ولاية العهد أم ترك الأمر شورى بين المسلمين؟
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الثامنة والأربعون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
مما اتفق الجانبان عليه من الشروط أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن ، وإن معاوية وعد إن حَدَثَ به حدث والحسن حى ليُسَمَّينه وليجعلن الأمر إليه ، ولكن ابن أعثم روى فى هذا الخصوص عن الحسن إنه قال: أما ولاية الأمر من بعده، فما أنا بالراغب فى ذلك ولو أردت هذا الأمر لم أسلمه ، وجاء فى نص الصلح الذى ذكره ابن حجر الهيثمى: ... بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين .
وعند التدقيق فى روايات طلب الحسن الخلافة بعد معاوية، نجد أنها تتنافى مع أنفة وقوة وكرم الحسن، فكيف يتنازل عن الخلافة حقنًا لدماء المسلمين وابتغاء مرضاة الله ثم يوافق على أن يكون تابعًا يتطلب أسباب الدنيا، ويشرئب عنقه للخلافة مرة أخرى، والدليل على أن هذا غير صحيح ما ذكر جبير بن نضير قال: قلت للحسن بن على: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدى يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء مرضاة الله . ومن الملاحظ أن أحدًا من أبناء الصحابة أو الصحابة لم يذكروا خلال بيعة يزيد شيئًا من ذلك، فلو كان الأمر كما تذكر الروايات عن ولاية عهد الحسن بعد معاوية، لاتخذها الحسين بن على رضى الله عنه حجة، ولكن لم نسمع شيئًا من ذلك على الإطلاق مما يؤكد على أن مسألة خلافة الحسن لمعاوية لا أساس لها من الصحة، ولو كان الحسن رضى الله عنه أسند إليه منصب ولاية العهد فى الشروط لكان قريبًا من معاوية فى إدارة الدولة أو تولى أحد الأقاليم الكبرى، لا أن يذهب إلى المدينة وينعزل عن إدارة شئون الحكم، كما أن روح ذلك العصر تشير إلى أن مبدأ اختيار الأمة للحاكم عن طريق الشورى هو الأصل.
- سبُّ أمير المؤمنين على بين معاوية والحسن:
تذكر كتب التاريخ: اشترط الحسن على معاوية ألا يُسبَّ عليٌّ وهو يسمع؛ وكأن الحسن عفا عن سب على رضى الله عنه وهو لا يسمع، ولذلك قال أستاذى وشيخي الدكتور محمد بطاينة: فقد لا تكون هذه القضية بحثت بين الحسن ومعاوية . وقد اتهم الشيعة الروافض معاوية رضى الله عنه بحمل الناس على سب علي ولعنه فوق منابر المساجد، فهذه الدعوة لا أساس لها من الصحة، والذى يقصم الظهر أن الباحثين قد التقطوا هذه الفرية على هوانها دون إخضاعها للنقد والتحليل، حيث صارت عند المتأخرين من المسلمات التى لا مجال لمناقشتها ولم يثبت قط فى رواية صحيحة، ولا يعول على ما جاء فى كتب الدميرى واليعقوبى وأبى الفرج الأصفهانى، علمًا بأن التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء من احترام وتقدير معاوية لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الأطهار، فحكاية لعن علىّ على منابر بنى أمية لا تتفق مع منطق الحوادث، ولا طبيعة المتخاصمين، فإذا رجعنا إلى الكتب التاريخية المعاصرة لبنى أمية، فإننا لا نجد فيها ذكرًا لشىء من ذلك أبدًا .. وإنما نجده فى كتب المتأخرين الذين كتبوا تاريخهم فى عصر بنى العباس بقصد أن يسيئوا إلى سمعة بنى أمية فى نظر الجمهور الإسلامى، وقد كتب ذلك المسعودى الشيعى الرافضى، فى مروج الذهب وغيره من كُتَّاب الشيعة الروافض وقد تسربت تلك الأكذوبة إلى كتب تاريخ أهل السنة ولا يوجد فيها رواية صحيحة صريحة، فهذه دعوة مفتقرة إلى صحة النقل، وسلامة السند من الجرح، والمتن من الاعتراض، ومعلوم وزن مثل هذه الدعوى عند المحققين والباحثين، فكيف بها وقد صدرت من الروافض الحاقدين، ومعاوية -رضى الله عنه- منزه عن مثل هذه التهم، بما ثبت من فضله فى الدين، وكان محمود السيرة فى الأمة، أثنى عليه بعض الصحابة ومدحه خيار التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير .
1 - فعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لما ولاّه الشام: لا تذكروا معاوية إلا بخير .
2 - وعن على رضى الله عنه قال بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل .
3 - وعن ابن عمر أنه قال: ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود من معاوية فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبى عمر -رحمه الله- خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه .
4 - وعن ابن عباس قال: ما رأيت رجلاً كان أخلق بالملك من معاوية ، وفى صحيح البخارى أنه قيل لابن عباس: هل لك فى أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه ، وذُكر عند ابن عباس معاوية، فقال: لله تلاد ابن هند ما أكرم حسبه، وأكرم مقدرته، والله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض ضنّا منه بأحسابنا وحسبه .
5 - وعن عبد الله بن الزبير أنه قال: لله در ابن هند يعنى معاوية إنا كنا لنفرقه ، وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا متعنا به ما دام فى هذا الجبل حجر وأثار إلى أبى قبيس.
6 - وعن الزهرى قال: عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئًا، والآثار عن الصحابة والتابعين وأتباعهم كثيرة وإنما ذكرنا جزءًا منها. كما أثنى على معاوية رضى الله عنه العلماء المحققون فى السير والتاريخ، ونقاد الرجال.
1 - يقول ابن تيمية -رحمه الله-: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك، كان ملكه ملكًا ورحمة . وقال: فلم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية، ولا كان الناس زمان ملك من الملوك خيرًا منهم فى زمان معاوية .
2 - وقال ابن كثير فى ترجمة معاوية رضى الله عنه: وأجمعت الرعايا على بيعته فى سنة إحدى وأربعين .. فلم يزل مستقلاً بالأمر فى هذه المدة إلى هذه السنة التى كانت فيها وفاته، والجهاد فى بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه فى راحة وعدل، وصفح وعفو .
3 - وقال ابن أبى العز الحنفى: وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين .
4 - وقال الذهبى فى ترجمته: أمير المؤمنين ملك الإسلام . وقال: معاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم . وإذا ثبت هذا فى حق معاوية رضى الله عنه فإنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن على رضى الله عنه على المنابر وهو من هو فى الفضل، وهذا يعنى أن أولئك السلف وأهل العلم من بعدهم الذين أثنوا عليه ذلك الثناء البالغ، قد مالؤوه على الظلم والبغى واتفقوا على الضلال ، وهذا من البهتان العظيم لأولئك العلماء من الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم من العلماء الربانيين، ومن علم سيرة معاوية رضى الله عنه فى الملك، وما اشتهر به من الحلم والصفح، وحسن السياسة للرعية ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه، فقد بلغ معاوية رضى الله عنه فى الحلم مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال وإليك بعض الأمثلة:
1 - قال عبد الملك بن مروان وقد ذُكر عنده معاوية: ما رأيت مثله فى حلمه واحتماله وكرمه .
2 - وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أعظم حلمًا، ولا أكثر سؤددًا، ولا أبعد أناة، ولا ألين مخرجًا، ولا أرحب باعًا بالمعروف من معاوية .
3 - ونقل ابن كثير: أن رجلاً أسمع معاوية كلامًا سيئًا شديدًا، فقيل له: لو سطوت عليه؟ فقال: إنى لأستحيي من الله أن يضيق حلمى عن ذنب أحد من رعيتى .
