الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

هل الحسن بن علي رضي الله عنه تنازل لمعاوية رضي الله عنه من موقف قوة أو موقف ضعف؟

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: الخمسون

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

تنازل الحسن بن على رضي الله عنه لمعاوية من موقف قوة وهناك دلائل تشير إلى ذلك منها:
1 - الشرعية التى كان يملكها الحسن:
فقد كانت بيعته فى شهر رمضان من سنة 40هـ وذلك بعد استشهاد أمير المؤمنين على رضي الله عنه، وقد اختير الحسن بعده اختيارًا شوريًا وأصبح الخليفة الشرعى على الحجاز واليمن والعراق، وكل الأماكن التى كانت خاضعة لوالده، وقد استمر فى خلافته ستة أشهر، وتلك المدة تدخل ضمن الخلافة الراشدة التى أخبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن مدتها ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا، فقد روى الترمذى بإسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "الخلافة فى أمتى ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك" .
وقد علق ابن كثير على هذا الحديث فقال: إنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن ابن على، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية فى ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه توفى فى ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه ، وبذلك يكون الحسن بن على خامس الخلفاء الراشدين ، وقد تحدث عن شرعية الحسن بالخلافة كثير من علماء أهل السنة منهم، أبو بكر بن العرين ، والقاضى عياض ، وابن كثير ، وشارح الطحاوية ، والمناوي ، وابن حجر الهيثمي ولو أراد الحسن أن يتعب معاوية بحكم أن الشرعية معه لأمكن ذلك، ولرتب حملة إعلامية منظمة فى أوساط أهل الشام، لكسب ثقتهم أو على الأقل زعزعة موقف معاوية بينهم، فقد كان يملك قوة معنوية ونفوذًا روحيًا لا يستهان به بحكم الشرعية التى يستند إليها، ولكونه حفيد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
2 - تقييم الحسن بن على للموقف وقدراته القيادية:
فعندما قال له نفير بن الحضرمى: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدى، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله . فهذه شهادة من الحسن رضي الله عنه، بأنه كان فى وضع قوى، وبأن أتباعه على استعداد لمحاربة من يريد أو مسالمتهم، كما كان رضي الله عنه يملك من الملكات الخطابية والفصاحة البيانية، وصدق العاطفة وقوة التأثير، وقربًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجعله أكثر قوة وتماسكًا، ودليلنا على ذلك ما قام به من استنفار أهل الكوفة للخروج مع والده، وكان أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه قد ثبط الناس ونهاهم عن الخروج والقتال والفتنة وأسمعهم ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التحذير من الاشتراك فى الفتنة ، فقد أرسل على رضي الله عنه قبل الحسن محمد بن أبى بكر، ومحمد بن جعفر ولكنهما لم ينجحا فى مهمتهما، وأرسل على بعد ذلك هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، ففشل فى مهمته لتأثير أبى موسى عليهم ، وأتبعه على بعبد الله بن عباس، فأبطأوا عليه، فأتبعه يعمار بن ياسر والحسن ، وكان للحسن أثر واضح، فقد قام فى الناس خطيبًا وقال: أيها الناس، أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلى إخوانكم، فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أولو النهى ، أمثل فى العاجلة وخير فى العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم، ولبى كثير من أهل الكوفة وخرجوا مع عمار والحسن إلى على ما بين الستة إلى سبعة آلاف رجل ، ولا ننسى أن أبا موسى الأشعرى كان واليًا على الكوفة، ومن قيادات العراق المحبوبين من عهد عمر وهو من هو فى علمه وزهده ومكانته عند الناس، ومع ذلك فقد استطاع الحسن أن يكسب أهل الكوفة لصفه وخرجوا معه.
3 - إن صف الحسن بن على كان يملك من القيادات الكبيرة، كأخيه الحسين، وابن عمه عبد الله بن جعفر، وقيس بن سعد بن عبادة -وهو من دهاة العرب- وعدى بن حازم وغيرهم، فلو أراد الخلافة لأعطى المجال لقياداته للتحرك نحو تعبئة الناس والدخول فى الحرب مع معاوية وعلى الأقل يكون خليفةً على دولته إلى حين.
4 - كانت له قدرات خاصة فى التعامل مع أهل العراق ومعرفة نفوسهم ولذلك زاد لهم فى العطاء منذ بداية خلافته، كما أن مهمته التى قادها فى نجاح مشروعه الإصلاحى كانت أصعب من حربه لمعاوية، ومع ذلك تغلب على الكثير من العوائق التى واجهته، فقد حاولوا قتله، ورفض بعض الناس الصلح، وغير ذلك من العوائق إلا أنه تغلب عليها كلها وحقق الأهداف التى رسمها من حقن الدماء، ووحدة الأمة، وأمن السبيل، وعودة حركة الفتوح .. إلخ مما يدل على قدراته القيادية الفذّة.
5 - تقييم عمرو بن العاص، ومعاوية لقوات الحسن - صلى الله عليه وسلم -: فقد جاء فى البخارى: استقبل والله الحسن بن على معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقاك عمرو ابن العاص: إنى أرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها. فقال معاوية -وكان خير الرجلين- أى عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء مَنْ لى بأمور الناس، من لى بنسائهم، من لى بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس -عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فأعرضا عليه وقولا له، واطلبا إليه .
أ- فعمرو بن العاص رضي الله عنه القائد العسكرى الشهير والسياسي المحنك والذى عركته الحروب يقول: إنى أرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها.
ب- وأما معاوية رضي الله عنه، فتقييمه للموقف العسكرى بأنه لا يستطيع أحد أن ينتصر ويحقق حسمًا عسكريًا إلا بعد خسائر فادحة للطرفين ولا يستطيع معاوية حتى لو كان هو المنتصر أن يتحمل تركة الحزب من أرامل وأيتام وقتل خير المسلمين، وما يترتب على ذلك من مفاسد كبرى اجتماعية وسياسية واقتصادية، وأخلاقية للأمة الإسلامية وغيرها.
ج- ولذلك اختار معاوية رضي الله عنه شخصيتين كبيرتين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أصحاب النفوذ فى المجتمع الإسلامى ولهم حضور واحترام عند الحسن رضي اللهْ عنه وهما من قريش:
* عبد الرحمن بن سمرة ين حبيب بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو سعيد القرشى العبشمى الأمير، أسلم عبد الرحمن يوم الفتح وكان أحد الأشراف، نزل البصرة، وغزا سجستان ، وهو الذى قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها . وله فى مسند بقى بن مخلد أربعة عشر حديثا، وحدث عنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبى ليلى، وحيّان بن عمير، وابن سيرين، والحسن، وأخوه سعيد بن أبي الحسن، وحميد بن هلال، وقيل: كان اسمه عبد كلال، فغيره رسول الثه إلى عبد الرحمن.
مات بالبصرة سنة خمسين، وقيل: توفى سنة إحدى وخمسين ، فعبد الرحمن بن سمرة صحابى جليل مجاهد له مكانته فى ذلك العهد، وشارك فى الفتوحات وتولى إمارة جيوش الفتح فى عهد عثمان وفتح سجستان صلحًا ثم افتتح فيما بعد بست وما يليها، ومضى إلى كابل وزابلستان فافتتحهما جميعًا وبعث بالغنائم إلى ابن عامر رضي الله عنه .
* عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيِّ القرشى العبشمى . ولد فى عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك فى السنة الرابعة من الهجرة ، وعندما اعتمر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - فى السَّنة السابعة للهجرة عمرة القضاء، ودخل مكة، حمل إليه عبد الله بن عامر، قال ابن حجر: .. فتلمَّظ وتثاءب، فتفل رسول الله فى فيه، وقال: هذا ابن السُّلمية؟ قالوا: نعم، فقال: هذا أشبهنا، وجعل يتفل فى فيه، ويعوِّذه فجعل يبتلع ريق النبى - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنَّه لمسقُّى، فكان لا يعالج أرضًا إلا ظهر له الماء . وقد ترجمت له فى كتابى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عند حديثى عن مؤسسة الولاة فى عهد ذى النورين ، وهو الرجل الذى له من الحسنات والمحبة فى قلوب الناس ما لا يُنكر كما يقول ابن تيمية ، وقال فيه الذهبى: وكان من كبار أمراء العرب، وشجعانهم، وأجوادهم، وكان فيه رفق وحلم ، وهو ممن اعتزل القتال فى الجمل وصفين. فالشخصيتان اللتان أرسلهما معاوية رضي الله عنه تدل على حرصه على نجاح الصلح مع الحسن بأى ثمن ممكن، وقد ظل زمام الموقف بيد الحسن بن على رضي الله عنه ويد أنصاره، وكانت جبهته العسكرية قوية كما مرّ معنا فى رواية البخارى والروايات الأخرى، وأما ما تعرض له الحسن رضي الله عنه من محاولة القتل والاعتداء فإنه يعود إلى أسباب تتصل بظروف القتال والصلح مع معاوية، حقيقة أو إشاعة كما مر معنا، وقد هزم المرجفون وقتل الرجل الذى قام بالاعتداء عليه، وتقدم هو من بعد ذلك واجتمع بمعاوية، ولو لم يكن الحسن مرهوب الجانب لما احتاج معاوية إلى أن يفاوضه ويوافق على ما طلب من الشروط والضمانات، ولكان عرف ضعف جائب الحسن وانحلال قوته عن طريق عيونه، ولدخل الكوفة من غير أن يكلف نفسه مفاوضة أحد أو ينزل على شروطه ومطالبه ، وقد كان بمقدور الحسن أن يقاتل معاوية، بمن كان معه من الأنصار والأعوان، ولكن الحسن كان ذا خلق يجنح للسلم ويكره الفتنة وينبذ الفرقة، وقد جمع الله به رأب الصدع وجمع الكلمة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى ذلك فقال: "إن ابنى هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" .
- الحسن والزهد فى الملك:
فالحسن بن على رضي الله عنه قدوة للمسلمين فى الترفع عن حطام الدنيا وطلب ما عند الله تعالى واحتساب الأجر والمثوبة، فالزهد فى المناصب والكراسى من الأمور الثقيلة على النفس البشرية، فالإخوان والأصحاب والأقارب يتقاتلون على الكراسى والمناصب، فانظر إلى التاريخ القديم والحديث ترى العجب العجاب، فالزهد فى الرئاسة أقل ما يكون فى دنيا الناس، وكم من أناس زهدوا فى المال والنساء وغيرها من الأمور، ولكنهم أمام الزعامة والرئاسة والمناصب ينهزمون، فالزهد فى الرياسة أقل ما يكون فى دنيا الناس وقيل بأنه آخر ما ينزع من صدور الصالحين وتأمل مقولة سفيان الثورى، فقد قال: ما رأيت الزهد فى شىء أقل منه فى الرياسة ترى الرجل يزهد فى المطعم والمشرب والمال والثياب، فإن نوزع حامى عليها وعادى .
إياك وحب الرياسة، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء، فتفقد نفسك واعمل بنية، واعلم أنه قد دنى من الناس، أمر يشتهى الرجل أن يموت .
فالحسن بن على يعلمنا كيف نترك المناصب والكراسى إذا كان تركها رضاءً لله، ومصلحة للأمة، وحقنًا لدمائها، وعملاً على توحيدها، ومن الأمور التى تساعدنا على الزهد فى الدنيا قصر الأمل، وذكر الموت وزيارة القبور، وكان الحسن بن على مكتوب على خاتمه:
قدّم لنفسك ما استطعت من التقى ... إن المنية نازل بك يا فتي
أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى ... أحباب قلبك فى المقابر والبلى
لقد كان الحسن بن على من زهاد عصره، ونال فى مقام الزهد القدح المعلى، فقده ترك الدنيا وحطامها واشتغل برضا الله تعالى، وكان له فى ذلك شغل عن طلب المنزلة عند الخلق، ومع هذا فقد أعطاه الله المنزلة فى قلوب الخلق والشرف عندهم، وإن كان لا يريد ذلك ولا يقف معه، بل يهرب منه أشد الهرب خشية أن يقطعه الخلق عن الحق جل جلاله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]. أى فى قلوب عباده، وفى الحديث: "إن الله إذا أحب عبدًا نادى: يا جبريل إنى أحب فلانًا فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض" ، وبكل حال فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف فى الدنيا، وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه، وطلب شرف الدنيا لا يجامع شرف الآخرة، ولا يجتمع معه، والسعيد من آثر الباقى على الفانى، قال أبو الفتح البُستى:
أمران مفترقان لست تراهما ... يتشوقان لخلطة وتلاقى
طلب المعاد مع الرياسة والعُلى ... فدع الذى يفنى لما هو باقى
إن الحسن بن على رضي الله عنه يعلمنا كيف نزهد فى الجاه والسلطان والملك والشهرة ابتغاء مرضاة الله تعالى، فالحسن رضي الله عنه ازداد رفعة وسيادة بتنازله فى الدنيا وأصبح رمزًا لنكران الذات ومعلمًا للإيثار ومدرسة وفخرًا للأمة عبر الأجيال فى تقديمه مصلحة الأمة فى وحدتها وحفظ دمائها على أى مصلحة أخرى، ولقد بلغت شهوة حب الجاه فى قلوب الكثيرين مداها وأصبحوا يتنافسون على بلوغها، ويبذلون من أجلها الأموال والطاقات، ويتحايلون على الوصول إليها بالحيل والخداع ويقدمونها على شهوة حب المال وذلك للأسباب التالية:
1 - لأن التوصل بالجاه إلى المال أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه، فالعالم أو العابد الذى تقرر له جاه فى القلوب لو أراد اكتساب المال لبذل له الناس من أموالهم وأعمالهم ما يحقق له ذلك.
2 - أن المال معرض للتلف أو الزوال ويتطرق إليه الخطر، أما الجاه فإنه إذا دخل القلوب ملكها واستقر فيها فلا تمتد إليه الأخطار إلا إذا حصل ما يغير نظرة الناس إلى صاحب الجاه.
3 - أن ملك القلوب يسرى ويتزايد من غير حاجة إلى تعب ومقاساة، فالناس إذا أعجبوا بشخص أكثروا مدحه والحديث عنه وانتشر صيته بينهم .
وهناك تداخل كبير بين شهوتى حب النفس وحب الجاه، وينتج عن هذا التداخل العقد أمراض نفسمة منها، الرياء، والكبر، والتعالي على الناس والإعجاب بالنفس، وحب الدح بين الناس، الأنانية والشح والحسد، وكثرة الغضب، والذل والمداهنة، وهى فى الحقيقة محرمات قلبية تحتاج لمجاهدة وتربية سلوكية على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما أن من يحرص على بلوغ الجاه عند أهل الدنيا، ويجعل من ذلك شغله الشاغل، فإنه سيبذل لهم من دينه وكرامته لكى ينال ما يطمح إليه، ويذل لهم ليكسب رضاهم ، وفى ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: وكذلك طالب الرياسة والعلو فى الأرض قلبه رقيق لمن يعينه عليها، ولو كان فى الظاهر مقدمهم والمطاع فيهم، فهو فى الحقيقة يرجوهم ويخافهم فهو فى الظاهر رئيس مطاع، وفى الحقيقة عبد مطيع لهم .
وهذا كلام خطير على القيادات الإسلامية أن تستوعبه وتتحرر من رقة القلب ولينه أمام مطالب الجماهير، عندما تكون مطالبهم لا تخدم دين الله وشرعه، فالحسن بن على يعلمنا الاستعلاء بالمبادئ والقيم على حظوظ النفس الخفية، فقد تعرض لهجوم كاسح من بعض أتباعه الذين لا يريدون الصلح مع معاوية، ومع هذا رد عليهم ردًا جميلاً وحاول الارتقاء بهم، وبيَّن لهم دوافعه التى دفعته للتنازل لمعاوية، من حفظ الدماء، ووحدة الأمة، وابتغاء ما عند الله تعالى، ونجح فى قيادة الأمة بأسرها لتحقيق مشروعه العظيم، ولم يتأثر بضغوط القواعد الشعبية، ولا بغيرها، وهكذا القادة الربانيون يفعلون، لقد كان الحسن رضي الله عنه فى صلحه مع معاوية مصيبًا بارًا راشدًا ممدوحًا وليس يجد فى نفسه حرجًا ولا تلومًا ولا ندمًا، بل هو راض بذلك مستبشر به ، وكان رضي الله عنه يرد على منتقديه بأدب جم وحجة ظاهرة، فعندما قال له أبو عامر سفيان بن الليل: السلام عليك يا مُذل المؤمنين، فقال له الحسن: لا تقل هذا يا أبا عامر لست بمُذل المؤمنين، ولكنى كرِهت أن أقتلهم على الملك . وعندما قال لهم: العار خير من النار ، فقول الحسن رضي الله عنه: العار خير من النار يفتح لنا آفاقًا واسعة فى فقه القدوم على الله تعالى، فقد كان رضي الله عنه عاملاً به فى حياته مستوعبًا لأبعاده يظهر ذلك فى سكناته وحركاته واختياراته رضي الله عنه وأرضاه.

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022