الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج1)

(كفاح الشعب الجزائري بعد الأمير عبد القادر)

الحلقة: السادسة والستون

بقلم: د. علي محمد الصلابي

ربيع الآخر 1442 ه/ ديسمبر 2020

 

أ ـ ثورة الزعاطشة:

بعد سنتين من توقف ثورة الأمير عبد القادر، اندلعت ثورة الزعاطشة، وهي واحة بمنطقة الزاب الظهراوي (35 كيلو) جنوب غربي بسكرة، قادها بوزيان شيخ الطريقة الدرقاوية بالزيبان، الذي عمل في دولة الأمير كشيخ على سكان الزاب الظهراوي، بدأت الثورة بتذمر القرويين من الضرائب الباهظة ؛ التي فرضها الفرنسيون على كل نخلة، وأيدهم الشيخ بوزيان، وتوجه الجيش الفرنسي فاعتقله، فهب الناس وافتكوه من معتقله بالقوة، وانفجرت عند ذاك الثورة واستمرت المعارك بين فرنسا والثوار، وحشدت فرنسا قوات هائلة في (12/11/1849م) وبدأت معركة سيدي مرازي، وراحت القوات تقذف جدران القرية بالمدفعية، لفتح ثغرات في سورها تمكنهم من الدخول ومهاجمة منزل الشيخ بوزيان ومساعديه، مثل بو عزوز والحاج موسى والشريف بو عمار، واستمر هذا القصف حتى منتصف نهار (26/11) حيث اقتحمت الجيوش الفرنسية القرية داراً داراً وزقاقاً زقاقاً في حرب شوارع شبيهة بحرب شوارع قسنطينة لدى سقوطها سنة (1837م)، ودافع الشيخ بوزيان وابنه ورفيقه الحاج موسى بشجاعة، وسقطوا شهداء برصاص العدو، وقذائف مدافعه، وجز الفرنسيون رؤوسهم وعلقوها على أبواب مدينة بسكرة عدة أيام، وتكبد الفرنسيون (1500) بين قتيل وجريح.

وقد قامت قوات الجنرال هيبربيون بارتكاب فظائع مرعبة، فدمرت المدينة، وقطعت عشرة الاف نخلة هي كل ما يملك سكانها، ودمرت كل منازلها، وشنقت (500،1) مواطن أمام الملأ، ووسط خرائب البيوت، وأرغموا من بقي من السكان على الهجرة إلى جهات أخرى حددوها، ليعملوا بالسخرة في حظائر العمل التابعة للكولون.

وقد روى المؤرخ بوديكور: هنا جندي قطع ثدي امرأة راحت تتوسل إليه بأن ينهي حياتها، وهناك جندي آخر حمل طفلاً صغيراً من رجليه وحطم رأسه على جدار فخرج رأسه من جمجمته، هنا وهناك كانت مناظر مخزية يخجل أي شريف من سردها، لقد تركت هذه الثورة دوياً كبيراً في الداخل، فالأعمال البربرية هذه لم تكن ضرورية، وهي من شأنها أن تثير الذعر بين الناس، ولكنها تغرس الكراهية في نفوسهم ضد المستعمرين وتلد ثورات أخرى.

قال بيليبسييه دو ريينو: إنني لا أخشى أن أقول إن مجد المهزومين يُشحب لون وجه المنتصرين.

ب ـ ثورة بو بغلة ولالة فاطمة نسومر:

قرر الفرنسيون إخضاع منطقة القبايل والشمال القسنطيني، فقد بقيت منطقة الجبال غير خاضعة للاحتلال، وهي الممتدة من متيجة غرباً وحتى وادي الصفصاف، ومن البحر شمالاً وحتى السهول المرتفعة لمجانة وسطيف جنوباً.

في يوم (9/5/1851م) توجه الجنرال سانت أرنو من ميلة على رأس جيش قوامه (8700) جندي، فوصل جيجل يوم (16) وتقدم حتى الوادي الكبير، واصطدم بمقاومة كبيرة، لكنه تمكن من التقدم نحو القل، وأخضعت القبائل بين القل وجيجل (مايو ـ يوليو) ثم سلك طريق بجاية سطيف ودمر وأحرق قرى أربعين قبيلة، وكتب لزوجته يفتخر بأنه أحرق بنفسه (100) منزل مغطى بالقرميد، وقطع أكثر من ألف شجرة زيتون، وتصور أنه أخضع المنطقة نهائياً، لكنه ما إن عادت قبائل نواحي القل وجيجل للثورة، قرر الجنرال هوتبول إخضاع القبائل الكبرى والقبائل الصغرى، وبدأ بالكبرى حيث دشرات زواوة ووادي سباو.

وظهر الثائر الشريف محمد بن عبد الله المشهور ببو بغلة سنة (1851م)، ودعا الناس إلى الجهاد واستجاب المواطنون له في تلك المناطق، وكانت لالة فاطمة نسومر إلى جانب بو بغلة، وواجه الثوار جيشاً بقيادة الجنرالين راندون وماكماهون، وخاضوا معه معركة ضخمة في هضبة تيميزغيدة.

وفشل العقيد دوريل في محاصرته، وفي أبريل نيسان سار جيش كبير على رأس جنرالين هما كامو وبوسكيه غربي واد ساحل، وعاقبا القرى التي استقبلت الشريف، وكتبت صحيفة «مونيتور»: كل قرى أورلزقان نهبت وأحرقت وتركت شوارعها مزروعة بجثث الناس والمواشي.

كان بو بغلة مدعوماً في زواوة بقبائل المعاكطة والقتشولة وبني عيسى والفيليسة، وطارده الجنرال جوني نحو الشرق في اتجاه وادي سباو، فأحرق ثلاثين قرية، وتوجه العقيد بورياكي نحو قرى بني كوفي فدمرها، وهاجم قبائل فليسة (نوفمبر 1851م). واستمر الشريف بو بغلة في كر وفر مع جيوش العدو. ويبرر الجنرال روندون التدمير فيقول: لابد أن نترك على الأرض اثاراً لانتصارنا بواسطة تدمير جزء من ثروة الذين هزمناهم.

ج ـ ثورة الشريف محمد بن عبد الله بورقلة:

ظهرت ثورة الشريف محمد بن عبد الله بالأغواط، وامتدت حتى ورقلة، وتقرت، ووادي سوف، في أوائل (1851م)، وقد سبق للشريف محمد أن اختلف مع الأمير عبد القادر وهاجر للمشرق حيث قضى هناك ثلاث سنوات، ثم عاد إلى الجزائر مؤمناً بضرورة استئناف مهمة الأمير عبد القادر وقيادة الجهاد لتحرير الجزائر من الغزاة، دخل طرابلس، ومنها إلى غدامس، ثم تقرت، وقصد زاوية الرويسان قرب ورقلة، ونادى بالثورة واستجابت له الجماهير، واتخذ الأغواط قاعدة له، ثم راح يشن هجماته على مراكز الفرنسيين بالتل.

قاد الجنرال روندون جيشاً وتوجه إلى الأغواط، وانسحب الشريف وانتقم الفرنسيون من النساء والأطفال، وفعلوا ما فعلوه في واحة الزعاطشة فأحرقوا المنازل ودمروا كل شيء.

وقد روى العقيد تروملي: كانت مذبحة مرعبة اختلطت فيها جثث النساء والأطفال بجثث الحيونات، وأحرقت الجثث ورميت في الابار، ويعتبر الذي قمنا به عاراً ما بعده عار، لقد اشتكى بعض المطعونين بالسيوف بأن هذه لم تكن حادة فتقتل على الفور بل تركتهم يتعذبون.

ويروي الكاتب والرسام فرومنتان أوجين: لقد روى لي ملازم شارك في مجزرة الأغواط ما حدث لامرأتين شابتين، شاهدهما بعد أن اغتصبهما الجنود وقتلوهما بالحربة، كانتا جثتين لا تحملان حلياً: لا أقراط بالاذان، ولا خلاخيل بالأرجل، ولا مشابك، كانتا عاديتين تقريباً، واستمرت الطيور الجارحة تحلق فوق المدينة مدة شهر كامل، أما الحمام فقد هاجر منها.

واستمرت المعارك سجالاً بين الشريف وبين العدو، فكان يجمع الأنصار فيهاجم مراكز العدو، وكلما اشتد عليه ضغط العدو انسحب إلى الصحراء، واستمر يقاتل إلى أن اشتد الضغط عليه فاختفى، وسجنه سنة (1861م) الباشاغا بو بكر بن حمزة ولد سيدي الشيخ وسلمه للفرنسيين الذين سجنوه، لكنه تمكن من الفرار من السجن، ليظهره مرة أخرى كثائر بعد اندلاع ثورة أولاد سيدي الشيخ سنة (1864م) فانضم لها، وجاهد مع قادتها إلى أن اختلف معهم فانسحب إلى تونس.

د ـ ثورة الصبايحية وقبيلة النمامشة:

ظهر الثائر الشريف محمد بن عبد الله مرة أخرى في ثورة الصبايحية في ناحية سوق أهراس.

والصبايحية وحدات من الجزائريين في الجيش الفرنسي التي انضمت مع الثوار، وشارك الشريف محمد مع رفاقه القدامى، فاتصل بابن ناصر بن شهرة في تقرت، ومحمد بن التومي المعروف بابن شوشه في ورقلة، ووثق صلاته بأولاد خليفة، الثائرين في ناحية تبسة، وبمحيي الدين ابن الأمير عبد القادر الذي قدم خفية إلى طرابلس عبر نقطة نفزاوة ليتزعم الثورة في الحدود الشرقية.

كانت ثورة الصبايحية سببها قيام الجنود الجزائريين بالتمرد في شرق البلاد في أواخر سبتمبر عام (1870م)، وذلك عندما حاولت فرنسا أن تنقلهم إلى أوروبا، لمحاربة الألمان في بروسيا، وقد قامت السلطات الفرنسية بإصدار أحكام الإعدام ضد البعض من الجنود، ونفذتها بالساحة العامة بمدينة سوق أهراس، وصادرت أملاك وأراضي سبعة دواوير، وأخذت عشرات المواطنين كرهائن.

واشترك الشريف محمد مع ثوار قبيلة النمامشة يوم (10/9/1871م) في مهاجمة واحة ليانه بالزاب الشرقي، وقاد معارك ضد فرنسا، وقويت حركته، وعندما اندلعت ثورة محمد المقراني سنة (1871م) كان يمثل جناحها الشرقي، واستمر داعماً لها إلى أن فشلت، فغادر معسكره يوم (12/10/1871م) إلى مدينة الكاف التونسية، فاعتقله باي تونس وسجنه وتوفي هذا الثائر الكبير الشريف محمد عبد الله في الجنوب التونسي سنة (1895م) ودفن في قرية دوز التونسية.

وفي (1875م) احتل الجنرال راندون قمم تيروردة وبنت ايت يحيى والأربعاء ناث إيراثن، وأمر ببناء قلاع بها، بهدف عزل القبائل بينها وبين بعضها، وهي قبائل: ايت يحيى وايت إيراثن، بني مقلات وبني يني، بعد أن اكتشفوا أن قوة الثورة تكمن في ارتباط القبائل بعضها ببعض، لقد احتل الفرنسيون المناطق الوعرة بحرب شرسة، سقط فيها المئات من الجنود الفرنسيين، واستمر السكان يقاومون الغزو بالقنص من وراء الصخور.

وبعد معاناة كبيرة من هذه الحرب غير المتكافئة وغير الشريفة، المؤسسة على الإفقار والتدمير ؛ اضطرت كثير من القبائل إلى طلب الأمان.

ه ـ أسر لالة فاطمة نسومر وكفاح النساء:

استطاع المحتلون أسر المجاهدة الكبيرة لالة فاطمة نسومر يوم (11/7/1857م) وبأسرها انتهت المقاومة، وهي ابنة محمد بن عيسى مقدم زاوية الشيخ أحمد أمزيان على الطريقة الرحمانية في ايتسوارع دوار يللتن في بلدية عين الحمام، ولدت في هذه القرية سنة (1830م) وأخذت عن أخيها الطاهر، الساكن في قرية نسومر التي نسبت إليها، ولما قامت ثورة بو بغلة سنة (1851م) تطوعت لالا فاطمة لخوض الحرب مع المجاهدين، وسرعان ما انتشر اسمها كبطلة شجاعة، فقرر الجيش الفرنسي توجيه حملة للقضاء عليها وعلى بو بغلة، لتأثيرها هي على الخصوص في المجاهدين، لكن لالة فاطمة تمكنت من اعتراض طريق الجيش الفرنسي في الأربعاء بمهاجمتها لمراكزه وإلحاق خسائر كبيرة به.

