من كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة
(بعض صفات المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1442 ه/ يناير 2021
- قال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح:29).
تبدأ الآية الكريمة بإثبات صفة محمد صلى الله عليه وسلم صفته الوضيئة بذلك الأسلوب البديع، وفيها صورة عجيبة يرسمها القرآن الكريم بأسلوبه الجميل، صورة مؤلفة من عدة لقطات لأبرز حالات هذه الجماعة المختارة، حالاتها الظاهرة والمضمرة.
- لقطة تصور حالتهم مع الكفار ومع أنفسهم (أشداء على الكفار رحماء بينهم).
- ولقطة تصور هيئتهم في عبادتهم )تراهم ركعاً سجداً).
- ولقطة تصور قلوبهم وما يشغلها ويجيش بها (يبتغون فضلاً من الله ورضواناً).
- ولقطة تصور أثر العبادة والتوجّه إلى الله في سمتهم وسحنتهم وسماتهم (سيماهم في وجوههم من أثر السجود)، (ذلك مثلهم في التوراة)، وهذه صفتهم فيها.
- ولقطات متتابعة تصورهم كما هم في الإنجيل...(كزرعٍ أخرج شطأه)، (فآزره)، (فاستغلظ)، (فاستوى على سوقه).
وهذه الصورة الوضيئة التي تمثلها هذه اللقطات ليست مستحدثة، إنما هي ثابتة لهم في لوحة القدر، ومن ثمّ فهي قديمة جاء ذكرها في التوراة (ذلك مثلهم في التوراة)، وصفتهم التي عرفهم الله بها في كتاب موسى، وبشّر الأرض بهم قبل أن يجيئوا إليها، (ومثلهم في الإنجيل) وصفتهم في بشارته بمحمد ومن معه، أنهم: (كزرعٍ أخرج شطأه) فهو زرع نام قويّ، يخرج فرخه من قوته وخصوبته، ولكن العود آزر فرخه فشده (فاستغلظ) الزرع، وضخمت ساقه وامتلأت (فاستوى على سوقه) لا معوجاً ولا محنيّاً، ولكن مستقيماً قوياً سوياً. وهذه صورته في ذاته، فأما وقعه في نفوس أهل الخبرة في الزرع العارفين بالنامي منه والذابل، المثمر منه والبائر، فهو وقع البهجة والإعجاب (يعجب الزرّاع).
وأما وقعه في نفوس الكفار فعلى العكس، فهو وقع الغيظ والكمد (ليغيظ بهم الكفار) وتعمد إغاظة الكفار يوحي بأن هذه الزراعة هي زرعة الله، أو زرعة رسوله، وأنهم ستار القدرة وأداة لإغاظة أعداء الله، وهذا المثل كذلك ليس مستحدثاً، فهو ثابت في صفحة القدر، ومن ثمّ ورد ذكره قبل أن يجيء محمد ومن معه إلى هذه الأرض، ثابت في الإنجيل في بشارته بمحمد ومن معه، حين يجيئون.
وتحدث أن الله عز وجل عن المجاهدين في كتبه الثلاثة للتوراة والإنجيل والقرآن، وبيّن بأنّهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله، فاشتراها الله منهم، وجعل ثمن ذلك الجنة، وطريقة التسليم هي الجهاد والقتال في سبيل الله، وعندما يجاهد هؤلاء المؤمنون فسيقتلون بعض الأعداء، ومقابل ذلك سيقتل أناس منهم شهداء، ووعد الله الفريقين من المؤمنين المجاهدين الشهداء والمنتصرين السعداء - الجنة - وهذا وعدٌ قاطع منه ورد في التوراة والإنجيل والقرآن، وإنه منجِزٌ لهم ما وعد؛ لأنه سبحانه لا يخلف الميعاد، وذكر هذه الحقيقة الجهادية في الإنجيل دليل على أن الإنجيل الرباني الأصيل فيه أبعاد وتوجيهات جهادية.
قال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة:111).
إن وعد الله سبحانه وتعالى: بالجنة لمن يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون، ثابت في التوراة والإنجيل والقرآن، كما أن الجهاد في سبيل الله بيعة معقودة بعنق كل مؤمن منذ كانت الرسل، ومنذ كان دين الله.
يمكنكم تحميل كتاب المسيح ابن مريم عليه السلام : الحقيقة الكاملة من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:
http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/626
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
https://alsalabi.com