ملامح عظيمة من حياة أمير المؤمنين الحسن بن علي (رضي الله عنهما)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الثلاثون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
1 ـ قضاء حوائج الناس:
جاء رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنه فذكر له حاجته فخرج معه لحاجته، فقال: أما إني قد كرهت أن أعينك في حاجتي ولقد بدأت بحسين فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك. فقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحبّ إليّ من اعتكاف شهر ، وجاء في رواية أخرى أنه ترك الطواف وخرج في حاجة إنسان له حاجة عند شخص معين ، وجاء من كلام الحسن وذكر بعض الكتّاب أنه من كلام الحسين رضي الله عنهما: إن حوائج الناس إليكم، من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقماً، واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ومعقب أجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً، رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم، رأيتموه سمجاً مشوهاً، تنفر عنه القلوب والأبصار ، وذكر صاحب كتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة: أن رجلاً رفع إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما رقعة فقال: قد قرأتها، حاجتك مقضية، فقيل له: يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو نظرت إلى رقعته وراجعته على حسب ما فيها، فقال: أخاف أن أسأل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأها ، وهذه المواقف تدل على حسن أخلاقه وعظمتها مع تواضع كبير ولا نستغرب ذاك من سيدنا الحسن، فهو القائل: مكارم الأخلاق عشرة، صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والترحم على الجار، ومعرفة الحق للصاحب وقرى الضعيف، ورأسهن الحياء ، وأيضاً قوله: أشد من المصيبة سوء الخلق ، وهذه المواقف الكريمة للحسن رضي الله عنه تطبيق لتوجهات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن دينار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قيل يا رسول الله، من أحب الناس إلى الله؟ قال أنفعهم للناس. وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرْباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأنْ أمشي مع أخي المسلم في حاجة، أحبُّ إليَّ مٍنْ أن أعتكف شهرين في مسجد .. ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يُثبتَها له، ثبَّت الله قدمه يوم تزل فيه الأقدام، وإنَّ سوء الخُلُقِ ليُفْسِدُ العمل، كما يفسد الخلُّ العسل . وعن مسلمة بن مخلد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن نجّي مكروباً فك الله عنه كُربةٌ من كرب يوم القيامة ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته .
2 ـ زواجه من بنت طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم:
عن شعيب بن يسار، أن الحسن بن علي أتى ابناً لطلحة بن عبيد الله ، فقال: قد أتيتك لحاجة وليس لي مرد قال: وما هي؟ قال: تزوجني أختك ، قال: إن معاوية كتب إلي يخطبها على يزيد، قال: مالي مردُّ إذ أتيتك فزوجها إياي ثم قال: دخل بأهلك، فبعث إليها بحلة ثم دخل بها، فبلغ ذلك معاوية، فكتب إلى مروان أنْ خيّرها فخيّرها فاختارت حسناً فأقرّها ثم خلف عليها بعده حسين .
3 ـ زواجه من خوّلة بنت منظور:
عن ابن أبي مليكة، قال: تزوج الحسن بن علي خولة بنت منظور فبات ليلة على سطح أجم ، فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط، فأكون أشأم سخلة على العرب، فأحبها، فأقام عندها سبعة أيام . فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام. فانطلقوا بنا إليه، فأتوه فقالت له خولة: أتحبسهم حتى نهيئ لهم غداءاً قال: نعم، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثاً ألهانا بالاستماع إعجاباً به حتى جاءنا الطعام .
4 ـ لا يرى أمهات المؤمنين:
كان الحسن والحسين لا يريان أمهات المؤمنين. فقال ابن عباس: إنَّ رؤيتهن حلال لهما وعلق الذهبي فقال: الحل متيقن . وهذا يدل على شدة حياءه.
5 ـ الغيرة في النسب النبوي:
دخل سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما السُّوق لحاجة يقضيها فساوم صاحب دكان في سلعة، فأخبره بالسعر العام، ثم علم أنه الحسن بن علي رضي الله عنهما سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقص في السعر إجلالاً له وإكراماً، ولكن الحسن بن علي رضي الله عنهما لم يقبل منه ذلك، وترك الحاجة، وقال: إنني لا أرضى أن استفيد من مكانتي من رسول الله في شئ تافه . وهذا الحال كان مصاحباً لأهل البيت ممن ساروا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا زين العابدين بن علي بن الحسين، يقول عن جويرية بن أسماء ـ وهو من أخص خدمه، ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً قط ، وكان إذا سافر كتم نفسه، فقيل له في ذلك، فقال: أنا أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أعطي به . وكذلك روي عن أبي الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم فقد قيل إنه كان إذا سافر كتم نفسه، فقيل له في ذلك، فقال: أنا أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أعطي به فهؤلاء السادة من أهل البيت كانوا غيارَى أشد الغيرة في الرحم التي كانت تصلهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانوا يستغلون هذه النسبة لمصالح دنوية، شأن أبناء أسر الزعماء الدينيين في الديانات الأخرى ممن ينالون تقديساً زائداً في كل حال، ويعاملون من أتباعهم كشخصيات تفوق البشر، وكانوا بعيدين عن كسب حطام الدنيا بأسمائهم، وبناء قصور الفخر على عظامهم واستغنائهم وعزّة نفسهم، تصور سيرتهم وسلوكهم تصويراً يختلف تماماً عن سيرة الطبقة المحترفة بالدين من البراهمة والكهنة في الديانات والملل الأخرى، فإنها تعتبر ذات قدسية وعظمة عن طريق الولادة، فهي لا تحتاج لكسب المعاش وتحقيق حاجات الحياة إلى بذل شئ من الجُهد والسعي .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf