة:
لم يكد يفرغ النَّاس من دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتَّى أسرع، رهط الشُّورى وأعضاء مجلس الدَّولة الأعلى إلى الاجتماع في بيت عائشة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها وقيل: إنَّهم اجتمعوا في بيت فاطمة بنت قيس الفهْرية أخت الضحاك ابن قيس، ليقضوا في أعظم قضيَّة عرضت في حياة المسلمين ـ بعد وفاة عمر ـ وقد تكلَّم القوم، وبسطوا آراءهم، واهتدوا بتوفيق الله إلى كلمة سواء، رضيها الخاصَّة والكافة من المسلمين .
ب ـ عبد الرحمن يدعو إلى التنازل:
عندما اجتمع أهل الشُّورى قال لهم عبد الرّحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزُّبير: جعلت أمري إلى عليِّ. وقال طلحة: جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. وأصبح المرشحون ثلاثة، علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن أيكما تبرَّأ من هذا الأمر، فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنَّ أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن بن عوف: أفتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكما؟ قالا: نعم .
جـ ـ تفويض ابن عوف بإدارة عمليَّة الشُّورى:
بدأ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه اتصالاته، ومشاوراته فور انتهاء اجتماع المرشَّحين السِّتَّة صباح يوم الأحد، واستمرَّت مشاوراته، واتِّصالاته ثلاثة أيام كاملة، حتى فجر يوم الأربعاء الرَّابع من المحرم، وهو موعد انتهاء المهلة التي حدّدها لهم عمر، وبدأ عبد الرحمن بن عوف بعليِّ بن أبي طالب، فقال له: إن لم أبايعك فأشر عليَّ، فمن ترشح للخلافة؟ فقال عثمان: عليَّ بن أبي طالب .. وذهب ابن عوف بعد ذلك إلى الصحابة الآخرين، واستشارهم، وكان يشاور كلَّ من يلقاه في المدينة من كبار الصَّحابة، وأشرافهم، ومن أمراء الأجناد، ومن يأتي للمدينة، وشملت مشاوراته النَّساء في خدورهنَّ، وقد أبدين رأيهن، كما شملت الصِّبيان، والعبيد في المدينة والمسلمين كانوا يشيرون بعثمان بن عفَّان، ومنهم من كان يشير بعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما، وفي منتصف ليلة الأربعاء، ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته: المسور بن مخرمة، فطرق البيت، فوجد المسور نائماً، فضرب الباب حتى استيقظ، فقال: أراك نائماً، فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير، وسعداً. فدعوتهما له: فشاورهما ثمّ دعاني، فقال: أدع لي علياً، فدعوته، فنجاه حتَّى أبهارَّ الليل ثم قام عليٌّ من عنده .. ثم قال: ادع لي عثمان، فدعوته فنجاه حتى فرّق بينهما المؤذِّن بالصُّبح .
ح ـ الاتفاق على بيعة عثمان: رضي الله عنه:
وبعد صلاة صبح يوم البيعة، اليوم الأخير من شهر ذي الحجة 23هـ/ 6 نوفمبر 644م وكان صهيب الرُّومي الإمام، إذ أقبل عبد الرَّحمن بن عوف، وقد اعتمَّ بالعمامة التي عمَّمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين، والأنصار، وأمراء الأجناد، منهم: معاوية أمير الشَّام، وعمير بن سعد أمير حمص، وعمرو بن العاص أمير مصر، وكانوا وافوا تلك الحجَّة مع عمر، وصاحبوه إلى المدينة ، وجاء في رواية البخاري: .. فلمَّا صلَّى للنَّاس الصُّبح، واجتمع أولئك الرّهط عند المنبر، فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين، والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، وكانوا وافوا تلك الحجَّة مع عمر، فلمّا اجتمعوا، تشهَّد عبد الرحمن، ثمّ قال: أمّا بعد: يا عليُّ: إني قد نظرت في أمر النَّاس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعل بنفسك سبيلاً. فقال عبد الرحمن مخاطباً عثمان : أبايعك على سُنَّة الله، ورسوله،، والخليفتين من بعده: فبايعه الناس: المهاجرون، والأنصار وأمرا الأجناد، والمسلمين . وجاء في رواية صاحب التّمهيد، والبيان: أن عليَّ بن أبي طالب أوَّل من بايع بعد عبد الرّحمن بن عوف .
س ـ حكمة عبد الرحمن بن عوف في تنفيذ خطة الشُّورى:
نفّذ عبد الرحمن بن عوف خطة الشورى بما دلَّ على شرف عقله، ونبل نفسه، وإيثاره مصلحة المسلمين العامة على مصلحته الخاصَّة ونفعه الفردي، وترك عن طواعية ورضا أعظم منصب يطمح إليه إنسان في الدنيا، ليجمع كلمة المسلمين، وحقق أوّل مظهر من مظاهر الشورى المنظمة في اختيار من يجلس على عرش الخلافة، ويسوس أمور المسلمين، فهو قد اصطنع من الأناة، والصبر، والحزم، وحسن التدبير ما كفل له النجاح في أداء مهمته العظمى، وقد كانت الخطوط التي اتخذها كالآتي:
- ـ بسط برنامجه في أول جلسة عقدها مجلس الشورى في دائرة الزمن الذي حدّده لهم عمر، وبذلك أمكنه أن يحمل جميع أعضاء مجلس الشورى على أن يدلوا برأيهم، فعرف مذهب كل واحد منهم، فسار في طريقه على بينة من أمره،
- ـ خلع نفسه وتنازل عن حقه في الخلافة، ليدفع الظُّنون ويستمسك بعروة الثِّقة الوثقى.
- ـ أخذ في تعرُّف نهاية ما يصبو إليه كل واحد من أصحابه، وشركائه في الشُّورى، فلم يزل يقلِّب وجوه الرَّأي معهم، حتى انتهى إلى شبه انتخاب جزئيِّ، فاز فيه عثمان برأي سعد بن أبي وقاص، ورأي الزبير بن العوام، فلاحت له أغلبية آراء الأعضاء الحاضرين معه.
- ـ عمد إلى معرفة كلِّ واحد من الإمامين: عثمان، وعليِّ في صاحبه بالنِّسبة إلى وزنه من سائر الرَّهط الذين رشَّحهم عمر، فعرف من كل واحد منهما: أنه لا يعدل صاحبه أحداً إذا فاته الأمر.
- ـ أخذ في تعرُّف رأي مَنْ وراء مجلس الشُّورى من خاصَّة الأمَّة، وذوي رأيها، ثمَّ من عامّتها، وضعفائها، فرأى أنَّ معظم النَّاس لا يعدلون أحداً بعثمان، فبايع له، وبايعه عامَّة الناس .
لقد تمكَّن عبد الرحمن بن عوف بكياسته، وأمانته، واستقامته، ونسيانه نفسه بالتخلِّي عن الطّمع في الخلافة، والزُّهد بأعلى منصب في الدولة أن يجتاز هذه المحنة، وقاد ركب الشُّورى بمهارة، وتجرد مما يستحقُّ أعظم التَّقدير .
قال الذَّهبي: ومن أفضل أعمال عبد الرَّحمن عزله نفسه من الأمر وقت الشُّورى، واختياره للأمَّة ممَّا أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتمَّ نهوض على جميع الأمَّة على عثمان، ولو كان محابياً فيها، لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمِّه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقَّاص ، وبهذا تحقَّقت صورة أخرى من صور الشُّورى في عهد الخلفاء الرَّاشدين: وهي الاستخلاف عن طريق مجلس الشُّورى، ليعيِّنوا أحدهم بعد أخذ المشورة العامَّة، ثمَّ البيعة العامة ، فهذا هو الذي تمَّ في عملية الشورى وما عصره الحسن بن علي رضي الله عنه من أحداث، ولا ينظر للأباطيل الرافضية التي دست في قصة الشورى وشوهت التاريخ الإسلامي والتي تلقفها المستشرقون وقاموا بتوسيع نشرها، وتأثر بها الكثير من المؤرخين، والمفكرين المحدثين ولم يمحِّصوا الرِّوايات، ويحقِّقوا في سندها ومتنها، فانتشرت بين المسلمين، لقد اهتم مؤرخو الشيعة الرّافضة بقصة الشورى وتولية عثمان بن عفان الخلافة ودسوا فيها الأباطيل والأكاذيب، وألف جماعة منهم كتباً خاصة، فقد ألف أبو مخنف كتاب الشورى، وكذلك ابن عقدة، وابن بابويه ، ونقل ابن سعد تسع روايات من طريق الواقدي في خبر الشورى وبيعة عثمان وتاريخ تولية الخلافة ،ورواية من طريق عبيد الله بن موسى تضمنت مقتل عمر، وحصره للشورى في السِّتَّة ووصيته لكلٍّ من عليّ، وعثمان إذا تولى أحدهما أمر الخلافة، ووصيته لصهيب في هذا الأمر .
وقد نقل البلاذري خبر الشورى، وبيعة عثمان عن أبي مخنف الرافضي المحترق، وعن هشام الكلبي، منها ما نقله عن أبي مخنف ، ونقل ابن أبي الحديد بعض أحداث قصَّة الشورى من طريق أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وأشار إلى نقله عن كتاب (الشُّورى) للواقدي ، وقد تضمَّنت الرِّوايات الشيعيَّة عدَّة أمور مدسوسة، ليس لها دليلٌ من الصِّحَّة، وهي:
- ـ اتهام الصَّحابة بالمحاباة في أمر المسلمين:
اتَّهمت الرِّوايات الشِّيعيَّة الصَّحابة بالمحاباة في أمر المسلمين، وعدم رضا عليّ بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة، فقد ورد عن أبي مخنف، وهشام الكلبيِّ عن أبيه، وأحمد الجوهريِّ: أنَّ عمر جعل ترجيح الكفَّتين إذا تساوتا بعبد الرحمن بن عوف، وأنَّ علياً أحسَّ بأن الخلافة ذهبت منه، لأنَّ عبد الرحمن سيقدِّم عثمان للمصاهرة التي بينهما ، وقد نفى ابن تيمية أي ارتباط في النَّسب القريب بين عثمان، وعبد الرحمن بن عوف فقال: فإنَّ عبد الرحمن ليس أخا عثمان، ولا ابن عمِّه، ولا من قبيلته أصلاً، بل هذا من بني زهرة وهذا من بني أمية، وبنو زهرة إلى بني هاشم أكثر ميلاً منهم إلى بني أميِّة، فإن بني زهرة أخوال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي فليرني امرؤ خاله ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخ بين مهاجريِّ، ومهاجريٍّ، ولا بين أنصاريِّ، وأنصاريِّ، وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع الأنصاري ، وحديثه مشهور ثابت في الصِّحاح وغيرها، يعرفه أهل العلم بذلك
وقد بنت الرِّوايات الشيعية محاباة عبد الرحمن لعثمان للمصاهرة التي كانت بينهما، متناسية أن قوة النَّسب أقوى من مصاهرة من جهة، ومن جهة أخرى تناسوا طبيعة العلاقة بين المؤمنين في الجيل الأوّل، وأنها لا تقوم على نسب ولا على مصاهرة، وأما كيفية المصاهرة التي كانت بين عبد الرحمن وعثمان، فهي أنَّ عبد الرحمن تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أخت الوليد
- ـ حزب أموىّ، وحزب هاشمي:
أشارت رواية أبي مخنف الرافضي إلى وقوع مشادَّةٍ بين بني هاشم، وبني أميَّة أثناء المبايعة، وهذا غير صحيح، ولم يرد ذلك برواية صحيحة ولا ضعيفة ، وقد انساق بعض المؤرَّخين خلف الرِّوايات الشِّيعيَّة الرَّافضيَّة، وبنوا تحليلاتهم الخاطئة على تلك الرِّوايات، فصوَّر تشاور أصحاب الرَّسول صلى الله عليه وسلم من تحديد الخليفة الجديد بصورة الخلاف العشائريِّ، وأنَّ الناس قد انقسموا إلى حزبين: حزب أمويِّ وحزبٍ هاشميِّ وهو تصوُّر موهوم، واستنتاج مردود ولا دليل عليه، إذ أنَّه ليس نابعاً من ذلك الجوِّ الذي كان يعيشه أصحاب رسول الله حينما كان يقف المهاجري مع الأنصاري ضدَّ أبيه، وأخيه، وابن عمه وبني عشيرته، وليس نابعاً من تصوُّر هؤلاء الصَّحب وهو يضحُّون بكلِّ شئ من حطام الدنيا في سبيل أن يسلم لهم دينهم، ولا من المعرفة الصحيحة لهؤلاء النخبة من المبشرين بالجنة، فالأحداث الكثيرة التي رويت عن هؤلاء تثبت: أنَّ هؤلاء كانوا أكبر بكثير من أن ينطلقوا من هذه الزَّاوية الضَّيِّقة في معالجة أمورهم، فليست القضيَّة قضيَّة تمثيل عائلي، أو عشائري، فهم أهل شورى لمكانتهم في الإسلام .
- ـ أقوال نسبت زوراً وبهتاناً لوالد الحسن رضي الله عنهما:
قال ابن كثير: وما يذكره كثير عن المؤرخين كابن جرير، وغيره عن رجال لا يعرفون: أنَّ علياً قال لعبد الرَّحمن بن عوف: خدعتني، وإنِّك إنَّما وليته لأنَّه صهرك، ويشاورك كلَّ يوم في شأنه، وأنه تلكَّأ حتى قال لعبد الرحمن: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) (الفتح، آية: 10)، إلى غير ذلك من الأخبار المخالفة لما ثبت في الصِّحاح فهي مردودة على قائليها، وناقليها، والله أعلم، والمظنون من الصّحابة خلاف ما يتوهَّم كثير من الرَّافضة، وأغبياء القصَّاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار، وضعيفها، ومستقيمها، وسقيمها، و ... ، وقويمها، والله الموفق للصَّواب .
في الدروس المهمة التي استفدتها من دراستي لمرحلة السيرة النبوية والخلافة الراشدة أنه بجانب الرواية الصحيحة التي تظهر حقيقة الصورة المشرقة للصحابة في دينهم وصفائهم ومحبتهم لبعضهم هناك صورة أخرى مناقضة لها حرص أعداء الإسلام من الكذابين على نشرها حقداً على الإسلام وروَّج لها المستشرقين وأذنابهم، وتورط فيها بعض الفضلاء عن جهل وهي بطبيعة الحال تساهم في إضعاف الأمّة وفقدان الأجيال التالية نموذج الاقتداء في سلفهم الصالح فيجب على الغيورين من الباحثين في هذه الأمَّة كشف هذا الزيف والأباطيل والتحذير من الكتب التي تروّج لها وتنشرها، وبيان الروايات الصحيحة والترويج للكتب التي تتبناها دفاعاً عن الصحابة الكرام وابتغاء لمرضاة الله تعالى.
2 ـ معتقد الحسن بن علي في خلافة عثمان رضي الله عنهم:
إن معتقد الحسن بن علي في خلافة عثمان، هو ما ذهب إليه الصحابة، حيث أجمعوا على صحة خلافته بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يخالف، أو يعارض في هذا أحد، بل الجميع سلَّم له بذلك وقد قال أبو الحسن الأشعري: وثبتت إمامة عثمان رضي الله عنه بعقد من عقد له الإمامة من أصحاب الشُّورى، الذين نصَّ عليهم عمر، فاختاروه ورضوا بإمامته، وأجمعوا على فضله وعدله ، وقال عثمان الصَّابوني مبيناً عقيدة أهل السنة، وأصحاب الحديث في ترتيب الخلافة بعد أن ذكر: أنَّهم يقولون أوّلاً بخلافة الصِّدِّيق، ثمّ عمر، قال: ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى. وإجماع الصحابة، كافة، ورضاهم حتَّى جعل الأمر إليه .
