الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

مختصر عن سيرة عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي؛ من الرجال العظماء الذين عاصروا الحسن بن علي (رضي الله عنهما)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة: التاسعة والثلاثون

رجب 1441 ه/ مارس 2020م

هو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن بن بجير الهزَم بن رُوَيْبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وأخو عبد الله، وكثير، والفضل، وقُتَم، ومعبد، وتمّام .
1 - أولاده وزوجاته:
ولد لعبيد الله بن العباس: محمد وبه كان يكنى، وأمه الفرعة بنت قطن ابن الحارث بن حزن بن بُجير بن الهُزم بن هلال بن عامر، والعباس ، والعالية، تزوجها علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب فولدت له محمد بن على، وفى ولده الخلافة من بنى العباس، وميمونة، وأمهم عائشة بنت عبد بن من مذجح ولبابة وأم محمد، وأمهما عمرة بنت عَريب الحميرى ، وعبد الرحمن وقثم وأمهما أم حكيم بنت قارظ بن خالد الكنانية ، وعبد الله وجعفرًا وأمّ كلثوم وعمرة وأم العباس وأمهم أم ولد .
2 - عمره ورؤيته لرسول الله - صلى بن عليه وسلم -:
كان عبيد بن بن العباس أصغر سنًا من عبد بن بن العباس بسنة ، فكان رسول الله - صلى بن عليه وسلم - قبض وهو ابن اثنتى عشرة سنة، وقد رأى النبى - صلى بن عليه وسلم - وسمع منه ، وقيل له رؤية وله حديث عن النبى -صلى بن عليه وسلم- في سنن النسائى: أن الغميصاء أو الرميصاء أتت النبى -صلى بن عليه وسلم- تشتكى زوجها أنه لا يصل إليها، فلم يلبث أن جاء زوجها، فقال: يا رسول الله هى كاذبة، وهو يصل إليها، ولكنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال رسول الله - صلى بن عليه وسلم -: "ليس ذلك حتى تذوقى عسيلته" وأورده أحمد من طريق هشيم لنفس الإسناد، ورجاله ثقات، إلا أنه ليس بصريح بأن عبيد بن شهد القصة ، وأورده الهيثمى في المجمع مختصرًا عن عبيد بن والفضل بن العباس، وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح ، وقال الذهبى عن حديثه في سن النسائى، حكمه بأنه مرسل وحدث عنه: ابنه عبد الله، عطاء، وابن سيرين، وسليمان بن يسار، وغيرهم، وكان أميرًا، شريفًا جوادًا، مُمدَّحًا .
أ- كان رسول الله يصف عبد الله وعبيد الله وكتيرًا بني العباس:
عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله - صلى بن عليه وسلم - يصُف عبد الله وعبيد الله، وكثيرًا بني العباس، ثم يقول: من سبق إلىَّ فله كذا. فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره فيقبّلهم ويلزمهم .
ب- كان عبيد الله أحب إلى العباس من قثم:
قال عبد الله بن جعفر: لو رأيتنى وقُثمًا وعبيد الله ابنى العباس ونحن صبيان نلعب إذ مر النبى - صلى بن عليه وسلم - على دابة فقال: ارفعوا إلىَّ هذا، فحملنى أمامه. وقال لقُثَم: ارفعوا إليَّ هذا، فحمله وراءه، قال: وكان عبيد الله أحبَّ إلى العباس من قُثَم، فما استحيا من عمه أن حمل قثمًا وترك عبيد الله .
3 - استعمال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على اليمن:
استعمل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عبيد الله بن العباس على اليمن، وأمَّره على الموسم، فحجّ بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين، فلما كانت سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضاً على الموسم، وبعث معاوية في ذلك العام يزيد بن شجرة الرُّهاوي ليقيم الحج، فاجتمعا فسأل كل واحد منهما صاحبه أن يُسلم له، فأبى واصطلحا على أن يصلّى بالناس شيبة بن عثمان، وفي هذا الخبر اختلاف بين أهل السير، منهم من جعله لقُثم بن العباس، وقال خليفة: في عام أربعين بعث معاوية بسُر بن أرطأة العامرى إلى اليمن، وعليها عبيد الله بن العباس، فلم يزل عليها حتى علي رضي الله عنه .
4 - بسر بن أبي أرطأة وحقيقة قصة مقتل ولدي عبيد الله:
تذكر بعض كتب التاريخ بأن عبد الرحمن وقثم ابنا عبيد الله بن العباس قتلهما بسر بن أبي أرطأة باليمن، وقتل أيضاً بعض أنصار علي رضي الله عنهم هناك ثم رجع على الشام، وكان أمير المؤمنين قد وجه جارية بن قدامة السعدى قيل ففعل مثلما فعل بسر وقتل بعض محبي عثمان في اليمن قال ابن كثير: وهذا الخبر مشهور عند أهل السير وفى صحته عندي نظر ، ولا شك أن قتل الأبرياء لم يحصل في تلك المرحلة حتى في أيام البصرة وصفين عندما قامت الحرب بين الطرفين، فكيف يقتل الأطفال والأبرياء في مرحلة الهدنة لذلك لا يمكن قبول هذه الأعراف المناقضة لأعراف المسلمين وقيمهم ودينهم ، كما أن رواية مقتل بسر بن أبي أرطأة للطفلين، ذكرها ابن سعد من طريق الواقدى وهو متروك وذكره الطبرى في تاريخه ، ذكر عن زياد البكائي عن عوانة قال: أرسل معاوية .. وهذا إسناد منقطع على ما في عوانة بن الحكم الأخبارى من كلام ، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب ، قصة قتله لابن عبيد الله بن عباس من طريق هشام الكلبى عن أبي مخنف وهما متروكان ، فأما هشام بن محمد بن السائب الكلبي، اتفقوا على غلوه في التشيع قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟ ما ظننت أحدًا يحدث عنه، وقال الدارقطني: متروك ، وقاك ابن حبان: كان غاليًا في التشيع ، وقال ابن عساكر: رافضى ليس بثقة ، وقال الذهبى: الرافضي النسابة . وأما أبو مخنف، لوط بن يحيى، قال عنه ابن عدى: شيعى محترق، صاحب أخبارهم ، وعده ابن تيمية في الشيعة وقال عنه: متروك كذاب ، ولم يذكر قتل بسر لشيعة على باليمن أو الحجاز المؤرخ الثقة خليفة بن خياط في تاريخه ، وطبقاته ، وإنما ذكر خبر بعث معاوية له للاستيلاء على اليمن والحجاز وكذلك البخارى في الكبير ، والحاكم في المستدرك ، ولا يصح أبدًا قتل بسر بن أبي أرطأة العامرى لابنى عبيد الله باليمن، ويرى أهل الشام بأن بسر ابن أبي أرطأة سمع من النبى -صلى الله عليه وسلم-، وهو أحد الذين بعثهم عمر بن الخطاب مددًا إلى عمرو بن العاص لفتح مصر، على اختلاف فيه، فيمن ذكره فيهم، قال: كانوا أربعة: الزبير، وعمير بن وهب، وخارجة بن حذافة، وبسر بن أرطأة، والأكثرون يقولون: الزبير، والمقداد، وعمير بن وهب، وخارجة بن حذافة وهو أولى بالصواب ، ولبسر بن أرطأة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- حديثان: أحدهما: لا تقطع الأيدي في المغازى والثانى: في الدعاء: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة" . وأمام البحث النزيه لا يصح مقتل ولدى عبيد الله بن العباس على يدى بسر بن أبي أرطأة العامرى، وما ترويه كتب التاريخ والأدب في الشعر المنسوب إلى عائشة بنت عبد الله والدة الطفلين من شعر ليس له أساس من الصحة، حيث زعموا أنها قالت:
ها من أحسن با بنيَّ اللذين هما ... كالدُّرتين تشظَّى عنهما الصَّدَف
ها من أحسن با بنىَّ اللذين هما ... سمعى وعقلى فقلبى اليوم مُختطف
حدّثتُ بسرًا وما صدّقتُ ما زعموا ... من ميلهم ومن الإثم الذي اقترفوا
أنحى على ودجى ابنى مرهفة ... مشحوذة وكذاك الإثم يُقتَرفُ
فزعموا أنها وسوست، فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر، وتهيم على وجهها ، وكذلك الشعر المنسوب لعبيد الله بن العباس ليس له أساس من الصحة، فقد ذكر المؤرخون بأنه دخل على معاوية في خلافته وبعد حديث أنشأ عبيد الله بن عباس يقول:
يا بن صخر وابن حربٍ تبيّن ... من تقيسون بعبد المطلب
من إذا رأت قريش وجهه ... عظموا المرء وخرّوا للركب
صاحب الفيل وساقي زمزم ... ثمت الفدية رأس في العرب
وهدى آخرنا آخركم ... فيه الملك لكم أجرى الحقب
إن بُسرا قتل ابنيَّ وما ... بين بُسر وبنى فهر نسب
فاقتل العبدَ بفرخي هاشم ... إنّ هذا من بواء العجب
اجعل الفضة فينا ذهبًا ... ونضار القوم فينا كالغرب
لا يقرّ العين إلاّ قتل من ... سبب القتل وللقتل سبب
ذاك ما ذاك ابن حرب إنه ... قُطب الشّر وللشرّ قطب
وزعموا أن معاوية رضي الله عنه رد عليه في أبيات منها:
إن بسُرا قتل ابنيك على ... غير جُرم قاطعًا منك النّسب
أنزل بن ببسر بأسه ... وعلى بسُر من الله الغضب
اضرب العبد على يا فوخه ... ضربة تذهب منه ما ذهب
في مقيل الدهر من ضعف به ... ليس هذا من مناف بعجب
5 - قول عبيد الله: والله لهو أسخى منا وأجود وإنما أعطيناه بعض ما نملك وجاد هو علينا وآثرنا على مهجة نفسه وولده :
خرج عبيد الله بن العباس في سفر له، ومعه مولى له، حتى إذا كانا في بعض الطريق رفع لهما بيت أعرابي، قال: فقال لمولاه: لو أنّا مضعيفًا -وجدنا من يضيفنا- فنزلنا بهذا البيت وبتنا به؟ قال: فمضى، وكان عبيد الله رجلاً جميلاً جهيرًا، فلما رآه الأعرابي أعظمه وقال لامرأته: لقد نزل بنا رجل شريف، وأنزله الأعرابي، ثم إن الأعرابي أتى امرأته فقال: هل من عشاء لضيفنا هذا؟ فقالت: لا، إلا هذه السُّوَيمة التى حياة ابنتك من لبنها. قال: لابد من ذبحها، قالت: أفتقتل ابنتك؟ قال: وإن! قال: ثم إنه أخذ الشاة والشفرة وجعل يقول:
يا جارتى لا توقظي البُنيَّة ... إن توقظيها تنتحب عَليَّه
وتنزع الشفَّرة من يديَّه ثم ذبح الشاة، وهيّأ منها طعامًا، ثم أتى به عبيد الله ومولاه، فعشاهما وعبيد الله يسمع كلام الأعرابى لامرأته ومحاورتهما، فلما أصبح عبيد الله قال لمولاه: هل معك شيء؟ قال: نعم، خمسمائة دينار فضلت من نفقتنا. قال: ادفعها إلى الأعرابي. قال: سبحان الله! أتعطيه خمسمائة دينار وإنما ذبح لك شاة ثمنها خمسة دراهم؟ قال: ويحك! والله لهو أسخى منّا وأجود، إنما أعطيناه بعض ما نملك، وجاد هو علينا وآثرنا على مهجة نفسه وولده. قال: فبلغ ذلك معاوية، فقال: لله درُّ عبيد الله! من أي بيضة خرج؟ ومن أي عش درج ؟ وجاء في رواية: عبيد بن معلم الجود، وهو والله كما قال الحطيئة:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنى ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وإن كانت النِّعمى عليهم جزوا بها ... وإن أنعموا لا كدّروها ولأكدُّوا
6 - بين عبد الله بن جعفر والحسن بن على وعبيد بن بن العباس رضي الله عنهم:
قال أبو الزناد: قيل: أى هؤلاء الثلاثة أسخى: عبد الله بن جعفر، أو الحسن بن على، أو عبيد الله بن العباس؟ فقال: ما رأينا أعطى الجزيل من الحسن، وما رأينا أحدًا أعطى الجزيل وغير الجزيل من عبد الله بن جعفر، وما مررنا بأبيات عبيد الله ابن العباس في ساعة قط إلا رأينا عنده قوتًا رطبًا، قال: وكان ينحر كل يوم جزورًا في مجزرته وبه سميت مجزرة ابن عباس، قال: فقلت الجزُر حتى بلغت خمسة عشر دينارًا وعشرين دينارًا، فعاتبه عبد الله بن جعفر على ذلك وقال: لا يقوم لهذا مال، فقال: والله لا أدع ذلك أبدًا .
7 - ضيوف جاءوا لبيت عبيد الله بدون موعد:
أراد رجل بالمدينة أن يسوء عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، ويضارّ به، فجعل يأتي وجوه أهل المدينة فيقول: قال لكم عبيد الله بن العباس: تغدّوا عندي، فجاء الناس حتى ملأوا عليه الدار، وعبيد بن غافل، فقال: ما شأن الناس؟ قال: جاءهم رسولك أن يتغدّوا عندك، فعلم ما أريد به، فأمر بالباب فأغلق، وأرسل إلى السوق في أنواع الفاكهة، وذكر الأُترجّ ، والعسل والموز فشغلهم، وأمر بالأطعمة فطبخت وشُويت فلم يفرغوا من الفاكهة حتى أتوا بالطعام حتى صدورا عنه. فقال عبيد الله: أموجود هذا كلمّا شئت؟ فقالوا: نعم، قال: ما أبالى من أتانى .
8 - امرأه أصيبت بنيها:
قدمت امرأة إلى البصرة في سنة شهباء ومعها ابنان لها، فلم يأت عليها الحول حتى دفنتهما فقعدت بين قبريهما فقالت:
فلله عيناي اللذّان نراهما ... قريبين منّى والمزار بعيد
هما تركا عينيّ لا ماء فيهما ... وشكّا سواد القلب، فهو عميد

مقيمان بالبيداء لا يبرحانها ... ولا يسألان الرّكب: أين يريد؟
فقيل لها: لو أتيت عبيد الله بن العباس فقصصت عليه القصة فأتته، فقالت له: يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنى أصبحت لا عند قريب يحميني، ولا عند عشيرة تؤوينى، وإني سألت عن المرجى سببه، المأمول نائله: المعطى سائله، فأُرشدت إليك، فاعمل بي واحدة من ثلاث: إما أن تقيم أودى، أو تحسن صلتى، أو تردّ بى إلى أهلى، فقال عبيد الله: كلّ يفعل بك .
9 - الجمال والفقه والسخاء في دار العباس:
ذكر أبو العباس أحمد الطبرى المكي في كتابه تراجم آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى .. وكان يقال:
من أراد الجمال والفقه والسخاء
فليأت دار العباس، الجمال للفضل، والفقه لعبد الله، والسخاء لعبيد الله .
10 - خيرا الدنيا والآخرة في دار ابن عباس:
دخل أعرابى دار العباس بن عبد المطلب وفى جانبها عبد الله بن عباس لايرجع في شيء يُسأل عنه، وفى الجانب الآخر عبيد الله بن العباس يطعم كل مندخل، فقال الأعرابى: من أراد الدنيا والآخرة فعليه بدار العباس بن عبده المطلب،هذا يفتى ويفقّه الناس، وهذا يُطعم الطعام ، وعن مصعب بن عبد الله، قال:
بعض أهل العلم: كان عبد الله يوسعهم علمًا، وكان عبيد الله يوسعهم طعامًا ،
وكان عبيد الله يتجر .
11 - حكيم المعضلات وتيار الفرات:
كان عبد الله بن عباس يسُمّى حكيم المعضلات، وكان عبيد الله يسمى تيار الفرات، وكان يطعم كل يوم، فقال له أبوه: يا بُنى مالك تغدّي ولا تعشي؟ إذا غدّيت فعشِّ، فقال عبيد بن لغلام له: يا بُنىّ انحر غدوة وانحر عشية .
12 - ما قيل في جوده من شعر:
كان معاوية يقول: إن عبيد الله بن عباس علّم قريشًا الجود، وكان عبيد الله أجود العرب وقد قال فيه شاعر من قريش:
وعلمها عبيد الله ما لم ... تكن تأتيه من شيم الكرام
وورثها مكارم ثابتات ... نفى عنها بها لوم اللئام
وصية هاشم وبنى أبيه ... قُصى والهمام بن الهمام
13 - صيامه يوم عرفة:
عن عبد الله بن عباس، أنه دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام، فقال: إنى صائم. فقال: إنكم أئمة يُقتدى بكم، قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب .
14 - طلبه للعلم:
قيل لعبيد الله بن العباس: لم تطلب العلم؟ قال: إذا نشطت فهو لذتى، وإذا اغتممت فسلوتى .
15 - إحسانه لعجوز وأولادها الثلاثة:
مر عبيد الله بن العباس بقرب عجور لها أولاد، فأكرمتهم وأحسنت وفادتهم، فأراد عبيد الله أن يصلح من شأنهم ويحسن إليهم، فلما اجتمعوا عند عبيد الله أدناهم من مجلسه، وقال: إنى لم أبعث إليكم ولا إلى أمكم لما تكرهون، قالوا: فما بعد هذا؟ قال: أحب أن أصلح من أمركم، وألمُّ من شعثكم، قالوا: إنّ هذا قلّ ما يكون إلا عن سؤال أو مكافأة لفعل قديم، قال: ما هو لشيء من ذلك، ولكن جاورتكم في هذه الليلة، وخطر ببالي أن أضع بعض مالى فما يحب الله عز وجل، قالوا: يا هذا، إن الذي يحب الله لا يحب لنا إن كنا في خفض من العيش، وكفاف من الرزق، فإن كنت هذا أردت فوجهه نحو من يستحقه، وإن كنت أردت النوال مبتدئًا لم يتقدمه سؤال فمعروفك مشكور، وبرك مقبول، فأمر لهم عبيد الله بعشرة آلاف درهم، وعشرين ناقة، وحول أثقاله إلى البغال والدواب، وقال: ما ظننت أن في العرب والعجم من يشبه هذه العجوز وهؤلاء الفتيان، فقالت العجوز لفتيانها: ليقل كل واحد منكم شيئًا من الشعر في هذا الشريف، ولعلى أن أعينكم فقال الكبير:
شهدتُ عليك بطيب الكلام ... وطيب الفعال وطيب الخبر
وقال الأوسط:
تبرعت بالجود قبل السؤال ... فعال كريم عظيم الخطر
وقال الأصغر:
وحق لمن كان ذا فعلة ... بأن يسترق رقاب البشر
وقالت العجوز:
فعمرك الله من ما جد ... ووقيت سوء الردى والحدر
16 - وفاته:
اختلف في تحديد سنة وفاته على عدة أقوال: قال البخارى والفسوى : مات زمن معاوية ، وقال خليفة ، وغيره: سنة ثمان وخمسين ، وقال أبو عبيد، وأبو حسان الزيادى: مات سنة سبع وثمانين ، وقيل: توفى أيام يزيد وهو الأكثر، وكان موته بالمدينة وقيل: باليمن والأول أصح ، ولنا في وفاة إخوة عبيد الله عبرة وذكرى لأصحاب القلوب الحية، فعبد الله بن عباس دفن بالطائف، واستشهد معبد بأفريقية، واستشهد قثم بسمرقند ، وعبيد الله بالمدينة وكلهم أبناء أب واحد وأم واحدة قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]

يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022