صور من الأخلاق الحميدة في حياة أمير المؤمنين الحسن بن علي (رضي الله عنهما)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الحادية والثلاثون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
1 ـ صلاته على الأشعث بن قيس:
مات الأشعث بن قيس بعد مقتل أمير المؤمنين علي بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن بن علي ، وهو زوج بنت الأشعث بن قيس ، وقد ذهبت بعض الروايات الضعيفة إلى تورط الأشعث بن قيس في دم أمير المؤمنين وهذا ليس عليه دليل، وذلك لأن الأشعث بن قيس عند استعراض دوره في خلافة علي رضي الله عنه نجده مخلصاً ووفياً، فهو أول من حارب أهل الشام أثناء القتال على الماء، وأظهر العداوة للخوارج منذ نشأتهم فهو الذي أبلغ علياً رضي الله عنه أن الخوارج يقولون: إن علياً تاب من خطيئته ورجع عن التحكيم وقاتل علي الخوارج في النهروان، وقد حرص كل الحرص على أن يوطد علاقته بعلي وآل بيته فزوج ابنته من الحسن بن علي رضي الله، وعندما أراد الحن أن يبني بها قامت كندة وجعلت أرديتها بسطاً من بابه إلى باب الأشعث ، وقد مات الأشعث بعد مقتل علي وصلى عليه الحسن بن علي كما مرّ، ولم ينقل عن أل علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أنهم اتهموا الأشعث بهذه التهمة، أو كشفوا أحداً من آل الأشعث بهذا السبب، ويظل قتل علي عملاً من تدبير الخوارج جاء في الأرجح ثأراً لقتلى النهروان .
2 ـ معاملته لمن يسئ إليه:
قدم رجل من المدينة وكان يبغض علياً فقطع به فلم يكن له زاد ولا راحلة فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له عليك بالحسن بن علي، فقال له الرجل: ما لقيت هذا إلاّ في حسن وأبي حسن؟ فقيل له: فإنك لا تجد خيراً إلا منه فأتاه فشكل إليه، فأمر له بزاد وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته فقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة .
3 ـ من أدبه في المجالس:
كان ذات يوم جالساً في مكان، فأراد الانصراف، فجاءه فقير فرحب به ولاطفه وقال له: إنك جلست على حين قيام منا أفتأذن لي بالانصراف؟ قال: نعم يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. .
4 ـ حسن خلقه بين الناس:
عن عميربن إسحاق قال: ما تكلم عندي أحد كان أحبَّ إليَّ إذا تكلَّم ألا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين الحسين بن علي وبين عمرو بن عثمان خصومة، فقال الحسن: ليس له عندنا إلا ما رَغِم أنفه. فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه قط .
5 ـ ملاعبته بالمداحي :
قال سليمان بن شديد: كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحي فكنت إذا أصبت مدحاته فكان يقول لي: يحل لك أن تركب بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا أصاب مدحاتي قال: أما تحمد ربك أن يركبك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 ـ بعده عن فضول الكلام:
كان الحسن بن علي أكثر دهره صامتاً، فإذا قال بذَّ القائلين فالحسن بن علي يعلمنا الابتعاد عن فضول الكلام وهذا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ، وجاء عنه: من صمت نجا ، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج ، وقد سئل معاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي يدخله الجنة ويباعده من النار، فأخبره برأسه وعموده وذروة سنامه ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كلِّه؟ قال: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: كُفَّ عليك هذا. فقال: وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يُكُبُ الناس في النار على وجوهه ـ أو على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم ويقول بن عبيد: ما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك صلاحاً في سائر عمله ، وكان ابن الكاتب يقول: إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه ، وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة أما بعد: فإنه من أكثر ذكر الموت رضي بالدنيا باليسير، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه، والسلام . فالحسن بن علي كان يعد كلامه من عمله ولذلك أكثر الصمت.
7 ـ إكرام الحسن بن علي أسامة بن زيد رضي الله عنهما:
عن حرملة ـ مولى أسامة ـ قال: أرسلني بن زيد إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقال لي: إنه سيسألك ويقول لك: ما خلَّف صاحبك فقل له: يقول لك: لو كنت في شدْق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه، ولكن هذا أمر لم أرَه قال: فأتيت علياً فلم يعطني شيئاً، فذهبت إلى حسن وحسين وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم ـ فأوقروا لي راحلتي .
