إلى العمل (2)
الحلقة الثالثة والثلاثون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
ربيع الآخر 1443 هــ / نوفمبر 2021
الصاحب الصديق:
يواصل النبي صلى الله عليه وسلم رحلته بعد خوف وعناء حتى ينزل قول الله عز وجل، فيما يتعلق بأبي بكر الصدِّيق: ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]. فقد كان أبو بكر رضي الله عنه تارة يمشي أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة خلفه، وتارة عن يمينه، وتارة عن يساره، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا يَا أبَا بَكْرٍ؟ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ فِعَالِكَ». فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك؛ لا آمن عليك.
الفعل البشري والفعل الإلهي:
إذًا: ثمة فرق كبير بين الإسراء والهجرة، فحادثة الهجرة حادثة بشرية، بجهد وتكليف، وليست أمرًا من أمر الغيب كحادثة الإسراء والمعراج، إنها تعبد بالفعل والأخذ بالأسباب؛ فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وعينه تدمع، ووقف بالحَزْوَرَة حيث ما يسمى اليوم سوق الليل تقريبًا، والتفت إلى الكعبة وإلى مكة التي كانت مدينة صغيرة يحضنها هذا الجبل، فقال: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْـرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنـِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». وخرج إلى المدينة وعَزَّاه ربه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ [القصص: 85]. أي: سوف تعود إلى مكة مرة أخرى كما خرجت منها، وهكذا كان ووقع ما أخبره به ربه عز وجل في فتح مكة سنة ثمان من الهجرة.
ثمة فرق هائل وكبير بين الحادثتين يجب أن نتأمله ونتدبره؛ ففي حادثة الإسراء يأتي البُراق دون أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم جهد، فما هي إلا لحظات حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بل إلى السماوات العلا، أما في حادثة الهجرة فكانت ابتلاءً وتكليفًا، ولهذا خطط النبي صلى الله عليه وسلم ورتب، وأعد وأسر، واستخدم كل الإمكانيات العقلية والبشرية والمادية الممكنة حتى تمت حادثة الهجرة على أفضل حال.
إن هذا المعنى العظيم يلهمنا أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي الجديرة بالتأمل، أما أن نكتفي بأن نستمع إلى سيرته الجميلة العطرة في المجالس والمناسبات، ونطرب لها فإن هذا وحده لا يكفي.
إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مُذكَّرة تفسيرية لتطبيق الإسلام وتنفيذ قيمه، وزراعة الفعل الصحيح والنظر الصحيح عند كل المؤمنين بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي
http://alsallabi.com/books/7