تفنيد الحسن بن علي رضي الله عنهما لمعتقد الرجعة
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة:التاسعة والعشرون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
ترك لنا الحسن بن علي مواقف متميزة من حياته في المجتمع الإسلامي الراشدي، فقد كان حريصاً على تصحيح المفاهيم وقضاء حوائج الناس، ومخالطتهم بالحسنى، وإرشادهم بالمواعظ، والحكم النادرة وغير ذلك وإليك تفصيل ما أجملت:
1 ـ تفنيده لمعتقد الرجعة:
عن عمرو بن الأصمِّ، قلت للحسن: إن الشيعة تزعم أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة، قال: كذبوا والله، ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوَّجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله ، وكان أول من قال بالرجعة ابن سبأ، إلا أنه قال بأنه غاب وسيرجع ولم يصدق بموته، وكانت عقيدة الرجعة خاصة برجعة الإمام عند السبئية الكيسانية وغيرها، ولكنها صارت عند الاثني عشرية عامة للإمام وكثير من الناس، ويشير الألوسي إلى تحول مفهوم الرجعة عند الشيعة الرافضة من رجعة الإمام فقط إلى ذلك المعنى العام كان في القرن الثالث ، وأما المفهوم العام لمبدأ الرجعة عند الاثني عشرية فهو يشمل ثلاثة أصناف:
- ـ الأئمة الأثني عشر، حيث يخرج المهدي من مخبئه، ويرجع من غيبته، وباقي الأئمة يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا.
- ـ ولاة المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة ـ في زعمهم الباطل ـ من أصحابها الشرعيين "الأئمة الاثني عشرية" فيبعث خلفاء المسلمين وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان .. ومن قبورهم يرجعون لهذه الدنيا كما يزعم الشيعة الرافضة ـ للاقتصاص منهم بأخذهم الخلافة من أهلها فتجري عليهم عمليات التعذيب والقتل والصلب.
- ـ عامة الناس، ويخص منهم: من محض الإيمان محضاً، وهم الشيعة عموماً ـ على حد زعمهم ـ ولأن الإيمان خاص بالشيعة كما تتفق على ذلك رواياتهم وأقوال شيوخهم ومن محض الكفر محضاً وهم كل الناس ما عدا المستضعفين . ولهذا قالوا في تعريف الرجعة إنها رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وعودتهم إلى الحياة بعد الموت في صورهم التي كانوا عليها . وقد خالف الشيعة الرافضة علماء أهل البيت ممن سارو على الهدى والحق كتاب الله وسنة رسوله في معتقد الرجعة وعلى رأسهم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجعلوا الرجعة من أصول المذهب الشيعي الرافضي، فمن رواياتهم اختلاقها الرواة الكذبة: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا ، وقال ابن بابويه في الاعتقادات: واعتقادنا في الرجعة أنها حق ، وقال المفيد: واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات ، وقال الطبرسي والحر العاملي، وغيرهما من شيوخ الشيعة: بأنها موضع إجماع الشيعة الإمامية ، وأنها من ضروريات مذهبهم، وأنهم: مأمورون بالإقرار بالتوحيد والنبوة والإمامة والقيامة .
إن فكرة الرجعة عن الشيعة الرفضة بعد الموت مخالفة صريحة لنص القرآن الكريم، وباطلة بدلالة آيات عديدة من كتاب الله سبحانه وتعالى، قالى تعالى: ((قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) (المؤمنون، الآية: 99، 100). فقوله سبحانه ((وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) صريح في نفي الرجعة مطلقاً ، وقال تعالى: ((وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنين * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) (الأنعام، الآية: 27، 28). فهؤلاء جميعاً يسألون الرجوع عند الموت، وعند العرض على الجبار جلا علاه، وعند رؤية النار يجابون، لما سبق من قضائه أنهم لا يرجعون ولذلك عد أهل العلم القول بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت من أشد مراحل الغلو في بدعة التشيع ، وقد مرّ معنا موقف الحسن بن علي من رواية عمرو بن الأصمِّ وقد جاء في مسند أحمد أن عاصم بن ضمرة: وكان من أصحاب علي رضي الله عنه قال للحسن بن علي: إن الشيعة يزعمون أن علياً يرجع. قال الحسن: كذب أولئك الكذابون ولو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه ،والقول بالرجعة بعد الموت على الدنيا لمجازة المسيئين وإثابة المحسنين يتافي طبيعة هذه الدنيا وأنها ليست دار جزاء قال تعالى: ((وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) (آل عمران، الآية: 185). وقد كان لابن سبأ اليهودي دور التأسيس لمبدأ الرجعة، إلا أنها رجعة خاصة بعلي كما أنه ينفي وقوع الموت عليه أصلاً كحال الاثني عشرية مع مهديهم الذي يزعمون وجوده، وعقيدة الرجعة عند الشيعة الإمامية خلاف ما علم من الدين بالضرورة من أنه لا حشر قبل يوم القيامة وأن الله كلما توعد كافراً أو ظالماً إنما توعده بيوم القيامة، كما أنها خلاف الآيات والأحاديث المتواترة المصرحة بأنه لا رجوع إلى الدنيا قبل يوم القيامة . هذا من حيث النقل، وأما من حيث العقل، فإن الله جعل الدنيا دار ابتلاء وجعل الآخرة دار جزاء فلماذا يرجعهم للدنيا ليحاسبهم فيها ومع وجود الآخرة، علماً بأن عذاب الآخرة أعظم وأشد لمن انحرف عن دينه، ولم يحدث أن أرجع الله أحداً من الأموات ليحاسبه في الدنيا في تاريخ البشرية كلها.
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf