من صفات أمير المؤمنين الحسن بن علي (رضي الله عنهما):
الحلم، التواضع، والسيادة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الثامنة والعشرون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
حلمه:
كان بين الحسن بن علي ومروان بن الحكم كلام، فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له، والحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال الحسن رضي الله عنه: ويحك أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج، أف لك، فسكت مروان وما سكون الحسن رضي الله عنه، إلا لما كان لحق نفسه، فلما خالف مروان السنة، غضب لله وللسنة وأبان له الصواب فيها ، ولما مات رضي الله عنه، بكى مروان بن الحكم في جنازته، فقال له الحسين: أتبكيه وقد كنت تجرِّعه ما تجرِّعه؟ فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار إلى الجبل ، وذكر ابن عائشة أن رجلاً من أهل الشام، قال: دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً على بغلة، لم أرَ أحسن وجهاً ولا سمتاً، ولا ثوباً، ولا دابة منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه، فقيل: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب فامتلأ قلبي بغضاً له، وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه، فقلت: أأنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: أنا ابنه، قلت: فعل بك وبأبيك، أسبهما، فلما انقضى كلامي، قال لي: أحسبك غريباً، قلت: أجل، قال: مر بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، وإن احتجت إلى مال آسيناك، أو إلى حاجة عاوناك، قال: فانصرفت عنه، وما على الأرض أحب إليَّ منه وما فكرت فيما صنع، وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي ،
وهذه المواقف الكريمة التي نتعلم منها الحلم من سيرة الحسن بن علي رضي الله عنه وكيفية كسب المخالفين، بالإحسان إليهم والترفق بهم والصبر على آذاهم ومحبة الخير لهم وقد يغلب على كثير منهم الجهل وعدم معرفة الحقائق، تطبيق لقول الله تعالى: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) (الأعراف، الآية: 199) واقتداء بجده صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ عليه الصلاة والسلام الذروة والغاية في حلمه وعفوه وضبط نفسه إزاء التخرصات والمفتريات التي نُسِبت إليه، إضافة إلى الإيذاء من مشركين العرب: كامرأة أبي لهب، وأبي جهل، وأبي بن خلف، وغيرهم من سفهاء مكة ، ووصفت السيدة عائشة رضي الله عنها خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، وعنها أيضاً قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط ـ بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شئ ـ قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيئاً من محارم الله فينتقم لله عز وجل .
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: من كظم غيظاً ـ وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيَّر من أي الحور العين شاء وفي صفة الحلم يقول الشاعر:
وفي الحلم ردع للسفيه عن الأذى
وفي الخرق إغراء فلا تلك أخرقا
فتندم إذ لا تنفعك ندامة
كما ندم المغبون لمّا تفرَّقا
تواضعه:
مرّ الحسن بن علي رضي الله عنه على جماعة من الفقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التقطوها من الطريق، وهم يأكلون منها فدعوه إلى مشاركتهم فأجابهم إلى ذلك وهو يقول: إن الله لا يحب المتكبرين. ولما فرغ من تناول الطعام دعاهم إلى ضيافته، فأطعمهم وكسَاهم وأغدق عليهم من إحسانه ، ومن مواقف تواضعه، أنه مرّ على صبيان يتناولون الطعام فدعوه لمشاركتهم، فأجابهم إلى ذلك ثم حملهم إلى منزله فمنحهم ببره ومعروفه وقال: اليد لهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد مما أعطيناهم ، فصفة التواضع من صفات عباد الرحمن، قال الله تعالى وتبارك: ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)) (الفرقان، الآية: 63)، والتواضع علامة من علامات حب الله للعبد، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم)) (المائدة، الآية: 54) فمن سيرة الحسن بن علي رضي الله عنه نتعلم صفة التواضع قال الشاعر:
تواضع كالنجم لاح لناظر ... على صفحات الماء وهو رفيع
ولأنك كالدخان يعلو بنفسه ... على طبقات الجو وهو وضيع
سيادته:
ولقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانة هذا الإمام وسيادته وجلالة قدره، على مرأى ومسمع من الناس في غير مرة، وقد تواترت الروايات بقوله صلى الله عليه وسلم عن الحسن، إن ابني هذا سيد، قال ابن عبد البر: وتواترت الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن بن علي: إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، وجاء من حديث جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا ـ يعني الحسن ـ سيِّد، وليصلحنَّ الله به بين فئتين من المسلمين ، وعن سعيد بن أبي سعيد قال: كنا مع أبي هريرة جلوساً، فجاء حسن بن علي بن أبي طالب فسلم علينا، فرددنا عليه، وأبو هريرة لا يعلم فمضى، فقلنا: يا أبا هريرة هذا حسن بن علي قد سلم علينا، فقام فلحقه، فقال: يا سيدي، فقلت له: تقول يا سيدي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه لسيد ، وعن جابر بن عبد الله أنه قال: من سرَّه أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي ، وعن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وقد نقل إلينا خبر سيادة الحسن والحسين في الجنة جمع غفير من الصحابة، وما ذلك إلا لإعلان رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك مرة بعد مرة، أو في محافل جامعة ، وقد أثبتت الأيام ومرور الشهور والأعوام على رسوخ صفة السيادة في الحسن وقد بلغت ذروتها في توفيق الله له في عقد الصلح مع معاوية، وجمع الأمة على كلمة سواء، فقد كان الحسن سيداً جليلاً، ويعلمنا الحسن بأن السيادة لا تكون بالقهر وسفك الدماء، أو أهدار الأموال والحرمات، بل السيادة بصيانتها وإزالة البغضاء والشحناء، فصلحه وحقنه لدماء المسلمين بلغ فيه ذروة السيادة التي لا يستطيعها من فكر بالقوة وهو يملك طرفاً منها، وقد صالح الحسن معاوية وحوله الألوف فيهم من هو طامع مدسوس ولكن فيهم الكثير الكثير من المخلصين الأوفياء، فما أراد أن تراق بسببه قطرة دم، أو يخدش مسلم في هذا السبيل، وإن الرئاسة للأقوام إن لم تكن لصيانتها وحياطتها وحفظها، وترقيتها، فهي نوع من الطاغوت الأعمى والتهور الأحمق، والمغامرة والمقامرة التي تجلب معها الدمار والخراب، والإذلال واليباب، وينتهي أصحابها إلى غضب الله، ولعنة التاريخ، وهل تدافع أمواج الدماء البشرية عبر العصور والقرون إلا من الحرص على الرئاسة والسلطان والتكالب على الدنيا .
صفاته الخَلْقية:
كان الحسن بن علي رضي الله عنه سيداً وسيماً جميلاً أبيض اللون مشرباً بحمرة أدعج العينيين سهل الخدين كث اللحية كأن عنقه أبريق فضة، عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ليس بالطويل ولا بالقصير من أحسن الناس وجهاً جعد الشعر حسن البدن ، ومن بركات الله سبحانه وتعالى على الحسن أنه كان أشبه الناس بجده صلى الله عليه وسلم ؟
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf