السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

"فهم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لعقيدة القضاء والقدر"

مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"

لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي

الحلقة التاسعة

كان أمر العقائد في عهد الخلفاء الراشدين ـ رضوان الله عليهم ـ على ما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلامة العقيدة، والتسليم لله ورسوله في كل أمر وعدم الجدال والخوض فيما خاض فيه من بعدهم، وبالنسبة لعقيدة القضاء والقدر، كان موقف الصحابة والتابعين التسليم والإيمان به على الوجه الحق، كما بينه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يبدر منهم شيء إلا كما بدر من بعضهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسرعان ما يزول الالتباس بالإيمان القوي بعد البيان والإيضاح (1).

خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة إلى الشام، ومعه جمهور المهاجرين والأنصار حتى قدم دمشق فوقع بالشام طاعون فخاف عمر أن يقدم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشار الصحابة في ذلك ممن معه من المهاجرين والأنصار ومن كان بالشام فقيهاً، فاختلفوا عليه حتى جاء عبد الرحمن بن عوف فروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بأرض قوم فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً. فحمد الله عمر ثم انصرف فخطبهم على باب الجابية، ليقص عليهم ويعرفهم سبب انصرافهم فقال في خطبته كما انزل الله في كتابه وأمر رسوله استفتاح الخطيب بها:

من يضلل الله فلا هادي له، ومن يهدي فلا مضل له.

فقال جاثليق النصارى: إن الله لا يضل أحداً مرتين أو ثلاثاً فأنكر الصحابة ذلك عليه مرتين:

فقال عمر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقول؟

قالوا: يا أمير المؤمنين يزعم أن الله لا يضل أحداً.

فقال عمر: كذبت، بل الله خلقك والله أضلك ثم يميتك فيدخلك النار إن شاء الله أما والله لولا عهد لك لضربت عنقك.

وتفرق الناس وما يختلف في القدر اثنان (2).

وعن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بَسْرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة وأصحابه، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمر: ادع المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم فأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام فاختلفوا في الأمر، فقال بعضهم: خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه.

وقال آخرون: إن معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء.

فقال عمر: ارفعوا عني.

ثم قال: ادع الأنصار فدعوا، فدعوهم له، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، فاختلفوا كاختلافهم.

فقال: ارتفعوا عني.

ثم قال: ادع لي من هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوا له، فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم رجلان قالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء.

فأذن عمر بالناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه.

قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أفراراً من قدر الله؟

قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة: نعم نفر من قدر الله عز وجل إلى قدر الله أرأيت لو كان لك إبل فهبطت بها وادياً له عدوتان " أحداهما " خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟

قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته فقال: إن عندي من هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه، قال فحمد الله ثم انصرف (3).

وقال أبو عثمان النهدي سمعت عمر بن الخطاب ـ وهو يطوف بالبيت ـ يقول: اللهم إن كنت كتبتني في السعادة فاثبتني فيها وإن كنت كتبتني على الشقوة فامحني منها واثبتني في السعادة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب (4) .

----------------------------------------------

مراجع الحلقة التاسعة:

(1) شرح أصول واعتقاد أهل السنة للالكائي (4 / 734) .

(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة (4 / 726) .

(3) البخاري رقم 5729 ، 5730.

(4) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 735) .

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/648


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022