الأحد

1446-06-21

|

2024-12-22

تفاصيل يوم أغواث: اليوم الثاني من أيام معركة القادسية؛ خطط، بطولات، ومكائد

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة الثانية والسبعون

كان يوم أغواث هو اليوم الثَّاني من أيام القادسيَّة، وفي ليلة هذا اليوم قدمت طليعة جيش الشَّام يقودهم القعقاع بن عمرو التَّميمي، وقد كان أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ قد أمر أمير الشام أبا عبيدة بإِعادة جيش خالد بن الوليد إِلى العراق مدداً للمسلمين في القادسية، فأعادهم، وأبقى خالداً عنده لحاجته إِليه، وولَّى على هذا الجيش هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص ابن أخي سعدٍ، وكان هذا الجيش تسعة الاف حين قدم من العراق إِلى الشَّام بقيادة خالد بن الوليد، وعاد منهم إِلى العراق ستة الاف، وقد ولَّى هاشم بن عتبة القعقاع بن عمرو على المقدِّمة، وعددهم ألف مجاهد.
أ ـ مواقف بطوليَّةٌ للقعقاع بن عمرو:
أسرع القعقاع بمقدِّمته حتَّى قدم بهم على جيش القادسيَّة صبيحة يوم أغواث، وكان أثناء قدومه قد فكَّر بعملٍ يرفع به من معنويَّة المسلمين، فقسم جيشه إِلى مئة قسمٍ، كلُّ قسمٍ مكون من عشرة، وأمرهم بأن يقدموا تباعاً كلَّما غاب منهم عشرةٌ عن مدى إِدراك البصر؛ سرحوا خلفهم عشرة، قدم هو في العشرة الأوائل، وصاروا يقدمون تباعاً، كلَّما سرَّح القعقاع بصره في الأفق، فأبصر طائفةً منهم كبَّر، فكبَّر المسلمون، ونشطوا في قتال أعدائهم، وهذه خطَّةٌ حربيَّة ناجحةٌ لرفع معنوية المقاتلين، فإِنَّ وصول ألفٍ لا يعني مدداً كبيراً لجيش يبلغ ثلاثين ألفاً، ولكن هذا الابتكار الَّذي هدى الله القعقاع إِليه قد عوَّض نقص هذا المدد بما قوَّى به عزيمة المسلمين، وقد بشَّرهم بقدوم الجنود بقوله: يا أيَّها النَّاس إِنِّي قد جئتكم في قومٍ، والله إن لو كانوا بمكانكم ثمَّ أحسُّوكم؛ حسدوكم حُظوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع، فتقدَّم، ثمَّ نادى: من يبارز ؟ فقالوا فيه بقول أبي بكرٍ: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا، وسكنوا إِليه، فخرج إِليه ذو الحاجب، فقال له القعقاع: من أنت ؟ فقال: أنا بهمن جاذويه. وهنا تذكَّر القعقاع مصيبة المسلمين الكبرى يوم الجسر على يد هذا القائد، فأخذته حميَّته الإِسلاميَّة، فنادى، وقال: يا لثارات أبي عبيد، وسليط، وأصحاب الجسر ! ولا بدَّ: أنَّ هذا القائد الفارسي بالرَّغم ممَّا اشتهر به من الشَّجاعة قد انخلع قلبه من هذا النِّداء، فلقد قال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ عن القعقاع: لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجلٍ، فكيف سيثبت له رجلٌ مهما كان في الشَّجاعة، وثبات القلب ؟ ولذلك لم يمهله القعقاع أن أوقعه أمام جنده قتيلاً، فكان لقتله بهذه الصُّورة أثرٌ كبير في زعزعة الفرس، ورفع معنوية المسلمين؛ لأنَّه كان قائداً لعشرين ألف مقاتل من الفرس. ثمَّ نادى القعقاع مرَّة أخرى من يبارز ؟ فخرج إِليه رجلان أحدهم البيرزان، والاخر البندوان، فانضم إِلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث أخو بني تيم الَّلات، فبارز القعقاع بيرزان، فقتله القعقاع، وبارز ابن ظبيان بندوان وهو من أبطال الفرس فقلته ابن ظبيان.
وهكذا قضى القعقاع، في أول النَّهار على قائدين من قادة الفرس الخمسة، ولا شكَّ: أنَّ ذلك أوقع الفرس في الحيرة، والاضطراب، وساهم ذلك في تدمير معنويات أفراد الجيش الفارسي، والتحم الفُرْسان من الفريقين، وجعل القعقاع يقول: يا معشر المسلمين ! باشروهم بالسُّيوف فإِنَّه يحصد بها، فتواصى النَّاس بها، وأسرعوا إِليهم بذلك، فاجتلدوا بها حتى المساء، وذكر الرُّواة: أنَّ القعقاع حمل يومئذٍ ثلاثين حملة، كلَّما طلعت قطعةٌ؛ حمل حملةً، وأصاب فيها، وجعل يقول:
أُزْعِجُهُمْ عَمْداً بها إِزْعَاجَا أَطْعَنُ طَعْناً صَائِباً ثَجَّاجَا
أَرْجُو بِهِ مِنْ جَنَّةٍ أَفْوَاجَا وكان اخر من قتل بزرجمهر الهمذاني وقال في ذلك القعقاع:
حَبَوْتُهُ جَيَّاشةً بالنَّفْسِ هدَّارَةً مِثْلَ شُعَاعِ الشَّمْسِ
فِي يَوْمِ أَغْوَاثٍ فَلِيلُ الفُرْسِ أنخُسُ في القَوْمِ أَشَدَّ النَّخْسِ
حتَّى تَفِيْضَ مَعْشَرِي وَنَفْسي ب ـ علباء بن جحش العجليُّ.. انتثرت أمعاؤه في المعركة:
وبرز رجل من المجوس أمام صفوف بكر بن وائل فنادى: مَنْ يبارز ؟ فخرج له علباء بن جحش العجلي، فنفحه علباء في صدره وشق رئته، ونفحه الاخر فأصابه في بطنه وانتثرت أمعاؤه، وسقطا معاً إِلى الأرض، أمَّا المجوسيُّ؛ فمات من ساعته، وأمَّا علباء فلم يستطع القيام، وحاول أن يعيد أمعاءه إِلى مكانها، فلم يتأتَّ له، ومرَّ به رجلٌ من المسلمين، فقال له علباء: يا هذا ! أعني على بطني، فأدخل له أمعاءه فأخذ بصفاقيه، ثمَّ زحف نحو صفِّ العجم دون أن يتلفَّت إِلى المسلمين وراءه، فأدركه الموت على ثلاثين ذراعاً من مصرعه، وهو يقول:
أَرْجُو بِهَا مِنْ رَبِّنَا ثَوَابا قَدْ كُنْتُ مِمَّنْ أَحْسَنَ الضِّرَابَا
ب.ـ الأعرف بن الأعلم العقيلي:
خرج رجلٌ من أهل فارس ينادي: من يبارز ؟ فبرز له الأعرف بن الأعلم العقيلي، فقتله، ثمَّ برز له اخر، فقتله، وأحاطت به فوارس منهم، فصرعوه، وندر سلاحه عنه، فأخذوه، فغبَّر في وجوههم بالتُّراب حتَّى رجع إِلى أصحابه.