فقرر الحاكم العام توجيه حملة كبرى للقضاء عليها وعلى بو بغلة، بقيادة الجنرال روندون والمارشال ماكماهون والجنرال جوزيف في جيش ضخم، ودارت معركة بين الطرفين يوم 10/7/1857م في أعراش إيتسوراع ويللتن، ولما اشتدت المعركة خشيت لالة فاطمة على النساء والأطفال والأموال، فأخذتهم إلى قرية الخميس قرب ربوة تمزغيدة ؛ مما أوقعها في الأسر هي ومن معها من الأطفال والنساء اللاتي كان عددهن (200) امرأة. لقد أدت لالة فاطمة دوراً عظيماً في الثورة الكبيرة التي استمرت من سنة (1851م) وحتى (1857) وتوفيت في سبتمبر سنة (1863م) ببني سليمان حيث دفنت.

لقد لعبت المرأة الريفية دوراً مباشراً في الصمود، يروي الضباط الفرنسيون أنه: كنا نسأل القبائل لماذا أنتم مصرون على الدفاع عن القرى ضد جيش يقوده جو؟ فيجيبوننا: كنا مستعدين للاستسلام أمام هذه القوات الضخمة، لكن نساءنا كنّ يرفضن ذلك ويهددن بأنهن سيهجرننا إلى الأبد إذا لم نستمر في الدفاع

و ـ ثورة الصادق بلحاج:

أخضع الفرنسيون بلاد القبائل لكن الثورات استمرت في سائر أنحاء عمالة قسنطينة، وذلك في السنتين التاليتين (1858م ـ 1860م) وبخاصة منطقة الجنوب، فبعد إخضاع منطقة القبائل قرر الفرنسيون إخضاع بقية العمالة، وتوجهوا بجيوشهم إلى الجنوب، وتصدى لهم عدد كبير من روساء القبائل، أهمهم الصادق بلحاج الذي ينتمي إلى أولاد سيدي منصور، شيخ أولاد أيوب في جبل أحمر خدو بسفوح الأوراس ؛ الذي سبق له أن شارك في ثورة سكان الزعاطشة سنة (1849م) إلى جانب الشيخ عبد الحفيظ مقدم الطريقة الرحمانية بخنقة سيدي ناجي مساندة للشيخ بوزيان وسكان الواحة.

استمرت ثورة الصادق بلحاج تعدّ الناس في السر حتى (نوفمبر 1858م)، حيث أدركت القيادة الفرنسية خطورتها، فقررت ضربها قبل استفحالها، واستطاعت فرنسا إخماد الثورة بواسطة قوات من المرتزقة الجزائريين، العارفين بوديان ومسالك المنطقة، بقيادة القائد موهوب بن شنوف، وتمكنت من اعتراض الثوار في وادي العرب يوم (20/1/1859م)، فاعتقلت قائد الثوار وأكثر من ثمانين من رفاقه، وعلى إثر إخماد الثورة قام الفرنسيون كعادتهم بحرق القرى وقتل النساء والأطفال.

كانت لثورة الصادق بلحاج في بسكرة والخنقة والأوراس تأثيرها الكبير على قبائل المنطقة، فبعد أشهر في («مارس» اذار سنة 1860م) ظهرت بالحفنة ثورة بوخنتاش.

ز ـ ثورة محمد بوخنتاش الباركتي:

هو من أولاد رحاب دعا الناس للثورة، فتجمع الناس حوله، وساعد الثائر في تجميع الناس أحمد باي المنصوري والعربي قايد أولاد سحنون، وانضم إليهم أولاد زميرة وأولاد منصور، وامتدت الثورة لتشمل المنطقة الجبلية الممتدة من سطيف والحفنة. تمكن القادة من جمع (800) مقاتل وتمركزوا بهم في واد ذراع البيضاء، وقام الخائن بيبي من أولاد عمر بإبلاغ الفرنسيين في باتنة بمواقع قوات بوخنتاش ورفاقه.

فتحركت عدة جيوش فرنسية، فتوجه الكولونيل بان إلى بريكة، وتوجه الجنرال نيس دوماريست من سطيف على رأس قوات أخرى عسكر بها في شجرة أوادا، والتحم الفريقان في معركة كبيرة صباح يوم (25/3/1860م) في خنق أم الحمام، وسقط من الطرفين العديد من القتلى والجرحى، لكن الفرنسيين تمكنوا من تخريب معسكر بوخنتاش، وتقتيل أهالي سكان أولاد عمر وأنصارهم وأرغموهم على تسليم بوخنتاش في نفس اليوم ومساعده أحمد باي المنصوري إلى الجنرال نيم دوماريست، أما العربي فاستشهد في المعركة.

وتصدى الشعب الجزائري لاستغلال الفرنسيين لغابات الفلين، فثارت في سنة (1858م) قبائل ميلة، وأضرمت النار في عشرات الالاف من هكتارات الفلين حتى تحرم شركة فرنسية قررت استغلالها، ثارت قبائل زواغة بالوادي الكبير، وامتدت ثورتها إلى شرقي جيجل، وأرسل جيش فرنسي كبير دخل في معارك مع الثوار الذين لم يصمدوا أمام قوته وذلك سنة (1860م) .

ح ـ ثورة أولاد سيدي الشيخ:

انتشرت ثورة أولاد سيدي الشيخ وامتدت لتشمل سائر الصحراء، وتتوغل أحياناً إلى مناطق في الشمال والشرق والغرب، لقد كانت فعلاً ملحمة ثورية امتدت من (1864م) وحتى (1884م) ولدى اندلاعها صرح المارشال ماكماهون: ليكن في علمهم أنه بمجرد إشارة من الإمبراطور ستجند فرنسا (000،800) جندي، وقد قاد هذه الثورة سلسلة من القادة: سي لاله، وابن أخيه سليمان بن حمزة بن سيدي الشيخ، وأخوة أحمد ومحمد، وابن أخيهم الأعلى، وبوعمامة. ويتصل نسب أولاد سيدي الشيخ بالخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان لهم شأن دائماً.

وتعتبر قرية الأبيض سيدي الشيخ مركزهم الرئيسي، ومقر زاوية زعيمهم الأول عبد القادر بن محمد الملقب بسيدي الشيخ، والمتوفى في بداية القرن السابع عشر الميلادي.

وفي الوقت الذي عمت فيه الثورة منطقة جنوب وهران على يد أولاد سيدي الشيخ قامت ثورة في فليتة بجبال الونشريس وحوض الشلف، بقيادة الشيخ الأزرق بن الحاج المنتسب إلى الطريقة القادرية، وانضم للثورة (64) دوارا. وفي يوم (24/4/1864م) خاض هذا الثائر معركة في خنقة العازر ضد جيش بقيادة الجنرال مارتينو، كما خاض معارك في زمورة بالشلف، ورجع لفليتة، فوثق الصلة مع ثوار أولاد سيدي الشيخ، وصارت مدينة غيلزان تحت رحمة الثوار، واضطر الفرنسيون إلى إخلاء سائر قرى الأوروبيين، بين غيلزان وواد رهيو، وفر الأوروبيون ولجؤوا إلى مستغانم، وتمكن الشيخ الأزرق من تدمير معسكر الرحوية يوم (20/5/1864م) وواصل هذا البطل جهاده، إلى أن استشهد في معركة ظهرة عبد الله يوم (8/6/1864م) قادها من الطرف الفرنسي الجنرال روز الذي كلف بملاحقته في فليتة.

ط ـ ثورة بوشوشة: محمد بن تومي بوشوشة:

كان هذا القائد العملاق من الرجال الجزائريين الذين تعاونوا مع ثوار أولاد سيدي الشيخ، ومن المؤسسين لحركة الطوارق في الصحراء الذين قرروا حمل السلاح ضد الاستعمار الفرنسي، وفي شهر أبريل من عام (1870م) هاجم بوشوشة مدينة القليعة، واستولى في (5 ماي 1870م) على مدينة متليلي بعد حصار دام عدة أيام، وابتداء من هذا التاريخ أصبح بوشوشة هو قائد المقاومة الجزائرية في الجبهة الجنوبية بصحراء الجزائر، وفي أواخر سنة (1870م) انتقل من مركزه بعين صالح إلى واحة الرويسان قرب ورقلة، ثم اتجه إلى وادي سوف. وفي (5 مارس 1871م) هاجم حامية ورقلة فهزمها، واستولى عليها بمساعدة أنصاره الكثيرين الموجودين داخلها، وعين ابن ناصر بن شهرة خليفة عليها، لكي تكون قاعدة للثورة. وفي (13 ماي) من نفس السنة قام بمهاجمة توقرت وانتصر على القوات الفرنسية المرابطة فيها، إلا أن القوات الفرنسية تمكنت يوم (27 ديسمبر 1871م) من شن هجوم كبير على مدينة توقرت، ثم احتلت من جديد مدينة ورقلة يوم (2 جانقي 1872م) وذلك بعد معركة عسكرية بقيادة الجنرال «وولاكروا» ضد حاكمها بوشوشة.

واستأنف هذا الأخير حرب العصابات ضد القوات الفرنسية في المنيعة، وحارب إلى أن وقع في الأسر في معارك (1874م)، فاقتيد إلى ورقلة عاصمته الأولى في بداية ثورته، ثم نقل إلى سجن قسنطينة، حيث قدم إلى المحاكمة فصدر الحكم عليه بالاعدام الذي نفذ فيه بتاريخ (29 جوان 1875م) بمعسكر الزيتون بقسنطينة.

ي ـ ثورات المقراني والشيخ الحداد وبومزراق:

عندما تدهورت الأوضاع بشرق الجزائر طلب الشيخ محمد المقراني من السلطات الفرنسية أن تقبل استقالته من منصبه بصفته باشاغا ؛ لأنه لا يرغب في أن يعمل مع السلطات الفرنسية، لكن السلطات الفرنسية رفضت طلب استقالته يوم (9 مارس 1871م) فقام بمحاصرة مدينة بوعريج، إلا أن القوات الفرنسية تمكنت من فك الحصار عن المدينة يوم (26/3/1871م). وفي يوم (8 أبريل 1871م) انضم إلى المقراني الشيخ الحداد، ودارت معركة كبيرة بين القوات الفرنسية وقوات الثوار يوم (12 أبريل 1871م) قرب جبل تفارست، وفي معركة أخرى يوم (5 ماي 1871م) واجهت قوات الشيخ المقراني قوات الكولونيل «تروملي» الذي كان يحكم سور الغزلان، وعندما خف الاقتتال، اغتنم المقراني الفرصة لأداء صلاة الظهر مع رفاقه، وبينما كان يؤدي فريضة الصلاة فاجأه جنود الزواف الذين كانوا يراقبون الثوار من بعيد فأصابوه في جبهته، وسقط شهيداً مع ثلاثة من رفقائه، وقد تم نقل جثمانه إلى قلعة بني عباس، ودفن في مسقط رأسه، أما الشيخ الحداد الذي انضم إلى الشيخ المقراني يوم (8 أبريل 1871م) والذي استقر أجداده في قرية صدوق منذ القرن الخامس عشر الميلادي، فقد استطاع أن يشكل جيشاً جزائرياً يتكون من (120000) مجاهد، بينما جيش المقراني لم يكن يتجاوز (25000) مجاهد، وخاض معارك طاحنة ضد الجيش الفرنسي، بحيث أحدث هلعاً كبيراً في الأوساط العسكرية.

لكن الشيخ الحداد الذي تمكن أنصاره من التطوع للجهاد في مناطق كبيرة من البلاد، لم يتمكن من جمع السلاح الضروري لخوض معارك حاسمة ضد قوات الاحتلال، وبذلك فشلت خطة الحداد لإيقاف الزحف الفرنسي في جبال القبائل، وتمكن الجنرال لالمان الفرنسي يوم (24 جوان 1871م) من تشتيت العائلات، وحرق المنازل، وإجهاض حركة المقاومة الجزائرية، كما تمكن نفس الجنرال من اعتقال أبناء الشيخ محمد أمزيان الحداد، ثم اعتقال الشيخ الحداد نفسه بعد عشرة أيام، وأرسلته القوات الفرنسية إلى بجاية، حيث وضع في قلعة «بارال». وكان لاستسلام الحداد أثره الكبير على معنويات القائد أحمد بومزراق شقيق الباشاغا محمد المقراني، الذي ثار على الفرنسيين بناحية سور الغزلان، وقد حاول بومزراق أن يخلق الانسجام بينه وبين قادة الأخوة الدحمانيين، لكنه لم يوفق . وفي يوم ( 8 أكتوبر 1871م ) خاض بومزراق معركة فاصلة ضد قوات الجنرال الفرنسي «سوسي» بجوار قلعة بني حماد بناحية بجاية، انتهت بتغلب الفرنسيين على قواته، وبعد ذلك اتجه إلى ورقلة، والتقى بالقائد بوشوشة وابن شهرة والزبير ولد سيدي الشيخ.

وعندما أدرك أنه غير قادر على مواجهة القوات الفرنسية بقواته المتواضعة، حاول أن يجد مكاناً امناً يلتجأئ إليه في الصحراء تاه هناك، واكتشفته دورية فرنسية يوم (20 جانفي 1871م) أمام بركة ماء، قرب واحة الرويسات في حالة إغماء، فحملته القوات الفرنسية إلى معسكر الجنرال «دولاكروا» بالرويسات، فتم التعرف عليه وإسعافه، ثم أرسل إلى السجن في كاليدونيا الجديدة حيث بقي هناك قرابة (30) سنة إلى أن وافته المنية هناك.

وانتشر الكولون المسلحون يقتلون الأهالي العزل بلا تمييز أمام أعين جنرالات الجيش الفرنسي، وكتب المؤرخ الفرنسي ألفريد رامبوا «عشرين سنة فيما بعد» فقال: لقد ارتكبت فظائع من الجيش النظامي ومن غير النظاميين، ففي يوم (22 أبريل)، أعدم تسعة من الأهالي في العلمة على أساس شهادة كولون واحد، وفي الغد أوقفت قوة عسكرية القايد لكحل وأهله، وهم يقدمون للطابور العسكري البغال المسخرة، فقام الجنود بقتلهم بالضرب بأعقاب البنادق وفي (23 مايو) قرب مسلوك هاجم خيالة الجيش الفرنسي أُسراً من أولاد قاسم، كانت تحصد الشعير فقطعوا رؤوسهم رجالاً وأطفالاً ونساء، وعددهم ستون.

ويصرح الأميرال جيدون: عندما يثور الأهالي، معنى هذا أنهم أغنياء، وإفقارهم هو الوسيلة الوحيدة لنشر الأمن.وطبق قول الأميرال فصودرت أراضي سائر القبائل الثائرة والمقدرة (000،574 هكتار)، ويقدرها أوغستين برنار بمليونين وستمئة ألف هكتار، ومُلّكت للكولون.

وصرح النقيب فيلو أمام لجنة التحقيق: إن قانون العنف سينزل ثقيلاً على رؤوسنا، فلابد أن نطبق أحد الأمرين: إما أن نبيد العرب، أو نكون عادلين معهم. إذا قررنا تركهم يعيشون فلا ينبغي علينا أن نجردهم مما يملكون، وإذا قررنا تجريدهم من سائر أراضيهم، فأنا أرى من العبث تركهم أحياء يعيشون إلى جوار أراضيهم التي انتزعناها منهم.

وفرضت غرامات كبيرة على المواطنين الذين شاركوا في الثورة، وصودرت منهم الأراضي ما يعادل نصف مليون هكتار، ومئات الالاف من المواشي، بحيث صُدر من هذه المواشي إلى فرنسا ما بلغ مليون ونصف مليون رأس من البقر، وقام بمهمة الشراء والتقدير المرابون اليهود، وقام الكولون بقتل المئات من المواطنين. ويعجب الدكتور فيتال من أن الكثير من أسرى القبائل الذين حكم عليهم بالإعدام استقبلوا الحكم بفرح وبهجة، وانطلق المداحون في شوارع وقرى ومدن الجزائر وبخاصة في بلاد القبائل، يغنون الأحزان والآلام التي تجمعت عن سياسة القهر والقمع التي مارستها القوة الاستعمارية بعد فشل ثورة المقراني والشيخ الحداد.

