الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

هل يصح اتهام معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) بقتل الحسن بن على رضي الله عنه ؟

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: الثانية و الخمسون

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

ذكرت بعض الروايات أن الحسن بن على توفى متأثرًا بالسم الذى وضع له، وقد اتجهت أصابع الاتهام نحو زوجة الحسن: جعدة بنت الأشعث بن قيس أمير كندة، فهذه أم موسى سرية على تتهم جعدة بأنها دست السم للحسن، فاشتكى منه شكاة، فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحوًا من أربعين يوماً ، وهذه رواية إسنادها لا يصح وهى ضعيفة ، وحاول البعض من الإخباريين والرواة أن يوجد علاقة بين البيعة ليزيد ووفاة الحسن، وزعموا أن يزيد بن معاوية أرسل إلى جعدة بنت قيس أن سُمِّى حسنًا فإنى سأتزوجك، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء، فقال: إن والله لم نرضك له أفنرضاك لأنفسنا . وفى سندها يزيد بن عياض، ابن جعدية كذبه مالك وغيره ، وقريب من هذه الرواية جاءت فى مقاتل الطالبين، بإسناده عن أحمد بن عبد الله بن عمار وهو من رؤوس الشيعة . وفى أسانيده أيضًا عيسى بن مهران رافضى كذاب، قال عنه الخطيب من شياطين الرافضة . وذكر البلاذرى بسند عن الهيثم بن عدى أن الذى بعث لها معاوية بمئة ألف هى هند بنت سهيل بن عمرو زوجة الحسن، والهيثم بن عدى كذاب ، وقد شربت هذه الروايات فى كتب السنة بدون تمحيص، مع العلم أن أسانيد تلك الروايات أسانيدها ضعيفة ، وأما كتب الشيعة الرافضة فى اتهام معاوية فى قتل الحسن بالسّم فحدث ولا حرج وليس لهم روايات صحيحة يعتمد عليها والقوم متخصصون فى الكذب والبهتان وإلصاق التهم الباطلة، والروايات الظالمة فى الطعن فى الصحابة وخصوصًا معاوية رضي الله عنه، وقد تحدث العلماء المحققون عن هذه التهمة الباطلة فقالوا:
أ- قال ابن العربى: فإن قيل: دس على الحسن من سمّه، قلنا: هذا محال من وجهين:
أحدهما: أنه ما كان ليتقى من الحسن بأسًا وقد سلَّم الأمر، الثانى: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه، فى زمن متباعد، ولم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدى قوم ذوى أهواء، وفى حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغى، فلا يقبل منها إلا الصافى، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم .
ب- وقال ابن تيمية: وأما قوله: معاوية سمّ الحسين، فهذا مما ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية، أو إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم . وقد جاء عن ابن تيمية فى رده عن اتهام معاوية بسم الحسن وأنه أمر الأشعث بن قيس بتنفيذ هذه الجريمة وكانت ابنته تحت الحسن ما يدل على قدرات ابن تيمية للنقد العلمى القوى للروايات التاريخية حيث قال: وإذا قيل إن معاوية أمر أباها كان هذا ظنًّا محضًا، والنبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" ... ثم إن الأشعث بن قيس مات سنة أربعين وقيل سنة إحدى وأربعين، ولهذا لم يذكر فى الصلح الذى كان بين معاوية والحسن بن على فى العام الذى كان يسمى عام الجماعة وهو عام واحد وأربعين، وكان الأشعث حما الحسن بن على، فلو كان شاهدًا لكان يكون له ذكر فى ذلك، وإذا كان قد مات قبل الحسن بنحو عشر سنين فكيف يكون هو الذى أمر ابنته .
ج- وقال الذهبى: قلت: هذا لا يصلح فمن الذى أطلع عليه .
د- وقال ابن كثير: روى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمى الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟ وعندى أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى .
هـ- وقال ابن خلدون: وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية من ذلك .
و الدكتور جميل المصرى: وقد علق على هذه القضية بقوله: ثم حدث افتعال قضية سم الحسن من قبل معاوية أو يزيد .. ويبدو أن افتعال هذه القضية لم يكن شائعًا آنذاك، لأننا نلمس لها أثرًا فى قضية قيام الحسين، أو حتى عتابًا من الحسين لمعاوية .
وقد ناقش الدكتور خالد الغيث فى كتابه مرويات معاوية فى تاريخ الطبرى الجانب الطبى فى المرويات التى تحدثت عن وفاة الحسن وفيما يلى النصوص الخاصة بالجانب الطبى فى هذه المسألة، فقد أخرج ابن سعد بإسناده، أن الحسن رضي الله عنه، دخل كنيفًا له، ثم خرج فقال: ... والله لقد لفظت الساعة طائفة من كبدى قبل، قلبتها بعود كان معى، وإنى سقيت السم مرارًا فلم أسق مثل هذا ، وأخرج ابن سعد بإسناده، أن الحسن رضي الله عنه قال: إنى سقيت السم غير مرة وإنى لم أسق مثل هذه، إنى لأضع كبدى ، وأخرج ابن سعد بإسناده، قال: كان الحسن بن على سقى السم مرارًا، كل ذلك يفلت منه، حتى كان المرة الأخيرة التى مات فيها، فإنه كان يختلف كبده ، وقد عرضت النصوص المتعلقة بالجانب الطبى فى هذه المسألة على أ. د كمال الدين حسين الطاهر، أجاب بقوله: لم يشتك المريض من أى نزف دموى سائل، مما يرجح عدم إعطائه أى مادة كيميائية (أو سم) ذات قدرة على إحداث تثبيط لعوامل تخثر الدم، فمن المعروف أن بعض الكيميائيات، والسموم، تؤدى إلى النزيف الدموى، وذلك لقدرتها على تثبيط التصنيع الكبدى لبعض العوام المساعدة على تخثر الدم، أو لمضادات تأثيراتها فى عملية التخثر؛ ولذلك فإن تعاطى هذه المواد سيؤدى إلى ظهور نزف دموى فى مناط متعددة من أعضاء الجسم مثل العين، والأنف، والفم والجهاز المعدى -المعوى- يخرج الدم بشكل نزف دبرى سائل، منفردًا أو مخلوطًا مع البراز، ولا يظهر فى شكل جمادات أو قطع دموية، صلبة كانت أو إسفنجية، أو فى شكل قطع من الكبد، ولذلك يستبعد إعطاء ذلك المريض إحدى المواد الكيميائية، أو السموم ذات القدرة على إحداث نزيف دموى ، وعن طبيعة قطع الدم المتجمد التى أشارت الروايات إلى أنها قطع من الكبد يقول: أ. د كمال الدين حسين الطاهر: هنالك بعض أنواع سرطانات، أو أورام الجهاز المعدى المعوى، الثابتة أو المتنقلة عبر الأمعاء، أو بعض السرطانات المخاطية التى تؤدى إلى النزف الدموى المتجمد، المخلوط مع الخلايا وبطانات الجهاز المعدى -المعوى- وقد تخرج بشكل جمادات -قطع من الكبد كما فى الروايات- ولذلك فإنى أرجح أن ذلك المريض قد يكون مصابًا بأحد سرطانات، أو أورام الأمعاء ، وهذا التحليل الطبى اعتمد روايات ضعيفة، وبالتالى يصعب التسليم بالنتيجة التى وصل إليها.
وبالنسبة لسم الحسن رضي الله عنه، فنحن لا ننكر هذا، فإذا ثبت أنه مات مسمومًا فهذه شهادة له وكرامة فى حقه . وأما اتهام معاوية وابنه فهذا لا يثبت من حيث السند، كما مر معنا ومن حيث المتن، وهل جعدة بنت الأشعث بن قيس بحاجة إلى شرف أو مال -كما تذكر الروايات- حتى تسارع لتنفيذ هذه الرغبة من يزيد، وبالتالى تكون زوجة له، أليست جعدة ابنة أمير قبيلة كندة كافة وهو الأشعث بن قيس، ثم أليس زوجها وهو الحسن بن على أفضل الناس شرفًا ورفعة بلا منازعة. إن أمه فاطمة وجده الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكفى به فخرًا، وأبوه على بن أبى طالب أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين، إذًا ما هو الشىء الذى تسعى إليه جعدة وتحصل عليه حتى تنفذ هذا العمل الخطير . إن هناك الكثير الذين هم أعداء للوحدة الإسلامية، وزادهم غيظًا وحنقًا ما قام به الحسن بن على، كما أن قناعتهم قوية بأن وجوده حيًا صمام أمان للأمة، فهو إمام ألفتها، وبالتالى حتى تضطرب الأحداث وتعود الفتن إلى ما كانت عليه فلابد من تصفيته وإزالته، فالمتهم الأول فى نظرى هم السبئيهَ أتباع عبد الله بن سبأ الذين وجه لهم الحسن صفعة قوية عندما تنازل لمعاوية ووضع حدًا للصراع، ثم الخوارج الذين قتلوا أمير المؤمنين على بن أبى طالب وهم الذين طعنوه فى فخذه، فربما أرادوا الانتقام من قتلاهم فى النهروان وغيرها
- رؤية الحسن بن على فى المنام واقتراب أجله:
عن عمران بن عبد الله بن طلحة، قال: رأى الحسن بن على كأن بين عينيه مكتوبًا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فاستبشر به وأهل بيته، فقصوها على سعيد بن المسيب فقال: إن صدقت رؤياه فقلَّ ما بقى من أجله، فما بقى إلا أيامًا .

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022