3 ـ الحسن بن علي في فتح أفريقيا في جيش العبادلة:
كانت خطة عثمان في الفتوحات تتسم بالحسم والعزم وتمثَّلت في الآتي: إخضاع المتمرِّدين من الفرس، والرُّوم وإعادة سلطان الإسلام إلى هذه البلاد، واستمرار الجهاد والفتوحات فيها وراء هذه البلاد لقطع المدد عنهم، وإقامة قواعد ثابتة يرابط فيها المسلمون لحماية البلاد الإسلامية، وإنشاء قوة بحرية عسكرية لافتقار الجيش الإسلامي إلى ذلك، وكانت معسكرات الإسلام ومسالكه (ثغوره) في عهد عثمان هي عواصم أقطاره الكبرى، فمعسكر العراق: الكوفة، والبصرة، ومعسكر الشَّام في دمشق بعد أن خلص الشَّام كله لمعاوية بن أبي سفيان، ومعسكر مصر، وكان مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية دولة الإسلام، ومواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام، ومن أشهر قادة الفتوحات في عهد عثمان رضي الله عنه: الأحنف بن قيس، وسليمان بن ربيعة، وعبد الرحمن ربيعة، وحبيب بن مسلمة، وقد استفاد المسلمون من تلك الفتوحات العثمانية دروساً منها، تحقق وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين والتطور في فنون الحرب والسياسة وركوب البحر، والقتال البحري، وجمع المعلومات على الأعداء، والحرص على وحدة الكلمة في مواجهة العدو وعندما أراد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أن يفتح أفريقيا استشار الأكابر من أصحاب رسول الله، فقد جاء في رياض النفوس أن أمير المؤمنين عثمان جاءه من واليه على مصر عبد الله بن سعد، أنَّ المسلمين يغيرون على أطراف أفريقيا فيصيبون من عدوهم وأنهم قريبون من حَوز المسلمين، فأعرب عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ علي إثر ذلك ـ للمسور بن مخرمة عن رغبته في بعث الجيوش لغزو أفريقيا. جاء في هذا الصدد ما نصه: فما رأيك يا ابن مخرمة؟ قلت: أغزهم. قال: أجمع اليوم الأكابر من أصحاب رسول الله، واستشيرهم، فما أجمعوا عليه فعلته، أو ما أجمع عليه أكثرهم فعلته .. ايت علياً، وطلحة والزبير والعباس، وذكر رجالاً، فخلا بكل واحد منهم في المسجد، ثم دعا أبا الأعور سعيد بن زيد.
فقال له عثمان: لم كرهت ـ يا أبا الأعور ـ من بعثة الجيوش إلى أفريقيا؟ فقال له: سمعت عمر يقول: لا أغزيها أحداً من المسلمين ما حملت عينايَ الماء. فلا أرى لك خلاف عمر. فقال له عثمان: والله ما نخافهم وإنهم لراضون أن يقروا في مواضعهم، فلا يغزون، فلم يختلف عليه أحد ممن شاوره غيره، ثم خطب الناس، وندبهم إلى الغزو إلى أفريقيا، فخرج بعض الصحابة، منهم عبد الله بن الزبير وأبو ذر الغفاري ، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعف والحسن والحسين وغيرهم كثير، وقد قدم المسلمون الغالي والرَّخيص في فتوحات أفريقيا، واستشهد منهم الكثير وممَّن توفي منهم بأفريقيا في خلافة عثمان أبو ذُؤيب الهُذلي وكان شاعراً مشهوراً، وهو الذي قال:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
وتجلدي للشامتين أُريهم
أني لريب الدهر لا أتضعضع
وبعد انتصارهم الكبير على أعدائهم اتجه الحسن ومعه ثلة مباركة من المسلمين إلى عاصمة الخلافة وقلبه مفعم بالسرور والارتياح لتوسع النفوذ الإسلامي، وانتشار دين رب العالمين.
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf