الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

الأحاديث التي رواها الحسن بن علي (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

الحلقة السابعة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1441 ه/ فبراير 2020م

إن مما اتفق عليه المسلمون أن أصول العلم والمعرفة التي توصل إلى مرضاة الحق سبحانه وتعالى القرآن الكريم وما ثبت من أقوال وأفعال وتقريرات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا ما يعرف بالسنة النبوية وهي لا تُعْرَفُ عبر الحقب والأجيال إلا بالنقل والرواية والأخبار وقد اتجه أهل العلم والمعرفة إلى ضبط أسماء الرواة ومعرفتهم، ثم البحث عن سيرهم وأحوالهم، ليخلصوا إلى التأكد من أمرين اثنين وإعطاء كل راوٍ قدره في ميزانهما:
1 ـ العدالة، وهي استقامة السيرة، وصلاح الحال، والتقصِّي عن المحرمات بعد القيام بالواجبات، والتحلي بالمروءة وارتداء لبوسها السابغ.
2 ـ الضبط والإتقان للحديث المروي والنص المنقول، والوعي والاستيعاب له، حفظاً أو كتابة أو هما معاً وهذا الذي تقدم حكم عام شامل لجميع الرواة ونقلة السنة النبوية، خلا الصحابة، رضوان الله عليهم، لأنهم حملة الرسالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رباهم على عينه ونشأهم بكريم رعايته وعميق عنايته.
ولقد كان الأئمة من أهل البيت الكرام، رضوان الله عليهم محل تقدير علماء الحديث والرواية، في الأخذ عنهم ما رووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما تمتعوا به من عدالة وإتقان، وأمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأبناه الحسن والحسين من جلَّة الصحابة فهم فوق التعديل والسؤال لكونهم من سادات الصحابة رضي الله عنهم. وأبو الحسن، أمير المؤمنين علي رضي الله عنه. روى له بقي بن مخلد الأندلسي المتوفى 276هـ في مسنده ـ وهو أوسع المسانيد في الإسلام ـ خمسمائة وستة وثمانين حديثاً (586) . وروى له أحمد بن حنبل المتوفى 241هـ في مسنده المتداول بين أيدينا ثمانمائة وتسعة عشر حديثاً بتكرار الطرق (819) وأخرج له أصحاب الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة، ثلاثمائة واثنين وعشرين حديثاً (322) ، اتفق البخاري ومسلم على عشرين حديثاً منها (20) وانفرد البخاري بتسعة ، ومسلم بخمسة عشر حديثاً وفي هذه الأحاديث من المضامين والمعاني ما يتعلق بجميع وسائل الحياة: العقائد والأحكام والتفسير وغيرها .
ويعتبر أمير المؤمنين علي أكثر الخلفاء الراشدين رواية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا راجع إلى تأخر وفاته عن بقية الخلفاء، وكثرة الرواة عنه، وانتشار طلبة العلم من التابعين الذين كانوا يكثرون السؤال، ووقوع الأحادث التي تقتضي البلاغ والرواية، في أمور كثيرة فنقلوا عنه ما بلغهم بأمانة ونزاهة ، وقد استفاد ابنه الحسن منه استفادة عظيمة أما من جده صلى الله عليه وسلم، فقد توفي صلى الله عليه وسلم، والحسن صغير كما هو معلوم، فعقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحاديث وأموراً ذكرها منسوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كصغار الصحابة الآخرين، ابن عباس ومحمود الربيع، فقد حفظ الحسن عن جده وعن أبيه وأمه وحدَّث عنه ابنه الحسن بن الحسن، وسويد بن غفلة وأبو الحوراء السعدي، والشعبي، وهبيرة بن بَرِيم، وأصبغ بن نُباته والمسَّيبُ بن نجبة ، وقد روى له بقي بن مخلد في مسنده عن رسول الله ثلاثة عشر حديثاً ، وروى له أحمد في مسنده عشرة أحاديث ، وله في السنن الأربعة ستة أحاديث وهذه الأحاديث منها:
1 ـ عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلي الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهمَّ أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيمن أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت . ونرى هنا كيف حرص سيد البشر على تعليم الحسن محبة الله سبحانه وتعالى وعبوديته ودعاؤه والتعلق بالله وحده لا شريك له وهذه هي حقيقة التوحيد الخالص الذي يجب أن يحققه المسلم في حياته ويربي عليه أبنائه.
2 ـ عن هبيرة قال: خطبنا الحسن بن عليّ، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يُفتح له .والمتأخرين أنهم يعطون من الزكاة، فقد روي عن الإمام أبي حنيفة أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه، لأن عوضهما وهو الخمس لم يصل إليهم، وإذا لم يصل إليهم العوض ((الخمس)) عادوا إلى المعوض ((الزكاة )، وقال بعض المالكية: إذا حرموا حقهم من بيت المال وصاروا فقراء جاز أخذهم وإعطائهم من الزكاة ، وفي ذلك يقول أبو بكر الأبهري : قد حلت لهم الصدقات فرضها ونفلها ، وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية: إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس، فإذا منعوا منه وجب أن يدفع إليهم ، وذلك لحديث إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم، أو يغنيكم ، فجعلوا الغنى عن الزكاة بخمس الخمس، فإذا عدم زال الغنى، فخمس الخمس علة لاستغنائهم وشرط لمنعهم، فإذا زال الشرط انتفى المانع، وقال بعض علماء الحنابلة: يجوز الأخذ من الزكاة إذا منعوا من خمس الخمس لأنه محل حاجة وضرورة ، واختاره بن تيمية .
6 ـ حدثنا ربيعة بن شيبان أنه قال للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال " أدخلني غرفة الصدقة، فأخذت منها تمرة فألقيتها في فمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلقها فإنها لا تحل لرسول الله ولا لأحد من أهل بيته صلى الله عليه وسلم.
7 ـ حدثنا بُريدة بن أبي مريم عن أبي الحوراء قال: كنا عند حسن بن علي، فسُئِل: ما عَقلْتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أمشي معه فمَّرعلى جَرِين من تمر الصدقة، فأخذت تمرة فأليقتها في فمي، فأخذها بلعابي، فقال بعض القوم: وما عليك لو تركتها؟ قال: إنا آل محمد لا تحلُّ لنا الصدقة، وعقلت منه الصلوات الخمس .
8 ـ عن أيوب بن محمد: أن الحسن بن علي وابن عباس رأيا جنازة، فقام أحدهما وقَعد الآخر، فقال الذي قام: ألم يَقمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال الذي قعد: بلى وقعد .
هذه بعض الأحاديث التي رواها الحسن بن علي رضي الله عنهما عن جده صلى الله عليه وسلم ويعتبر الحسن بن علي رضي الله عنه من علماء الصحابة المفتين وهو من ضمن الطبقة الثالثة، فقد قسم المحدِّثون علماء َ الصحابة إلى ثلاث طبقات، وذلك نظراً إلى قلة أو كثرة فتاواهم. قال ابن القيم رحمه الله ـ: كانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط.
أـ المكثرون من الفتيا: والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة ونيف وثلاثون نفساً ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر بن خطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم: قال أبو محمد بن حزم: ويمكن أن يجمع في فتوى كل واحد منهم سفر ضخم، قال: وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب ابن أمير المؤمنين المأمون فتيا ابن عباس رضي الله عنه في عشرين كتاباً، وأبو بكر محمد المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث.
ب ـ المتوسطون في الفتيا: قال أبو محمد: والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم .. الخ.
جـ ـ المقلِّون في الفتيا: والباقون منهم مقلِّون في الفتيا، ولا يروي عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك .. وهم أبو الدرداء، وأبو اليسر، وأبو سلمة المخزومي، وأبو عبيدة بن الجراح، والحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب، والنعمان بن بشير، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو طلحة وأبو ذر، وأم عطية، وصفية أم المؤمنين، وحفصة، وأم حبيبة رضي الله عنهم أجمعين .
صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يرويها الحسن بن علي:
1 ـ عن الحسن بن علي عن خاله هند بن أبي هالة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة ليست له راحة، طويل السكت لا يتكلم من غير حاجة، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، ويتكلم بجوامع الكلم ، كلامه فصل ، لا فضول ولا تقصير، ليس بالجافي والمهيمن ، يعظم النعمة وإن دقت ، لا يذم منها شيئاً، غير أنه لم يكن يذم ذواقاً ، ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا مكان لها ، فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه، جُل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام ، وكان فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، مسيح القدمين ينبو
عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً يخطو تكفياً ، ويمشي هوناً ذريع المشية ، إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وإذا التفت التفت جميعاً ، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه، يبدأ من لقى بالسلام .
2 ـ وعن الحسن بن علي عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جاء وصف النبي كالتالي: لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صاخباً في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح (17). ما ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادماً، ولا امرأة، ما رأيته منتصراً من مظلمة ظُلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شئ، فإذا انتهك من محارم الله تعالي كان من أشدهم غضباً، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وإذا دخل بيته كان بشراً من البشر يفلي (18) ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه، كان يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ويؤلّفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي على أحد منهم بشره ، ولا خلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه ، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغفل مخافة أن يغفلوا ويملوا، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة ، لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو فاوضه ،في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجته لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس علم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثى ، فلتاته ، متعادلين يتفاضلون فيها بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
3 ـ عن الحسن بن علي عن الحسين بن علي عن علي رضي الله عنهم ملتقطاً من جزء الشمائل للترمذي: كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ، ولا غليظ وصخاب ولا فحّاش ولا عياب ولا مشاح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء ، والإكبار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذمّ أحداً ولا يعيبه ولا يطلب عورته. ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه وإذا تكلم أطرق ، جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون ويتعجب ممّا يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إن كان أصحابه يستجلبونهم ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام، أجود الناس صدراً وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشيرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبَّه ويقول ناعته لم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم .

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022