8 ـ الحسن بن علي واليهودي الفقير:
اغتسل الحسن رضي الله عنه وخرج من داره في بعض الأيام وعليه حلة فاخرة ووفرة ظاهرة ومحاسن سافرة فعرض له في طريقه شخص من محاويج اليهود وعليه مسح من جلود، قد أنهكته العلة، وركبته القلة والذلة، وشمس الظهيرة قد شوت شواه وهو حامل جرة ماء على قفاه، فاستوقف الحسن رضي الله عنه وقال: يا ابن رسول الله، سؤال، قال: ما هو؟ قال: جدك يقول: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر . وأنت مؤمن وأنا كافر. فما أرى الدنيا إلا جنة لك
تتنعم بها، وما أراها إلا سجناً عليّ قد أهلكني ضرها وأجهدني فقرها، فلما سمع الحسن كلامه قال له: يا هذا لو نظرن إلى ما أعد الله لي في الآخرة لعلمت أني في هذه الحالة بالنسبة إلى تلك في سجن، ولو نظرت إلى ما أعد الله لك في الآخرة من العذاب الأليم لرأيت أنك الآن في جنة واسعة . لقد كان الحسن بن علي حاضر البديهة، فأجاب بجواب مقنع مفحم حيث أوضح له أن حالته التي يشكو منها إنما هي كالجنة بالنسبة إلى عذاب الآخرة الذي أعد للكافرين وأن حالة الحسن التي ظنها نعيماً إنما هي كالسجن بالنسبة إلى نعيم الجنة الذي أعد للمتقين .
9 ـ احترام وتقدير ابن عباس للحسن والحسين رضي الله عنهم:
قال مدرك أبو زياد: كنا في حيطان ابن عباس فجاء ابن عباس وحسن وحسين فطافوا في البستان فنظروا ثم جاءوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها فقال لي حسن: يا مُدرك أعندك غداء؟ قلت: قد خبزنا، قال: إئت به. قال: فجئته بخبز وشئ من ملح جريش وطاقتي بقل فأكل ثم قال: يا مُدرك ما أطيب هذا؟ ثم أتى بغدائه، وكان كثير الطعام طيّبه ـ فقال: يا مُدرك اجمع لي غلمان البستان قال: فقدم إليهم فأكلوا ولم يأكل فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذاك أشهى عندي من هذا، ثم قاموا فتوضأوا ثم قدّمت دابة الحسن فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوَّى عليه، ثم جئ بدابّة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوَّى عليه، فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوّي عليهما؟ فقال: يا لُكع أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مما أنعم الله عليّ به أن أمسك لهما وأسوّي عليهما ؟ وهذا الاحترام والتقدير من ابن عباس للحسن والحسين دليل على محبته لهما ومعرفة فضلهما، كما يدل على فضل ابن عباس فلا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهله. وقد كان أمير المؤمنين علي يعامل عمه العباس والد عبد الله معاملة قلّ نظيرها في الاحترام والتقدير فعن ابن عباس رضي الله عنهما ـ قال: اعتلَّ أبي العباس، فعاده عليُّ، فوجدني أضبط رجليه، فأخذهما من يدي، وجلس موضعي وقال: أنا أحقُّ بعمِّي منك، إن كان الله عز وجل قد توَّفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمِّي حمزة وأخي جعفراً فقد أبقى لي العباس. عمُّ الرجل صِنْوُ أبيه، وبُّره به كِبرِّه بأبيه، اللهُمَّ هب لعمِّي عافيتك وارفع له درجته، واجلعه عندك في علِّيِّين .
10 ـ ثناء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن الحسن:
قال عبد الله بن عروة: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة قال: فوالله ما قام حتى تفسّخ جبينه عرقاً فغاظني ذلك، فقمت إليه فقلت: يا عم! قال: ما تشاء؟ قال: قلت رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي، فأقمت إليه حتى تفسخ جبينك عرقاً قال: يا ابن أخي إنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله .
11 ـ بين الحسن والحسين رضي الله عنهما:
ذكر ابن خلكان (بصيغة التمريض) وقيل: دار بين الحسن والحسين كلام فتقاطعا فقيل للحسين، لو أتين أخاك فهو أكبر منك سناً منك، فقال: فإن الفضل للمبتدئ وأنا أكره أن يكون لي الفضل على أخي، فبلغ ذلك الحسن فأتاه .
12 ـ أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة:
قال معاوية ـ وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف ـ من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدّة وخالاً وخالة وعماً وعمّة؟ فقام النعمان بن العجلان الزُرقاني، فأخذ بيد الحسن فقال: هذا أبوه علي وأمه فاطمة وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدته خديجة، وعمّه جعفر، وعمته أمّ هاني بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب .
13 ـ محبة الناس له ولأخيه الحسين وازدحامهم عليهما في البيت الحرام:
قال أبو سعيد: رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر ثم أتيا الحجر فاستلماه ثم طافا أسبوعاً وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن ويمضيا معهما رجل من الركانات وأخذ الحسين بيد الركاني ، وردّ الناس عن الحسن ـ وكان يجله وما رأيتهما مرّا بالركن الذي يلي الحجر من جانب الحجر إلا استلماه قال: قلت لأبي سعيد ، فلعله بقي عليهما بقيه من سُبُوع قطعته الصلاة؟ قال: لا بل طافا أسبُوعاً تاماً .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf