تقسيم القدر إلى خير وشر
مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة الحادية عشر
لابدَّ من البيان أن تقسيم القدر إلى خير وشر، إنما هو بإضافته إلى الناس والمخلوقات، أما بالنسبة لله عز وجل، فالقدر كله خير وحكمة وعدل ورحمة من الله سبحانه الذي قضى بتقدير المصائب والبلايا وكل ما يكرهه الإنسان لحكم كثيرة من أبرزها:
1ــ الابتلاء لعباده:
واختبارهم وتمحيص الإيمان في قلوبهم وزيادة درجاتهم وثوابهم إذا صبروا، قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: 35] ، والمقصود بالفتنة هنا الاختبار وقال سبحانه: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2-3].
2ــ التربية والتأديب:
والجزاء المعجل لكي يثوب الإنسان إلى رشده، ويرجع عن خطئه (1)، قال تعالى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [النحل: 34].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة (2).
ما يصيب الإنسان إن كان يسره فهو نعمة بينة، وإن يسوؤه فهو نعمة، لأنه يكفر خطاياه، ويثاب عليه بالصبر .
ومن جهة ففيه حكمة ورحمة لا يعلمها العبد، قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216]، وكلتا النعمتين تحتاج مع الشكر إلى صبر (3).
والمقصود أن الله تعالى منعم بهذا كله، وإن كان لا يظهر في الابتداء لأكثر الناس، فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون (4). وفي بيان قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: 79]. نلاحظ: فرّق سبحانه وتعالى بين الحسنات التي هي النعم، وبين السيئات التي هي المصائب، فجعل هذه من الله وهذه من نفس الإنسان، لأن الحسنة مضافة إلى الله، إذ هو أحسن بها من كل وجه. أما السيئة فهو إنما يخلقها لحكمة، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه فإن الرب لا يفعل سيئة قط بل فعله كله حسن وخير (5).
----------------------------------------------
مراجع الحلقة الحادية عشر:
(1) منهج الإسلام في تزكية النفس (1 / 152) .
(2) سنن الترمذي رقم 2396 حديث حسن غريب.
(3) مجموع الفتاوى (8/ 209 ـ 210) .
(4) منهج الإسلام في تزكية النفس (1/ 153) .
(5) المصدر نفسه (1/ 154) .
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: