من ثمار الإيمان بالقدر: الرضا والقناعة بما قسم الله ...
مختارات من كتاب " الإيمان بالقدر "
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة الخامسة والخمسون
من ثمار الإيمان بالقدر: رضا المؤمن بما قسم الله، وقناعته بما رزق الله، وهذا بثمر ثمرات طيبة في نفسية المؤمن وحياته.
أولها: غنى النفس، فمن الناس من لو أوتي وادياً من ذهب لابتغى ثانياً، ولو أوتي ثانياً، ولو أُوتي ثانياً لتمنى ثالثاً، ومثله كجهنم يقال لها: هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟
والغنى الحقيقي ليس إلا غنى النفس الذي قال عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة الغرض، إنما الغنى عن النفس" (1). وقال صلى الله عليه وسلم: " ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" (2).
وقال الشاعر:
إن الغنى هو الغنى بنفسه ولو أنه عار المناكب حاف
ما كل ما فوق البسيطة كافياً وإذا قنعت فبعض شئ كاف
ولا يعرف هذا الغنى النفسي إلا من رضى بما قسمه الله، وقنع به.
والثاني: الإجمال في الطلب: فهو يسعى في رزقه، ويكدح في حياته، ولكن بإجمال واعتدال، وليس كأولئك الذين يلهثون أثناء النهار والليل مكدودي الأجسام، مشتتي القلوب، مهمومي النفوس، لا يشعرون بهدوء بال، ولا براحة نفس، ولا بإطمئنان فكر، فإن حصلوا على المزيد إزدادوا لهثاً وهما إن أخفقوا امتلئوا نكداً وغماً (3)، وفي الحديث إن روح القدس نفث في روعي: أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب (4).
وثالثها: ألا يتطلّع إلى ما ليس في وسعه وليس من شأنه، ويرضى بما وهب الله له مما لا يستطيع تغييره وفي حدود ما قدر له يجب أن يكون نشاطه وطموحه، فلا يعيش متمنياً ما لا يتيسر له، متطلعاً إلى ما وهب لغيره ولم يوهب له، وذلك كتمني الشيخ أن يكون له قوة الشباب، وتطلع المرأة الدميمة إلى الحسناء في غيرة وحسد، ونظرة الشاب القصير إلى الرجل الطويل في حسرة وتلهف، وطموح البدوي الذي يعيش في أرض فقراء بطبيعتها إلى رفاهية الحياة وأسباب النعيم، وكما حدث في عهد الرسول حين تمنى النساء أن يكن لهن ما للرجال، فأنزل الله: "وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ" (النساء : 23) (5).
إن الإيمان بالقدر يبعث إلى القناعة وعزة النفس والإجمال في الطلب وترك التكالب على الدنيا والتحرر من رق المخلوقين وقطع الطمع مما في أيديهم، والتوجه بالقلب إلى رب العالمين، وهذا أسمى فلاحه ورأس نجاحه، قال الشاعر:
أفادتني القنـــــــــاعة كل عز وهل عز أعز من القناعة
فصيرها لنفسك رأس مال وصير بعدها التقوى بضاعة
تجز ربحاً وتغنى عن بخيل وتنعم في الجنان بصبر ساعة (6)
---------------------------------------------
مراجع الحلقة الخامسة والخمسون:
() اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان رقم 624.
(2) صحيح الجامع الصغير رقم 100.
(3) الإيمان بالقدر، للقرضاوي ص 93.
(4) صحيح الجامع الصغير رقم 2085.
(5) الإيمان بالقدر، للقرضاوي ص 94.
(6) الوسطية في القرآن الكريم، للمؤلف ص 343.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: