الخميس

1446-03-16

|

2024-9-19

تأملات في الآية الكريمة {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 279

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شوال 1444ه/ مايو 2023م

 

يعود السّياق القرآني مرة أخرى لبيان أهمية إقامة الصلاة، واحتفاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بها فيقول:

1. {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}:

{رَبِّ}: ويكرر هنا الاستعطاف والتذلل لله عزّ وجل للفظة {رَبِّ} هذه اللفظة التي تزيّن بداية كل آية، وكأنها مصباح يضيء الطريق أو يتيح الفرصة للمضيء - فيما سيرد من دعاء بعد ذلك - . (1)

إنَّه النداء والدعاء إلى الله تعالى بوصف أنه ربّه الذي كونه وخلقه ورزقه، وهو المتصرف في حياته والمالك له والمدير لشؤونه يستغيث به ليعينه على طاعته.

وفي قوله: {اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ}: يطلب العون من الله على إقامة الصلاة فربه الذي غذّاه في بدنه وعموم أحواله وحاجاته البدنية، وأن يعينه على غذائه الروحي بعد غذائه الجسدي، أي صبرني وحولني ووجهني إلى أن أكون مقيم الصلاة، أي مؤدياً لها أداءً مقوماً مستقيماً كاملاً، بأن تكون أركانها الحسية مستوفاة، ومنها الخشوع والخضوع المطلق والصلاة رمز إلى القيام بحق الدين كاملاً من غير التواء. (2)

إنَّ إبراهيم عليه السلام يطلب من المولى عزّ وجل أن يكون مقيماً للصلاة رغم كونه نبياً، وهذا منهج تربوي عالٍ ولا شكَّ، فالمؤمن يجب ألا يغتر بنفسه ويزكيها بل عليه أن يتحرى الدّقة والصّواب في كل أعماله وأقواله.(3)

وفي قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}:لم يكتف بالدعاء لنفسه، بل أضاف إلى ذلك الدعاء لذريته، ولكن أشار إلى أنه سيكون من ذريته من لا يشكر الله تعالى ومن يعصيه ولذا قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} و"مِنْ" هنا للتبعيض، أي اجعل من ذريتي مقيم الصلاة؛ ليكون حبل العبادة متصلاً إلى يوم القيامة لا ينقطع التوحيد وإقامة شعائره، بل تتصل إلى يوم القيامة ومن ذريته قائمون على الحق يهتدون بهديه ويسيرون في طريق الحق، وهو الطريق المستقيم.(4)

 

2. {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}

أي: تقبل دعائي وعبادتي وطاعتي وهو أدب رفيع مع الله تعالى يدعوه ويتذلل إليه، ثم يسأله أن يتقبله بفضله وكرمه وقد ظهر مثل هذا الأدب أيضاً في دعائه عليه السلام مع ولده إسماعيل عندما كانا يرفعان قواعه بيت الله الحرام: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ]البقرة:127[.(5)

‌أ- قول الطبري في تفسير الآية:

{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}: ربنا وتقبل عملي الذي أعمله لك وعبادتي إياك وهذا نظير الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: إنَّ الدعاء هو العبادة(6)، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ]غافر:60[.(7)

‌ب- قول الشوكاني في تفسير الآية:

{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}: ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم، ويدخل في ذلك دعاؤه في هذا المقام دخولاً أولياً قيل: والمراد بالدعاء هنا: العبادة فيكون المعنى: وتقبل عبادتي التي أعيدك بها.( 8 )

 

مراجع الحلقة التاسعة والسبعون بعد المائتين:

(1) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص241.

(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (8/4044).

(3) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص241.

(4) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (8/4044).

(5) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (4/332).

(6) مسند أحمد، (4/ 267، 271)، وسنن الترمذي، رقم (2969)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

(7) تفسير تفسير الطبري "جامع البيان في تأويل القرآن"، (13/235).

(8) فتح القدير، الشوكاني، (3/161).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://www.alsallabi.com/salabibooksOnePage/27


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022