وبالرغم من ضعف التخطيط والإعداد لثورة المقراني إلا أنها كانت الحدث الكبير الثاني بعد ثورة الأمير عبد القادر، فبسبب المشاركة الوطنية الواسعة فيها، والخسائر الضخمة التي لحقت بالشعب في الأرواح والممتلكات ؛ تركت اثاراً عميقة في النفس الجزائرية، توارثتها الأجيال لتظهر مستقبلاً في الأحداث.

وانتهت ثورة المقراني واستمر الشعب في ثوراته.

ك ـ ثورة واحة العمري:

جاءت هذه الثورة ضد العائلات الموالية لفرنسا في جنوب البلاد، وقد قاد الثورة ضد فرنسا والموالين لها السيد يحيى بن محمد «من أولاد بوزيد» ضد بولخراص بن قانة، الذي كان متسلطاً على السكان ويعاملهم بخشونة كبيرة وفرنسا تدعمه، وفي صباح يوم (11 أبريل 1871م) نشبت معركة حامية الوطيس بين قوات يحيى بن محمد وجيشه المتكون من (2000) مقاتل وبين فرقة كبيرة من القوات الفرنسية بقيادة الجنرال «كارتيري». وبالرغم من وفاة الزعيم يحيى بن محمد وإصابة داعيته أحمد بن عايش بجروح في اليوم الأول من المعركة، فإن الثوار قد واصلوا الكفاح حتى النهاية. وفي يوم (22 أبريل 1871م) وصلت نجدات فرنسية من قسنطينة ونجدات أخرى من بوسعادة، وفي يوم (24 أبريل 1871م) من تلك السنة التحق الجنرال روكبرون بزميله كارتيري المتواجد في منطقة القتال بواحة العمري، وانذاك قامت القوات الفرنسية بشن هجوم على الثوار يوم (27، 28 أبريل 1871م) واضطر الثوار الذين بقوا على قيد الحياة أن يستسلموا للقوات الفرنسية، ومباشرة بعد الانتصار على الثوار، قام الجنرال كارتيري بإعطاء أوامر بتخريب الواحة كلها، على غرار ما فعله هيربيون بواحة الزعاطشة عام (1849م) .

ل ـ إنتفاضة الأوراس:

وهي في الحقيقة مشابهة لانتفاضة واحة العمري، حيث كان سبب الانتفاضة هو محاربة الموالين لفرنسا، وقد ابتدأت الانتفاضة يوم (30 ماي 1879م) وذلك حين قام أنصار محمد أمزيان عبد الرحمن «المسمى محمد بن عبد الله» باغتيال قايد بني سليمان ثم قائد أولاد داود، وذلك لأنهما كانا يقودان مجموعة من عملاء فرنسا للقضاء على الثوار المناهضين للاحتلال الفرنسي في الأوراس، وتدخلت القوات الفرنسية لضرب الثائرين وإلقاء القبض على عدد كبير منهم، ونظراً لعدم تكافؤ القوة، انسحب الثوار وتوجهوا إلى الصحراء، ومن هناك دخلوا جنوب تونس، لكن الباي التونسي ألقى القبض عليهم، وسلمهم إلى السلطات الفرنسية التي أنشأت مجلساً عسكرياً وحكمت على (14) من قادة ثورة الأوراس بالإعدام و(26) بالأشغال الشاقة (16) بالبراءة.

إلا أن رئيس الجمهورية الفرنسية تدخل يوم (9 نوفمبر 1880م) وخفف الأحكام الخاصة بالإعدام إلى الأشغال الشاقة، وكعادتها قامت فرنسا بمصادرة أراضي هذه القبائل المتمردة عليها بالأوراس، والتي تقدر بـ (777،2 هكتار) وتعد من أخصب الأراضي.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022