الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

تأملات في آية التطهير وحديث الكساء

الحلقة الثامنة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1441 ه/ فبراير 2020م

آية التطهير هي قول الله عز وجل: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) (الأحزاب، آية: 33) وأما حديث الكساء، فقد روت عائشة رضي الله عنها، فقالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل (11)، فأدخل علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، قال ": ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) (الأحزاب، آية: 33) وإن رواية عائشة للحديث يبين لنا كذب من يقول أن الصحابة يكتمون فضائل علي، فهذه عائشة التي يدعون أنها تبغض علياً هي التي تروي هذا الفضل لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم.
إن الخطاب في الآيات الكريمة كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ بهم وختم بهن قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًاً جميلاً، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يسيراً، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)) إلى قوله تعالى: ((((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)) (الأحزاب، آية: 28 ـ 34) فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومعهنّ الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، حيث تناول أهل البيت كلهم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أخص من غيرهم بذلك لذلك خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لهم، كما أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يتعدى علياً والحسن والحسين وفاطمة إلى غيرهم كما في حديث زيد بن أرقم وأنه لما قيل له نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه ولكن أهل بيته الذين حرموا الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس .وقد تعمد علماء الشيعة الإثني عشرية اقتطاع آية التطهير من السياق القرآني الذي جاءت فيه والذي خاطب الله به نساء النبي صلى الله عليه وسلم إغفالاً لنساء النبي صلى الله عليه وسلم من الخطاب، ثم ضموا إلى ذلك حديث الكساء الذي رواه مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه المرط المرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي، فأدخله ثم جاء الحسين، فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))، وحديث أم المؤمنين أم سلمة لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك، وأنت على خير لتثبيت المعنى الذي يريدونه من الاستدلال بهذه الآية الكريمة ، ويرى علماء الشيعة أن في آية التطهير دلالة على عصمة أصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين، من الخطايا والذنوب صغيرها وكبيرها بل ومن الخطأ والسهو البشري ، ويعتقدون أن الحسن بن علي هو الإمام الثاني المعصوم عندهم.
إن عصمة الإمامة عند الشيعة الإمامية شرط من شروط الإمامة وهي من المبادئ الأولية في كيانهم العقدي ولها أهمية كبرى عندهم ونتيجة لما أضفاه الشيعة الرافضة على أئمتهم من صفات وقدرات ومواهب علمية غير محدودة، ذهبوا إلى أن الإمام ليس مسئولاً أمام أحد من الناس ولا مجال للخطأ في أفعاله مهما أتى من أفعال، بل يجب تصديقه والإيمان بأن كل ما يفعله من خير لا شر فيه لأن عنده من العلم وما لا قبل لأحد بمعرفته، ومن هنا قرر الشيعة الرافضة للإمام ضمن ما قرروا العصمة، فذهبوا إلى أن الأئمة معصومون في كل حياتهم لا يرتكبون صغيرة ولا كبيرة ولا يصدر عنهم أي معصية، ولا يجوز عليهم خطأً ولا نسيان ، وقد نقل الإجماع على ذلك شيخهم المفيد، فقال: إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرع وتأديب الأنام معصومون، كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم كبيرة ولا صغيرة وأنه لا يجوز منهم سوء في شيء من الدين ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم، وتعلق بظواهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب ، وقد تحدثت عن هذه العقيدة بنوع من التفصيل في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
وأما حجة الشيعة الإمامية في آية التطهير فنقدها من وجوه:
أـ حديث أم سلمة السابق، فقد ورد بعدة صيغ:
فروي عن أم سلمة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرة، فأكلوا وناموا وغطى عليهم عباءة أو قطيفة، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم أجلسهم على كساء، ثم أخذ بأطرافه الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، فقال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم أجلسهم على كساء، ثم أخذ بأطرافه الأربعة بشماله، فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه، فقال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهاتان الروايتان تتفقان مع رواية مسلم عن السيدة عائشة في دخول الخمسة الآية، ولكن هذا لا يحتم عدم دخول غيرهم ، وقد وردت روايات عن أم سلمة فيها زيادات تشير إلى عدم دخولها مع أحاديث الكساء، لا يخلو أكثرها من الضعف لكن صح منها من جملتها هذه الرواية: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير ، وهناك رواية هامة جداً رويت بإسناد حسن تشير إلى أن أم سلمة قد دخلت في الكساء بعد خروج أهل الكساء منه ،ولعل التعليل في ذلك أنه لا يصح أن تدخل أم سلمة مع علي بن أبي طالب تحت كساء واحد فلذلك أدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروج أهل الكساء منه، فعن شهر قال: سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء نعي الحسين بن علي، لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة غدية ببرمة قد وضعت فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتى وضعتها بين يديه، فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: هو في البيت، قال: اذهبي فادعيه وائتني بابنيه، قال: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد، وعلي يمشي في إثرهما، حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسهما في حجره وجلس علي على يمينه وجلس فاطمة على يساره، قالت أم سلمة: فاجتبذ كساء خيبرياً كان بساطاً لنا على المنامة، فلفّه رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً فأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل: قال: اللهم أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قلت يا رسول الله: ألست من أهلك؟ قال بلى فادخلي في الكساء، فدخلت في الكساء بعدما قضى دعاءه لابن عمه علي وابنيه وابنته فاطمة ، فشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة أنها من أهل بيته وأدخلها في الكساء بعد دعائه لهم .
ب ـ ومما يدل على أن الآية ليست دالة على العصمة والإمامة أن الخطاب في الآيات لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم حيث بدأ بهن وختم بهنّ:
قال تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًاً جميلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يسيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا *يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا معروفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا *وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)) (الأحزاب، آية: 28 ـ 34).
فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر، لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، حيث تناول أهل البيت كلهم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أخص من غيرهم بذلك، لذلك خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء لهم، كما أن زوج الرجل من أهل بيته، وهذا شائع في اللغة كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير، وقد قال تعالى: ((قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)) (هود: 73) والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت .
وقوله تعالى: ((فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)) (القصص: 29). والمخاطب هنا أيضاً زوجة موسى عليه السلام.
وقوله تعالى: ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)) (مريم: 54 ـ 55). فمن أهله الذين كان يأمرهم بالصَّلاة؟ وهذا كقوله تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)) (طه: 132). ولا شك في دخول زوجاته أو خديجة رضي الله عنها على أقل تقدير في الأهل، باعتبار أن السورة مكية ، وقال تعالى: ((وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (يوسف، آية: 25)، فالمخاطب هنا عزيز مصر، وقولها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً؟ أي زوجتك.
جـ ـ إذهاب الرجس لا يعني في لغة القرآن معنى العصمة:
يقول الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن مادة رجس، الرجس الشئ القذر، قال: رجل رجسي، ورجال أرجاس، قال تعالى: ((رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)) (المائدة: 90) .. والرجس من جهة الشرع والخمر والميسر .. وجعل الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء، قال تعالى: ((وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ)) (التوبة: 125) وقوله تعالى: ((وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)) (يونس:، آية: 100).
قيل الرجل: النتن، وقيل العذاب، وذلكم كقوله: ((إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)) وقال: أو لحم خنزير فإنه رجس وبالجملة لفظ ((الرجس)) أصله القذر يطلق ويراد به الشرك كما في قوله تعالى: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) (الحج، آية: 30) ويطلق ويراد به الخبائث المحرمة كالمطعومات والمشروبات ونحو قوله: ((قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا)) (الأنعام، آية: 145) وقوله تعالى: ((إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)) (المائدة، آية: 90)، ولم يثبت أن استخدم القرآن لفظ ((الرجس)) بمعنى مطلق الذنب بحيث يكون في إذهان الرجس عن إثبات لعصمته .
د ـ التطهير من الرجس لا يعني إثبات العصمة لأحد:
فكما أن كلمة ((الرجس)) لا يراد بها ذنوب الإنسان وأخطاؤه في الاجتهاد وإنما يُراد بها القذر والنتن والنجاسات المعنوية والحسية فإن كلمة التطهير لا تعني العصمة، فإن الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير، فقد قال الله تعالى عن صحابة رسوله: ((مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ)) (المائدة،: 6) وقال عز من قال: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)) (التوبة، آية: 103) وقال ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) (البقرة، آية: 222)، فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للصحابة، ولعموم المؤمنين الذين نصت الآيات على إرادة الله عز وجل تطهيرهم، وقد قال تعالى عن رواد مسجد قباء من الصحابة: ((فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)) (التوبة، آية: 108)، ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب بالاتفاق، وقال تعالى عن أهل بدر وهو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً: ((وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ)) (الأنفال، آية: 11) ولم يكن في هذا إثبات لعصمته مع أنه لا فرق يذكر في الألفاظ بين قول الله تعالى عن أهل البيت ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيراً وبين قوله في أهل بدر: ((وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ)) فالرجز والرجس متقاربان ويطهركم في الآيتين واحد، لكن الهوى هو الذي جعل من الآية الأولى دليلاً على العصمة دون الأخرى والعجيب في علماء الشيعة الرافضة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء، ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة، بل هم بالمقابل يقدحون فيهم، ويقولون بانقلابهم على أعقابهم مع أن الله عز وجل نص على إرادته تطهيرهم بنص الآية ، ((وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)).
الإرادة في الآية إرادة شرعية، وهي غير الإرادة القدرية:يعني يحب الله أن يذهب عنكم الرجس، وقد تحدث علماء أهل السنة عن الإرادتين الشرعية الدينية، والإرادة القدرية الكونية.
إرادة شرعية دينية:
وهي تتضمن معنى المحبة والرضى، كقوله تعالى: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) (البقرة، آية: 185) وقوله تعالى: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)) (النساء، آية: 27 ـ 28).
إرادة قدرية خلقية:
وهي بمعنى المشيئة الشاملة لجميع الموجودات، وذلك مثل الإرادة في قوله تعالى: ((وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) (البقرة، آية: 253) وقوله: ((وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)) (هود، آية: 34)، فالمعاصي إرادة كونية قدرية فهو لا يحبها ولا يرضاها ولا يأمر بها، بل يبغضها ويسخطها، ويكرهها ونهي عنها، هذا قول السلف والأئمة قاطبة، فيفرقون بين إرادته التي تتضمن محبته ورضاه وبين إرادته ومشيئته الكونية القدرية التي لا يلزم منها المحبة والرضى ، ولا شك أن الله عز وجل أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعلى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الإرادة في هذه الآية، إرادة شرعية ولذلك جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جللهم بالكساء قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس .
هـ ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يحسم القضية:
آية التطهير لو كان فيها ما يدل على وقوع التطهير لأهل الكساء لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغطيتهم بالكساء والدعاء لهم بقوله: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس ، بل في هذا دلالة واضحة على أن الآية نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أراد أن ينال أصحاب الكساء هذا الأخبار الرباني عن التطهير، فجمعهم وجللهم بالكساء ودعا لهم فتقبل الله دعاءه لهم ، فطهرهم كما طهر الله نساء النبي بنص الآية .
وـ من الردود الدالة على عدم دلالة الآية الإمامة والعصمة:
ومنها: أن ما اختص به أمير المؤمنين علي والحسن والحسين رضي الله عنهم من الآية بزعم القوم ثبت للسيدة فاطمة رضي الله عنها، وخصائص الإمامة لا تثبت للنساء، فلو كان هذا دليلاً لكان من يتصف بما في الآية يستحق العصمة والإمامة، وفاطمة رضي الله عنها كذلك وبذات الاعتبار، فدل على أن الآية لا يراد بها الإمامة ولا العصمة، ومنها خروج تسعة من الأئمة المزعومين لعدم شمول الآية لهم، حيث اختصت الآية بثلاثة منهم وهم:
ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ـ والحسن بن علي رضي الله عنه.
ـ والحسين بن علي رضي الله عنه.
آية المباهلة ووفد نصارى نجران:
جاء وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كنا مسلمين قبلكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وزعمكم أن لله ولداً ، وكثر الجدال والحجاج بينه وبينهم، والنبي يتلو عليهم القرآن ويقرع باطلهم بالحجة، وكان مما قالوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالك تشتم صاحبنا، وتقول إنه عبد الله، فقال: أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنساناً قط من غير أب، فإن كنت صادقاً فأر مثله؟ فأنزل الله في الرد عليهم قوله سبحانه: ((إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)) (آل عمران، آية: 59 ـ 60). فكانت حجة دامغة شبّه فيها الغريب بما هو أغرب منه ، فلما لم تجد معهم المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة دعاهم إلى المباهلة ، امتثالاً لقوله تعالى: ((فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)) (آل عمران، آية: 61). وخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة وقال: وإذا أنا دعوت فأمِّنوا ،فائتمروا فيما بينهم، فخافوا الهلاك لعلمهم أنه نبي حقاً، وأنه ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا، فأبوا أن يلاعنوه وقالوا: أحكم علينا بما أحببت فصالحهم على الفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر . وهكذا يتضح المقصد الحقيقي لنزول الآية ومناسبتها وأنه ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد على ما ادعاه الشيعة على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنص وقد رددت على زعمهم في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فمن أراد التوسع فليرجع إليه.


يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022