ت ـ مواقف فدائيَّة لأبناء الخنساء الأربعة:
كان لأبناء الخنساء الأربعة مواقف فدائيَّة في ذلك اليوم، قد اندفعوا إِلى القتال بحماسٍ، وقال كلُّ واحدٍ منهم شعراً حماسيّاً يقوِّي به نفسه، وإِخوانه، فقال أوَّلهم:
يَا إِخْوَتِي إِنَّ العَجُوْزَ النَّاصِحَهْ قَدْ نَصَحَتْنَا إِذْ دَعَتْنَا البَارِحَهْ
مَقَالَةً ذَاتَ بَيَانٍ وَاضِحَهْ فَبَاكِرُوا الْحَرْبَ الضَّرُوْسَ الكَالِحَهْ
وَإِنَّما تَلْقَوْنَ عِنْدَ الصَّائِحَهْ مِنْ الِ سَاسَان الكِلاَبَ النَّابِحَهْ
قَدْ أَيْقَنُوا مِنْكُمْ بِوَقَعِ الجَائِحَهْ وَأَنْتُمُ بَيْنَ حَيَاةٍ وَحَيَاةٍ صَالِحَهْ
وتقدَّم، فقاتل حتَّى قُتل. فحمل الثَّاني وهو يقول:
إِنَّ العَجُوْزَ ذَاتَ حَزْمٍ وَجَلَدْ وَالنَّظَرِ الأوفقِ والرَّأي السَّدَدْ
قَدْ أَمَرَتْنَا بِالسَّدَادِ والرَّشَدْ نَصِيْحَةً مِنْهَا وَبرّاً بالْوَلَدْ
فَبَاكِرُوا الْحَرْبَ حُمَاةً في العَدَدْ إِمَّا لِفَوْزٍ بَارِدٍ عَلَى الْكَبِدْ
أَوْ مِيْتَةٍ تُوْرِثُكُمْ عزَّ الأبدْ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ وَالْعَيْشِ الرَّغَدْ
وقاتل حتَّى استشهد. وحمل الثَّالث وهو يقول:
وَاللهِ لاَ نَعْصِي العَجُوْزَ حَرْفَا قَدْ أَمَرَتْنَا حَدَباً وَعَطْفَا
نُصْحَاً وَبِرّاً صَادِقاً وَلُطْفا فَبَادِرُوا الْحَرْبَ الضَّرُوس زَحْفَا
حَتَّى تَلُفُّوْا الَ كِسْرَى لَفَّا أَوْ يَكْشِفُوْكُمْ عَنْ حِمَاكُمْ كَشْفَا
إِنَّا نَرَى التَّقْصِيْرَ عَنْكُمْ ضَعْفَا وَالْقَتْلَ فِيْكُمْ نَجْدَةً وَزُلْفى
وقاتل حتَّى استشهد. وحمل الرَّابع وهو يقول:
لَسْتُ لِخْنَسَاءَ وَلاَ لِلأَخْرَمِ وَلاَ لِعَمْرٍو ذِي السَّنَاء الأَقْدَمِ
إِنْ لَمْ أرِدْ فِي الْجَيْشِ جَيْشِ الأَعْجَمِ مَاضٍ عَلَى الهَوْلِ خِضَمٍّ خَضْرمِ
إِمَّا لِفَوْزٍ عَاجِلٍ وَمَغْنَمِ أَوْ لِوَفَاةٍ في السَّبِيْلِ الأَكْرَمِ
فقاتل حتَّى استشهد، وبلغ الخنساء خبر بنيها الأربعة، فقالت: الحمد لله الَّذي شرَّفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقرِّ رحمته!
ج. مكيدة قعقاعيَّةٌ بالغةُ التَّأثير على الفرس:
في هذا اليوم يوم أغواث قام القعقاع بن عمرو وبنو عمِّه من تميم بمكيدةٍ قعقاعيَّة بالغة التَّأثير على الفرس، وذلك: أنَّه لما علم بما فعلته الفيلة بخيول المسلمين قام هو وقومه بتوفيق من الله تعالى بتهيئة الإِبل لتظهر في مظهر مخيفٍ يُنَفِّر الخيول، فألبسوها، وجلَّلوها، ووضعوا لها البراقع في وجوهها، وحملوا عليها المشاة، وأحاطوها بالخيول لحمايتها، وهجموا بها على خيول الفرس، ففعلوا بهم يوم أغواث كما فعلوا بالمسلمين يوم أرماث، فجعلت تلك الإِبل لا تصمد لقليلٍ، ولا لكثيرٍ إِلا نفَّرت بهم خيلهم، وركبتهُم خيولُ المسلمين، فلمَّا رأى ذلك النَّاس استنُّوا بهم، فلقي الفرس من الإِبل يوم أغواث أعظم ممَّا لقي المسلمون من الفيلة يوم أرماث.
وهكذا نجد أنَّ المسلمين الأوائل يتفوَّقون على أعدائهم في الابتكار الحربيِّ، فالفرس أنهكوا المسلمين في اليوم الأول بسبب استخدام الفيلة، وما دام المسلمون لا يملكون الفيلة؛ فليخترعوا ممَّا يملكون من الإِبل ما يكيدون به الأعداء، فكانت هذه الحيلة الحربيَّة الممتازة الَّتي أخافت خيول الأعداء، فنفرت بمن عليها من الفرسان، وهكذا يجب أن يكون المسلمون متفوِّقين في مجال الإِعداد المادِّي بعد تفوُّقهم في الإِعداد الرُّوحيِّ.
د ـ أبو محجن الثَّقفي في قلب المعركة:
استمرَّ القتال يوم أغواث إِلى منتصف اللَّيل، وسمِّيت تلك اللَّيلة ليلة السَّواد، ثم وقف القتال بعد أن تحاجز الفريقان، وكان لوقف القتال منفعةٌ كبيرةٌ للمسلمين، حيث كانوا ينقلون شهداءهم إِلى مقرِّ دفنهم في وادي مُشرِّق، وينقلون الجرحى إِلى العُذَيب حيث تقوم النِّساء بتمريضهم، ولقد شارك في القتال في هذه اللَّيلة لأوَّل مرَّة أبو محجن الثَّقفي، وكان أبو محجن قد حُبس وقُيِّد، فهو في القصر، فصعد حين أمسى إِلى سعدٍ يستعفيه، ويستقيله، فزبره، وردَّه، فنزل، فأتى سلْمى بنت خَصَفَة، فقال: يا سلمى ! يا بنت ال خَصَفَة ! هل لك إِلى خير ؟ قالت: وما ذاك ؟ قال: تخلِّين عنِّي، وتُعيرينني البلقاء، فلله عليَّ إِن سلَّمني الله؛ أن أرجع إِليك حتَّى أضع رجلي في قَيْدي. فقالت: وما أنا وذاك ! فرجع يرسف في قيوده، ويقول:
كَفَى حَزَناً أن تَرْدِيَ الخيلُ بالقَنَا وَأُتْرَكَ مَشْدُوداً عَلَيَّ وِثَاقِيَا
إِذَا قُمْتُ عنَّانِي الحديدُ، وأُغْلِقَتْ مَصَارِعُ دُوْنِي قد تُصِمُّ المُنَادِيَا
وَقَدْ كُنْتُ ذَا مَالٍ كَثِيْرٍ وَإِخْوَةٍ فَقَدْ تَرَكُوْنِي واحداً لاَ أَخَا لِيَا
وَاللهِ عَهْدٌ لاَ أَخِيْسُ بِعَهْدِهِ لَئِنْ فُرِجَتْ ألا أَزوْرَ الحَوَانِيَا
فقالت سَلْمى: إِنِّي استخرت الله، ورضيت بعهدك، فأطلقته، وقالت: أمَّا الفَرَس؛ فلا أعيرها، وَرَجعت إِلى بيتها، فاقتادها، فأخرجها من باب القصر الَّذي يلي الخندق فركبها، ثمَّ دبَّ عليها، حتَّى إِذا كان بحيال الميمنة كبَّر، ثمَّ حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه، وسلاحه بين الصَّفَّين، فقالوا: بسرجها، وقال سعيد، والقاسم: عُرْياً، ثمَّ رجع من خلف المسلمين إِلى الميسرة فكبَّر، وحمل على ميمنة القوم يلعب بين الصَفَّين برمحه وسلاحه، ثمَّ رجع من خلف المسلمين إِلى القلب، فنذر أمام النَّاس، فحمل على القوم يلعب بين الصَّفين برمحه، وسلاحه، وكان يقصف النَّاس ليلتئذٍ قصفاً منكراً، وتعجَّب النَّاس منه، وهم لا يعرفونه ولم يروه من النَّهار، فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه، وجعل سعد يقول وهو مشرفٌ على النَّاس مُكِبٌّ من فوق القصر: والله لولا محبس أبي مِحْجَن؛ لقلت: هذا أبو محجن، وهذه البلقاء، وتعدَّدت الأقوال، فلمَّا انتصف اللَّيل حاجز أهل فارس، وتراجع المسلمون، وأقبل أبو محْجن حتَّى دخل من حيث خرج، وأعاد رجليه في قيديه، وقال:
لَقَدْ عَلِمَتْ ثَقِيفٌ غَيْرَ فخر بأنَّا نَحْنُ أكرَمُهُمْ سُيُوفَا
وأكثَرُهُم دُرُوعاً سَابِغَاتٍ وَأَصْبَرُهُمْ إِذَا كَرِهوا الوُقُوفَا
وَأنَّا وَفْدُهُمْ فِي كُلِّ يومٍ فَإِنْ عَمِيُوا فَسَلْ بِهِمُ عَرِيفَا
وَلَيْلَةَ قَادِسٍ لَمْ يَشْعُرُوا بي وَلَمْ أُشْعِرْ بِمَخْرَجي الزُّحُوفَا
فَإِنْ أُحْبَسْ فَذَلِكُمُ بَلائي وإِنْ أُتْركْ أُذِيقُهُم الحُتُوفَا
فقالت له سلمى: يا أبا محْجَن ! في أيِّ شيءٍ حبسك هذا الرَّجل ؟ قال: أما والله ما حبسني بحرامٍ أكلته، ولا شربته ! ولكنِّي كنت صاحب شرابٍ في الجاهلية، وأنا امرؤٌ شاعرٌ يدبُّ الشِّعر على لساني، يبعثه على شفتي أحياناً، فيساء لذلك ثنائي، ولذلك حبسني، قلت:
إِذا مِتُّ فادْفنِّي إِلى أصل كَرْمَةٍ تُرَوِّي عظامي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا
وَلاَ تَدْفِنَنِّي بِالفَلاَةِ فَإِنَّنِي أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ ألا أَذُوْقَهَا
وَتُرْوى بِخَمْرِ الحُصِّ لَحْدِي فَإِنَّنِي أَسِيْرُ لَهَا مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ أَسْوقُهَا
فلمَّا أصبحت سلمى أخبرت سعد بن أبي وقاص عن خبرها، وخبر أبي محجن، فدعا به، فأطلقه، وقال: اذهب فما أنا مؤاخذك بشيءٍ تقوله حتَّى تفعله، قال: لا جرم لا أجيب لساني إِلى صفة قبيحٍ أبداً.

ه ـ خطة قعقاعيَّة في النِّصف الأخير من ليلة السَّواد:
من أبرز ما جرى من نصف ليلة السَّواد الأخير: أنَّ القعقاع بن عمرو اغتنم الفرصة في التَّخطيط لخطةٍ يرفع بها من معنويات المسلمين في يومهم القادم، فلقد أمر أتباعه بأن يتسلَّلوا سرّاً ثمَّ يقدمون في النَّهار تباعاً على فرقٍ، كلُّ فرقةٍ مئة مقاتل، وقال لهم: إِذا طلعت لكم الشَّمس؛ فأقبلوا مئةً مئةً، كلَّما توارى عنكم مئةٌ؛ فليتبعها مئةٌ، فإِن جاء هاشم فذاك، وإِلا جدَّدتم للناس رجاءً وجِدّاً، فلمَّا ذرَّ قرن الشَّمس والقعقاع يلاحظ الخيل، وطلعت نواصيها كبَّر، وكبَّر الناس، وقالوا: جاء المدد، وقد تأسَّى به أخوه عاصم بن عمرو، فأمر قومه أن يصنعوا مثل ذلك، فأقبلوا من جهة (خفَّان)، فما جاء اخر أصحاب القعقاع حتَّى انتهى إِليهم هاشم بن عتبة في سبعمئةٍ من جيش الشَّام، فأخبروه برأي القعقاع، وما صنع في يوميه، فعبَّأ أصحابه سبعين سبعين، فلمَّا جاء اخر أصحاب القعقاع خرج هاشم في سبعين معه.
وهنا يلاحظ الباحث تواضع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فلقد قبل الأخذ بالرأي الأمثل في التَّخطيط الحربي، فصنع بتفريق جيشه كما صنع القعقاع بن عمرو، ولم يمنعه اعتبار النَّفس، والمنصب من أن يأخذ برأي قائدٍ من قوَّاده، بل كان رجلاً من الرِّجال الَّذين تخرَّجوا في مدرسة التَّربية النبويَّة، فأصبحوا يُلغون ذواتهم ومصالحهم الخاصَّة في سبيل مصلحة الإِسلام، ومصلحة المسلمين العامَّة، وهذا من أهم أسباب نجاحهم في إِقامة الدَّولة الإِسلاميَّة الكبرى، والقضاء على قوى العالم آنذاك.

للاطلاع على النسخة الأصلية للكتاب راجع الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي، وهذا الرابط:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/Book172(1).pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022