4 - وقال رجل لمعاوية: ما رأيت أنذل منك، فقال معاوية: بلى من واجه الرجال بمثل هذا . فهل يعقل بعد هذا أن يسع حلم معاوية -رضى الله عنه- سفهاء الناس وعامتهم المجاهرين له بالسب والشتائم، وهو أمير المؤمنين، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد على بن أبى طالب رضى الله عنه على المنابر، ويأمر ولاته بذلك فى سائر الأمصار والبلدان -ويبقى هذا السب إلى أن يأتى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فيلغى ذلك- والحكم فى هذا لكل صاحب عقل وفهم ؟!
وأما ما استدل به الروافض على تلك الفرية من صحيح مسلم فليس فيه ما يدل على زعمهم، فعن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبى سفيان سعدًا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثًا قالهن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن أسبه، لأن تكون لى واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم . قال النووى: قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدًا بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب. كأنه يقول: هل امتنعت تورعًا أو خوفًا، أو غير ذلك، فإن كان تورعًا وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعدًا قد كان فى طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه فى رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ ، وقال أبو العباس القرطبي صاحب المفهم معلقًا على وصف ضرار الصُّدائى لعلى رضى الله عنه وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك وتصديقه لضرار فيما قال: وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل على رضى الله عنه، ومنزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد عن معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفًا به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبى وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية، سكن وأذعن، وعرف الحق لمستحقه .
قال الدكتور إبراهيم الرحيلى صاحب الكتاب النفيس القيم الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوى الضال: والذى يظهر لى فى هذا والله أعلم: أن معاوية إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل على رضى الله عنه، فإن معاوية رضى الله عنه كان رجلاً فطنًا ذكيًا، يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد فى على رضى الله عنه، فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير. وهذا مثل قوله رضى الله عنه لابن عباس: أنت على ملة على؟ فقال له ابن عباس: ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فظاهر أن قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما ادعى الروافض من الأمر بالسب فحاشا معاوية رضى الله عنه أن يصدر منه مثل ذلك ، والمانع من هذا عدة أمور:
1 - أن معاوية نفسه ما كان يسب عليًا رضى الله عنه كما تقدم حتى يأمر غيره بسبه، بل كان معظمًا له، معترفًا له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.
أ- قال ابن كثير: وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولانى وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع عليًا أم أنت مثله؟ فقال: والله إنى لأعلم أنه خير منى وأفضل، وأحق بالأمر منى .
ب- ونقل ابن كثير أيضًا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: لما جاء خبر قتل على إلى معاوية جعل يبكى، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم . فهل يسوغ فى عقل ودين أن يسب معاوية عليًا بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد فيه هذا !!
2 - أنه لا يُعرف بنقل صحيح أن معاوية رضى الله عنه تعرض لعلى رضى الله عنه بسب أو شتم أثناء حربه له فى حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.
3 - أن معاوية رضى الله عنه كان رجلاً ذكيًا مشهورًا بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب على -حاشاه ذلك- أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه، وهو من هو فى الشجاعة والفضل والورع، مع عدم دخوله فى الفتنة أصلاً؛ فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيرًا، فكيف بمعاوية.
4 - أن معاوية رضى الله عنه انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن على رضى الله عنه له، واجتمعت عليه الكلمة ودانت له الأمصار بالملك، فأى نفع له فى سب على؟ بل الحكمة وحسن السياسة تقتضى عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية رضى الله عنه الذى شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير.
5 - أنه كان بين معاوية رضى الله عنه بعد استقلاله بالخلافة وأبناء على من الألفة والتقارب، ما هو مشهور فى كتب السير، والتاريخ ، ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتى ألف. وقال لهما: ما أجاز بهما أحد قبلى، فقال له الحسين: ولم تعط أحدًا أفضل منا . ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: مرحبًا وأهلاً بابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر له بثلاثمائة ألف . وهذا مما يقطع الكذب ما يدّعى فى حق معاوية من حمله الناس على سب على، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم. وبهذا يظهر الحق فى هذه المسألة، وتتجلى الحقيقة ، كما أن ذلك المجتمع فى عمومه مقيد بأحكام الشرع حريص على تنفيذها، ولذلك كانوا أبعد الناس على الطعن واللعان والقول الفاحش والبذىء، فعن ابن مسعود -رضى الله عنه- مرفوعًا-: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعّان ولا بالفاحش ولا البذيء . وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سب الأموات المشركين فكيف بمن يسب أولياء الله المصلحين، فعن عائشة رضى الله عنها -مرفوعًا- لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا .
وبعد أن تمّ الصلح تنازل الحسن عن الخلافة، وتمّ بيان ذلك فى حديثنا عن المراحل، وبذلك طويت صفحة من الخلاف والفرقة، واجتمعت الكلمة، وصار معاوية خليفة مجمعًا عليه، قيل: عام أربعين للهجرة ، ولكن ابن إسحاق والواقدى ، وخليفة بن خياط ، يجعلون ذلك عام واحد وأربعين للهجرة ويختلفون فى الشهر الذى وقع فيه الصلح من ذلك العام أهو ربيع الأول أو ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، أو جمادى الآخرة ، ومضى معاوية يقود مسيرة الأمة من غير أن يجعل للفتنة وأحداثها سبيلاً .
- موقف معاوية من قتلة عثمان:
وقد يسأل سائل عما فعل معاوية بقتلة عثمان بعد صيرورة الخلافة إليه؟ ويجيب ابن قتيبة فى عيون الأخبار قائلاً: إن معاوية بن أبى سفيان لما قدم بعد عام الجماعة، دخل دار عثمان بن عفان، فصاحت عائشة بنت عفان بن عثمان وبكت ونادت أباها، فقال معاوية: يا ابنة أخى، إن الناس أعطونا طاعة، وأعطيناهم أمانا، وأظهرنا لهم حلمًا تحته غضب، وأظهروا لنا ذلاًّ تحته حقد، ومع كل إنسان سيفه ويرى موضع أصحابه، فإن نكثناهَم نكثوا بنا، ولا ندرى أعلينا تكون أم لنا، لأن تكونى ابنة عم أمير المؤمنين خيرًا من أن تكونى امرأة من عرض الناس . والذى يعتد به من كلام ابن قتيبة ما جاء عن العهود والمواثيق التى أبرمت بين معاوية والحسن، وقضت بالصلح بين الناس، ووضع الحرب، وحقن الدماء، وعدم تهييج النفوس، وإضافة إلى ذلك فإن السنوات الخمس التى احتضنت المعارك فى الجمل وصفين والنهروان ومصر وغيرها ذهبت بأولئك الذين ترددت أسماؤهم بتهمة قثل عثمان، ومع ذلك فإن مسألة قتل عثمان ظلت حاضرة فى ذهن الخلفاء من بنى أمية ونوابهم فى الأغلب، وأما انتصار بنى أمية لعثمان كان حقيقة لا شبهة فيها . كما أن الصحابة الذين بايعوا معاوية رضى الله عنه جميعًا يستحال أن يرضوا بسب علىٍّ على منابر الدولة الأموية ولا يتكلم منهم أحد أو يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وإليك أسماؤهم:
فقد روى عن الأوزاعى أنه قال: أكدت خلافة معاوية عدة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم سعد، وأسامة وجابر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ومسلمة بت مخلد، وأبو سعيد الخدرى، ورافع بن خديج، وأبو أمامة، وأنس بن مالك، ورجال أكثر مما سميت أضعاف مضاعفة، كانوا مصابيح الهدى، وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله، وأخذوا عن رسول الله تأويله، ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله، منهم، عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز فى أشباه له، لم ينزعوا يده عن مجامعة فى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf