محبة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ورحمته بالحسن وملاعبته له: صور الرأفة والرحمة بين الجد والحفيد
الحلقة الخامسة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخر 1441 ه/ فبراير 2020م
كانت بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمولد الحسن عظيمة، وكان صلى الله عليه وسلم يحمله ويداعبه، ويدعوه ليتسلق صدره ويلعب معه، وترعرع الحسن رضي الله عنه في حجر النبوة، ولاحظته عين الرعاية النبوية، والعناية المصطفوية، من ولادته حتى يفاعته، لاسيما شبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في محيَّاه وأساريره، وقد تمتع الحسن رضي الله عنه بمكانة كبيرة وتقدير عال من جده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس لكونه سبطه فحسب، بل لما تحمله نفس الحسن رضي الله عنه من صفات طيبة وخلق عال وتواضع كريم ، وهذه بعض الأحاديث والمواقف التي تبين مكانة الحسن عند جده صلى الله عليه وسلم.
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب الحسن والحسين فقد أحبَّني ومن أبغضهما فقد أبغضني
2 ـ وعن عبد الله بن مسعود قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي والحسن والحسين يثبان على ظهره، فيباعدهما الناس فقال دعوهما، بأبي هما وأمي، من أحبني فليحب هذين .
3 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن: اللهم إني أحبه، فأحبه، وأحب من يحبه قال أبو هريرة: فما رأيته إلا دمعت عيناي .
4 ـ وعن البراء بن عازب قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اللهم إني أحبه فأحبه .
5 ـ وعن عليَّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبَّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمَّهما كان معي في درجتي يوم القيامة أخرجه أحمد والترمذي وقال: كان معي في الجنَّة وقال حديث غريب
6 ـ وعن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أحدهما قبل الآخر، فجعل يدَه في عنقه فضمَّه إلى بطنه وقبَّل هذا ثم قبَّل هذا ثم قال: إني أحبُّهما، فأحبوهما. أيها الناس: الولد مبخلة مجبنة
7 ـ عن إسرائيل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبَّ الحسن والحسين فقد أحبَّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني .
8 ـ عن زهير بن الأقمر قال: قال رجل من الأزد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للحسن بن علي: من أحبَّني فليُحبه، فليبلغ الشاهد منكم الغائب. ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدّثْتُكم
9 ـ وعن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ويقول: اللهمَّ إني أرحمهما فرْحمهما
10 ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: دخل الأقرع بن حابس على النبي صلى الله عليه وسلم فرآه يقبِّل إما حسناً وإما حسيناً فقال: تقبِّله، ولي عشرة من الولد ما قبَّلت واحداً منهم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يَرْحَمْ لا يُرْحَم .
11 ـ عن معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمصُّ لسان الحسن أو شفته، وإنَّه لن يُعَذَّبَ لسانٌ أو شفتان مصَّهما رسول الله . ورواية معاوية للحديث يدل على محبته للحسن.
12 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه لقِيَ الحسن بن عليِّ في بعض طرق المدينة فقال له: أكشف لي عن بطنك ـ فداك أبي ـ حتى أقبِّل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلُه. قال: فكشف عن بطنه، فقبَّل سرته
13 ـ عن عكرمة عن أبي عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم حاملاً الحسن بن علي رضي الله عنهما على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونعم الراكب هو .
14 ـ وعن أبي الزبير، عن جابر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو على أربع والحسن والحسين رضي الله عنهما على ظهره يحبو بهما في البيت وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العِدْلان أنتما .
15 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا سجد وثب الحسن والحسين رضي الله عنهما على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا حتى يقضي صلاته .
16 ـ حدثنا ابن بريدة عن أبيه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ أقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يمشيان ويتعثران إذ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فرفعهما إليه وقال: صدق الله: ((إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)) (التغابن، آية: 15) نظرت إلى هذين الصبيين يمضيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما .
17 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتي خباء فاطمة فقال: أثم لكع أثم لكع يعني ((حسناً)) فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا ، فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه .
19 ـ وعن سلمة بن الأكوع قال: لقد قُدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه، وهذا خلفه ، فمن هذا المعين فليتعلم الآباء المحبة وليغترفوا العطف والحنان على الأبناء، وفيها الشئ الكثير من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لمحبته للحسن ورحمته به وملاعبته وفيها إرشاد نبوي للمسلمين في كيفية بناء نفس الطفل وتكوينه، وفيها إجابة لهذا السؤال المهم كيف نبني عاطفة الطفل؟ ونؤدي له حقه ليكون إنساناً سوياً في مستقبله؟ فقد أشارت الأحاديث النبوية إلى مجموعة من الأسس التي بتطبيقها نسير على هدى ونور بيّن.
أـ الأساس العاطفي الأول: القُبلة والرأفة والرحمة للأطفال:
إن للقبلة دوراً فعالاً في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته، كما أن لها دوراً كبيراً في تسكين ثورانه وغضبه، بالإضافة إلى الشعور بالارتباط الوثيق في تشييد علاقة الحب بين الكبير والصغير، وهي دليل رحمة القلب والفؤاد لهذا الطفل الناشئ، وهي برهان على تواضع الكبير للصغير، وهي النور الساطع الذي يبهر فؤاد الطفل، ويشرح نفسه ويزيد من تفاعله مع من حوله، ثم هي أولاً وأخيراً السنة الثابتة في المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ مع الأطفال ، وإن الرحمة بالأطفال والشفقة عليهم صفة من صفات النبوة المحمدية وهي طريق لدخول الجنة والفوز برضوان الله تعالى.
ب ـ الأساس الثاني ـ المداعبة والممازحة مع الأطفال:
وقد بينا بعض الأحاديث النبوية التي تدل على ذلك وفيها دروس وعبر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مداعبة الأطفال، تارة بالحمل وأخرى بالمضاحكة .. وإلى غير ذلك وقد اقتدى الصحابة رضوان الله عليهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسارعوا إلى ممازحة ومداعبة أطفالهم وينزلون منازلهم، ويتصابون لهم ويلاعبونهم، وقد قال عمر رضي الله عنه: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ـ أي في الأنس والبشر وسهولة الخلق والمداعبة مع أولاده. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وبهذه المداعبة والملاعبة، كان تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ مع الأطفال وهو يغذي نفوسهم بهذه العاطفة الصادقة الطيبة، بعيداً عن الجفاء والقسوة وعدم إعطاء الطفل حقه
جـ ـ الأساس العاطفي الثالث: الهدايا والعطايا:
للهدايا أثر طيب في النفس البشرية عامة، وفي نفوس الأطفال أكثر تأثيراً وأكبر وقعاً، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين لنا عملية هذا الركن القوي في بناء عاطفة الطفل وتحريكها وتوجيهها وتهذيبها، وقد بينا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابنة خالة الحسن بن علي، أمامة بنت أبي العاص من بنت رسول الله زينب، فعن عائشة رضي الله عنها أن النجاشي أهدي للنبي صلى الله عليه حِلْية فيها خاتم من ذهب فصّه حبشي، فأخذه، وإنه لمعرض عنه، فأرسله إلى ابنة ابنته زينب، وقال: تَحلِّي بهذا يا بنية .
ح ـ الأساس الرابع: مسح رأس الطفل:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يداعب عواطف الأطفال بمسح رؤوسهم فيشعرون بلذة الرحمة والحنان والحب والعطف الأمر الذي يشعر الطفل بوجوده وحب الكبار له، واهتمامهم به وعن مصعب بن عبد الله قال: عبد الله بن ثعلبة ولد قبل الهجرة بأربع سنين وحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح وجهه وبرك عليه عام الفتح وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة .
خ ـ الأساس الخامس ـ حسن استقبال الطفل:
إن اللقاء مع الطفل لا بد منه وأهم ما في اللقاء اللحظات الأولى، فإذا كان اللقاء طيباً استطاع الطفل متابعة الحديث وفتح الحوار والتجاوب مع المتكلم، فيفتح قلبه وما يدور في خاطره ويعرض مشاكله ويتحدث عن أمانيه، كل ذلك يحصل إذا أحسن استقبال الطفل بفرح وحب ومداعبة ، وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قدم من سفر تلقى الصبيان من أهل بيته، وأنه جاء من سفر، فسبق بي إليه، فحملني بين يديه ثم جئ بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين رضي الله عنهما فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة .
س ـ الأساس السادس ـ تفقد حال الطفل والسؤال عنه:
كثيراً ما يمشي الطفل وحده فيضل الطريق ويتيه في الشارع، فإذا كان الوالدان مهتمين بحال الطفل تنبها سريعاً لشروده، وتم تتبع أثر الطفل والعثور عليه بأسرع ما يمكن والعكس بالعكس وهذه السرعة تلعب دوراً كبيراً في نفس الطفل فالتأخير عليه يزيد من مخاوفه وآلامه وبكائه ويشتد عذابه النفسي كلما زادت فترة تأخر وصول أحد والديه إليه لهذا سارع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمر أصحابه بمساعدته والانتشار في الطرقات حتى يتم العثور على الحسن والحسين ، فقد روى الطبراني عن سلمان رضي الله عنه قال: كنا حول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجاءت أم أيمن رضي الله عنهما فقالت: يا رسول الله لقد ضل الحسن والحسين رضي الله عنهما، قال: وذاك وأد النهار ـ يقول ارتفاع النهار ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ـ قوموا فاطلبوا ابني وأخذ كل رجل وجهة وأخذت نحو النبي صلى الله عليه وسلم ـ فلم يزل حتى سفح جبل وإذا الحسن والحسين رضي الله عنهما ملتزق كل واحد منهما صاحبه. وإذا شجاع ـ أي حية الذكر وقيل الحية مطلقاً ـ قائم على ذنبه يخرج من فيه شرار النار، فأسرع إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالتفت مخاطباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ثم انساب ـ أي جرى ـ فدخل بعض الأحجار ثم أتاهما، فأفرق بينهما ثم مسح وجوههما وقال: بأبي وأمي أنتما ما أكرمكما على الله ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر، فقلت: طوبى لكما نعم المطية مطيتكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ونعم الراكبان هما، وأبوهما خير منهما فأنت تلاحظ الخوف الذي حصل للحسن والحسين حيث التزق كل واحد بالآخر خائفاً من الحيَّة، ومسارعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لفك هذا الخوف ثم التفريق بينهما .. ثم مسح وجههما ـ ثم دعا لهما ثم أكرمهما بحملهما على عاتقه ثم مدحهما، بقوله: ونعم الراكبان هما وما ذلك إلا من شدة حبه وحرصه واهتمامه بالحسن والحسين
ش ـ الأساس السابع: لعب الكبار مع الصغار والأطفال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو الرسول القائد ـ يلعب مع الحسن والحسين ـ كما مرّ معنا ـ وما هذا إلا ليربي الوالدين والكبار، وليقتدوا به ويلعبوا مع أطفالهم، وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشجع الحسن على الحسين فعن أبي عباس قال: اتَّحد الحسن والحسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: هي يا حسن، خذ يا حسين، فقالت عائشة: تعين الكبير؟ قال إن جبريل يقول: خذ يا حسين ، وجاء في رواية ضعيفة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الجنائز، فطلع الحسن والحسين فاعتركا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيها حسن. فقال عليُّ: يا رسول الله: أعلى حسين تواليه؟ فقال: هذا جبريل يقول: إيها حسين ، فأنت شاهدت أنواعاً مختلفة من لعبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الحسن والحسين وما ذاك إلا ليدلك النبي صلى الله عليه وسلم ـ إلى فكرة التنوع في اللعب مع الأطفال، وأنت لاحظت أيضاً ثناءه ومدحه لهما في اللعب وذلك ليزيد من نشاطهما النفسي في اللعب فيستمران بلا كلل ولا تعب ويتابعان اللعب بحب وشغف وذلك ليكون غذاء جسمياً ونفسياً في آن واحد ، كما أن اللعب للأطفال فيه مجموعة من الفوائد والقيم منها جسدية، وتربوية، واجتماعية، وخلقية، وذاتية، وعلاجية .. الخ.
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf