من ثمار الإيمان بالقدر: الصبر عند نزول المصائب
مختارات من كتاب " الإيمان بالقدر "
لمؤلفه الشيخ الدكتور علي محمد الصلّابي
الحلقة الرابعة والخمسون
من ثمرات الإيمان بالقدر الصبر عند نزول المصائب، فالمؤمن بالقدر لا يسيطر عليه الجزع، والفزع، ولا يستبد به السخط والهلع، بل يستقبل مصائب الدهر بثبات، كثبات الجبال فقد استقر في اعماقه، قول الله تعالى:"مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ" (الحديد: 22 ـ 23) (1).
فالإيمان بالقدر من أعظم الأدوية التي تعين المؤمن على الشدائد والمصائب والبلايا، فهذه ثمرة من أعظم ثمرات الإيمان بالقدر (2)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس أفراد الأمة الإسلامية هذا الإيمان ويرشدهم ويعلمهم كيف يتعاملوا مع المصائب والشدائد، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت، فقال للرسول: أرجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى (3).
ففي قوله صلى الله عليه وسلم: إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى: معناه الحث على الصبر والتسليم لقضاء الله تعالى وتقديره أن هذا الذي أخذ منكم كان له لا لكم فلم يأخذ إلا ما هو له، فينبغي أن لا تجزعوا كما لا يجزع من استردت منه وديعة، وقوله صلى الله عليه وسلم :"وله ما أعطى" معناه أن ما وهبه لكم ليس خارجاً عن ملكه بل هو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وكل شيء عنده بأجل مسمى" معناه: أصبروا ولا تجزعوا فإن كل من يأت قد انقضى أجله المسمى فمحال تقدمه أو تأخره عنه، فإذا علمتم هذا كله فأصبروا واحتسبوا ما نزل بكم والله أعلم، وهذا الحديث من قواعد الإسلام المشتملة على جمل من أصول الدين وفروعه والآداب (4) والمراد بأصول الدين هنا الإيمان بالقضاء والقدر (5).
ومن الأذكار التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة قوله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (6). وفي الحديث استحباب هذا الذكر عقب الصلوات، لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد ونسبة الأفعال إلى الله والمنع والإعطاء وتمام القدرة (7).
والمسلم يرضى ويسلم ويسلي نفسه بالصبر الجميل عند نزول المصائب، قال عز وجل: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" (البقرة: 155 ـ 157) .
وتعلم الصحابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء العظيم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً" .
قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟
فقال: "بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها" (.
---------------------------------------------
مراجع الحلقة الرابعة والخمسون:
() الإيمان بالقدر، للقرضاوي ص 91.
(2) الإيمان بالقدر، محمد حسان ص 250.
(3) البخاري رقم 6228، مسلم 923.
(4) شرح صحيح مسلم، للنووي (6/ 224 ـ 225) .
(5) المباحث العقدية المتعلقة بالأذكار (2/ 816) .
(6) البخاري رقم 844، مسلم رقم 593.
(7) فتح الباري (2/ 332 ـ 333) .
( سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 383) ، رقم 199.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الإيمان بالقدر في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: