مختصر سيرة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه): من الرجال العظماء الذين عاصروا الحسن بن علي (رضي الله عنهما)
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة: الأربعون
رجب 1441 ه/ مارس 2020م
هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، السيد العالم، أبو جعفر القرشى الهاشمي، الحبشي المولد، المدنى الدار، الجواد بن الجواد ذي الجناحين ، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث لأمها، ولدت عبد الله بن جعفر بالحبشة وهو أول من ولد لها من المسلمين ، وولدت هناك، محمدًا وعونًا ، ثم ولد للنجاشى بعد ما ولدت أسماء ابنها عبد الله بأيام ابنٌ، فأرسل إلى جعفر، ما سميت ابنك؟ قال: عبد الله فسمى النجاشى ابنه عبد الله، وأخذته أسماء بنت عميس، فأرضعته حتى فطمته بلبن عبد الله بن جعفر، ونزلت أسماء بذلك عندهم منزلة، فكان من أسلم من الحبشة يأتي أسماء بعد فيخبرها خبرهم ، وقد تزوجت أسماء بعد استشهاد جعفر، أبا بكر الصديق، فولدت محمدًا ثم تزوجها على فولدت له يحيى، فيكون عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر الصديق، ويحى بن على بن أبي طالب رضى الله عنهم لأمهم ، ويعتبر عبد الله بن جعفر آخر من رأى النبى - صلى الله عليه وسلم - من بنى هاشم وفاة .
1 - أولاده وأزواجه:
ولد لعبد الله بن جعفر، جعفر الأكبر وبه كان يكنى، وأمه الأُميَّة وتكنى أم عمرو بنت خراش العبسية ، وعلى وعون الأكبر، ومحمد وعباس، وأم كلثوم وأمهم زينب بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وحسين درج، وعون وعون الأصغر قُتِلا مع الحسين بن علي لا بقيه له ، وأمهما جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة بن عوف من بنى فزارة ، وأبو بكر وعبيد بن، ومحمدًا، وأمهم الخوصاء بنت خصفة بن ثقف بن عابدين بن عدى بن الحارث بن تيم بن بن ثعلبة بن بكر بن وائل وصالح لا بقية له، ويحيى وهارون لا بقية لهما، وموسى لا بقية له وجعفر وأم أبيها وأم محمد، وأمهم ليلى بنت مسعود بن خالد، وحميد والحسن لأم ولد، وجعفر، وأبو سعيد، وأمهما أم الحسن بنت كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، ومعاوية وإسحاق وقثم لا بقية له، وأم عون لأمهات أولاد شتى .
2 - مجيء جعفر بن أبي طالب بأسرته من الحبشة إلى المدينة:
قدم جعفر بن أبي طالب وصحبه من مهاجرى الحبشهَ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح خيبر ومعه زوجته أسماء وأولاده عبد الله، وعون ومحمد، وفرح لقدومه رسول الله فرحًا عظيمًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أرسل في طلبهم من النجاشي، عمرو بن أمية الضمرى، فحملهم في سفينتين ووافق قدومهم عليه يوم فتح خيبر، وقد رافق جعفر أبو موسى الأشعرى ومن بصحبته من الأشعريين، فعن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: بلغنا مخرج النبى - صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم، إما قال: في بضع، وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومى، فركبنا السفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشى بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا جميعًا، فوافقنا النبى -صلى الله عليه وسلم- حين افتتح خيبر .
3 - لكم أنتم أهل السفينة هجرتان:
فعن أبي موسى: ... كان أناس يقولون لنا: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبى - صلى الله عليه وسلم - زائرة -وكانت هاجرت إلى النجاشى فيمن هاجر- فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء ابنة عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم! قال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم، فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله ورسول الله، وأيم الله لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاءت النبى -صلى الله عليه وسلم- قالت: كذا وكذا. قال: "ليس بأحق بى منكم -له وأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم-أهل السفينة- هجرتان" ، فأخذت أسماء والدة عبد الله بن جعفر هذا الوسام ووزعته على جميع أعضاء الوفد حيث كانوا ، كما قالت: يأتونى أرسالاً يسألوننى عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في نفوسهم مما قال لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أشركهم النبى - صلى الله عليه وسلم - مغازم خيبر بعد أن استأذن من الصحابة رضي الله عنهم الذين شاركوا في فتحها .
4 - استشهاد جعفر بن أبي طالب في مؤتة:
عن يحيى بن أبي يعلى، سمعت عبد الله بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمى فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسى ورأس أخي، وعيناه تُهْرقان الدموع حتى تقطر لحيته، ثم قال: اللهم إن جعفرًا قد قدم إلى أحسن الثواب، فاخلُفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدًا من عبادك في ذريته، ثم قال: يا أسماء: ألا أبشرك؟ قالت: بلى بأبى أنت وأمى، قال: إن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة. قالت: بأبى أنت وأمى يا رسول الله، فأعلم الناس بذلك، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ بيدى يمسح رأسى حتى رقا على المنبر، وأجلسنى أمامه على الدرجة السفلى، والحزن يعرف عليه، فتكلم فقال: "ألا إن جعفرًا قد استشهد، وقد جُعل له جناحان يطير بهما في الجنّة"، ثم نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بيته وأدخلنى معه، وأمر بطعام فصنع لأهلى، وأرسل إلى أخى فتغدينا عنده والله غداء طيبًا مباركًا، عمَدت سلمى خادمه إلى شعير فطحنته ثم نسّفته ، ثم أنضجته .. فتغديت أنا وأخى معه .
5 - لا تبكوا أخى بعد اليوم:
قال عبد الله بن جعفر: إن النبى - صلى الله عليه وسلم - أتاهم بعد ما أخبرهم بقتل جعفر بعد ثلاثة، فقال: لا تبكوا أخى بعد اليوم ثم قال: ائتونى ببنى أخى، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلاق فأمره، فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خَلقي وخُلُقى، ثم أخذ بيدى، فأشالها. ثم قال: "اللهم اخلف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقته"، قال: فجاءت أُمُّنَا، فذكرت يتمنا. فقال: "العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة؟ " . معنى العيلة: الفقر.
6 - حمل النبى - صلى الله عليه وسلم - له على دابته:
عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبى -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر تُلُقى بالصبيان من أهل بيته قال: وإنه قدم من سفر فسبق بى إليه قال: فحملنى بين يديه. قال: ثم أُتى بأحد ابنى فاطمة -إما الحسن وإما الحسين- فأردفه خلفه. قال: فدخلنا المدينة تلاثة على الدابة
7 - دعاء النبى - صلى الله عليه وسلم - له:
عن عمرو بن حريث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بعبد الله بن جعفر وهو يلعب مع الغلمان أو الصبيان فقال: "اللهم بارك لعبد الله في بيعته أو في صفقته" ، وعن عبد الله بن جعفر: أن رسول الله مسح على رأسه ثلاثًا كلما مسح قال: "اللهم اخلف جعفرًا في ولده" .
8 - ذكر بيعته للنبى - صلى الله عليه وسلم -:
عن هشام بن عروة عن أبيه: عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر بايعا النبى - صلى الله عليه وسلم - وهما ابنا سبع سنين، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رآهما تبسم وبسط يده فبايعهما ، والصحيح أن عبد الله بن الزبير ولد عام الهجرة .
9 - تفقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبناء جعفر:
قال جابر بن عبد الله: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال لأسماء بنت عميس: "ما شأن أجسام بنى أخى ضارعة أتصيبهم حاجة؟ " قالت: لا، ولكن تسرع إليهم العين ، أفأرقيهم؟ قال: وبماذا؟ فعرضت عليه فقال: "ارقيهم" ومعنى ضارعة: الضارع: النحيف الضاوى الجسم.
10 - علمتنى أسماء شيئًا أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقوله عند الكرب:
عن عبد الله بن جعفر، قال: علمتنى أسماء بنت عميس شيئًا أمرها رسول الله أن تقوله عند الكرب: "الله الله ربي لا أشرك به شيئًا" .
11 - شكوى الجمل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم خلفه، فأسرَّ إلى حديثًا لا أحدث به أحدًا أبدًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب ما أستتر به في حاجته هدفًا ، أو حائش نخل -زاد يزيد بن هارون في هذا الحديث بهذا الإسناد-، فدخل يومًا حائطًَا من حيطان الأنصار -يعنى النبى - صلى الله عليه وسلم-- فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سَرَاته ، وذفراه ، فسكن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صاحب هذا الجمل؟ " فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله. قال: "أما تتقى الله في هذه البهيمة التى ملككها الله، إنه شكا إلي إنك تُجيعه وتدئبه" .
هذا وكان عمره عشر سنين عند موت النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ثبت صحبته لرسول الله وروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أحاديث وروى عن أمه أسماء بنت عميس، وعمه على ابن أبي طالب، وروى عنه بنوه، إسماعيل وإسحاق، ومعاوية، ومحمد بن على ابن الحسين، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مُليكة، وعبد الله بن شداد بن الهاد، والشعبى، وعباس بن سهل بن سعد، ومورق العجلى، وخالد بن سارة، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي رافع الفهمى .
12 - سلام ابن عمر على عبد الله بن جعفر:
قال الشعبى: كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر، قال: السلام عليك يا ابن ذى الجناحين .
13 - حرص أمير المؤمنين عليٍّ على تعليم عبد الله بن جعفر:
عن عبد الله بن شداد، أن عليًا قال لعبد الله بن جعفر -رضي الله عنه-: ألا أعلمك كلمات لم أعلمهن حسنًا ولا حسينًا، إذا سألت الله مسألة فأردت أن تنجح ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم ، وقد صاحب عبد الله بن جعفر عمه على رضي الله عنهم، وكان أحد أمرائه يوم صفين .
يمكنكم تحميل كتاب: خامس الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين
الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - شخصيته وعصره
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book06.pdf