الأحد

1446-06-28

|

2024-12-29

"القول في نهي الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الخوض في القدر "

مختارات من كتاب "الإيمان بالقدر"

لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي

الحلقة الثامنة

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: "وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، قال: فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم (1) .

وعن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذكر أصحابي فامسكوا، وإذا ذكرت النجوم فامسكوا، وإذا ذكر القدر فامسكوا (2).

ورى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما تنازعوا في القدر: "عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه (3)، وقد اختلف العلماء في توجيه هذه الأحاديث:

أ - فبعضهم رأى ثبوتها، واستدل بها على وجوب الوقف على الخوض والكلام في القدر، وقال: إن هذا أحسن المذاهب لمن آثر الخلاص والسلامة (4).

ب ـ وبعضهم رد هذه الأحاديث، وقال: إن أسانيدها كلها لا تخلو من مقال، فهي إذن ضعيفة لا يحتج بها (5).

جـ ـ والذي نرجحه أنها ثابتة، وأقل ما فيها أنها حسنة، لأن لها طرقاً يقوي بعضها بعضاً، وحينئذ فالجواب عنها كما يلي:

1. إن المنهي عنه إنما هو الخوض فيها بالباطل، وذلك بالخوض في كل ما يتعلق بالقدر، ومحاولة معرفة وجه الحق فيه عن طريق العقل القاصر، ولا شك أن هذا لا يجوز.

2. والقدر ركن من أركان الإسلام، وقد وردت فيه الآيات والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يأتي النهي عن الكلام فيه؟، هذا دليل على أن النهي إنما هو منصب على الخوض فيه على وجه التنازع والاعتراض على الله تعالى لا وجه المعرفة الصادقة من الأدلة الصحيحة.

3. وفي الأحاديث نفسها ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله: "إذا ذكر أصحابي فامسكوا" فهل معناه الإمساك عن ذكر الصحابة وفضائلهم وجهادهم؟ أم أن النهي منصب على شئ معين؟ وهو الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وعما شجر بينهم رضوان الله عليهم جميعاً وكذلك يقال في القدر.

4. نهى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة عن التنازع في القدر، وهذا حق؟ لأن التنازع مظنة الاختلاف، وهذا داعٍ إلى القول فيه بغير الحق، وهو منهي عنه، وإلا فالقدر من أركان الإيمان، ولا بد من معرفة هذا الركن بالتفصيل كما جاء في الكتاب والسنة وأقوال السلف، حتى يتحقق الإيمان، وحتى يثمر ثماره المرجوة.

5. علماء السلف ذكروا القدر، وبحثوا فيه، بل ألفوا رسائل وكتباً مستقلة، هل معناه أنهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانت ترد حوله بعض الإشكالات، ألا يجب بيان الحق للناس حتى لا يضلوا؟ وحتى لا يكونوا على بصيرة من أمر دينهم؟

6. أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر لله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز، لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحكمه العظيمة، ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه وينبغي شرحه وإيضاحه للناس، إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها (6).

----------------------------------------------

مراجع الحلقة الثامنة:

() رواه ابن ماجة في المقدمة رقم 85، وحسنه محقق جامع الأصول.

(2) مجمع الزوائد (7 / 202) ، صححه الألباني في الصحيح الجامع.

(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 34.

(4) القضاء والقدر د. عبد الرحمن المحمود ص 25.

(5) المصدر نفسه ص 25.

(6) القضاء والقدر د. عبد الرحمن المحمود ص 27.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022