إضاءة في كتاب
قصة الحوار بين موسى والخضر (معانٍ ودروس وعِبر)
بقلم: د. علي محمد الصَّلاَّبي
هذا الكتيّب يبحث في واحدة من القصص القرآنيّة التي أثبتها ربّنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وهي قصّة موسى مع العبد الصالح الخضر (عليهما السلام)، وهي من القصص الأربع التي ذكرتها سورة الكهف، فذكرت أولاً: قصة أصحاب الكهف، ثم قصة أصحاب الجنتين، ثم قصة موسى والخضر هذه، ثم ختمت بقصة ذي القرنين.
وإن القصص القرآني هو الحقّ والصدق من الله تعالى، فهو ربانيّ المصدر، ولقد وصفه الله تعالى بذلك كما في آيات كثيرة ولقد نقلت القصة القرآنية واقع الإنسان بخيره وشره، بقوته، في أدق صورة وأوضح مثال.
وبما أنّ القصّة القرآنيّة ربانيّة المصدر فإنّها قصص حقّ، وهذا يعني أنّ كلّ ما ورد من وقائع، وشخصيّات وأزمنة، وأمكنة له في عالم الواقع وجود، باعتبارها قصّة تاريخيّة فالصدق فيها صدق واقعيّ، فليس فيها تلفيق، أو اختراع، أو بناء أحداث على أساس من الخيال، وإذا كان فيها من أخبار، أو شخصيّات لم يرد عنها في التّاريخ ما ورد في القرآن الكريم، فإنّ القرآن حجّة على التّاريخ؛ لأنّه تنزيل من حكيم خبير، ولأنه النصّ الدّيني الوحيد الّذي يسلم في تاريخ البشريّة من التحريف والّتزوير.
ومن قصص القرآن، قصة موسى والخضر عليهما السلام، التي وردت في سورة الكهف، تلك السورة التي جاء فيها أربع قصص، لم تتكرر في سورة أخرى من سور القرآن الكريم، وعلى الرغم من تكرار قصة موسى عليه السلام في سور القرآن الكريم، إلا أننا يمكن أن نعتبرها فريدة في سورة الكهف من حيث تناولها للجانب التعليميّ والتربوي والأخلاقي، وتتلمذ موسى عليه السلام على العبد الصالح (الخضر)، أمّا القصص الأخرى فكلّها تدور حول الصراع مع فرعون وأتباعه، وموقف بني إسرائيل من دعوة موسى عليه السلام، ومهمة تبليغهم رسالات ربه.
تحمل قصة موسى والخضر في طيّاتها كثيراً من القيم والأخلاق والفوائد التي يفتقر إلى معرفتها والعمل بها كل مسلم في هذه الدنيا، والتي سنتناول تفاصيلها في هذا الكتيّب، ولكن ربما يكون أبرز عناصرها، قيمة العلم، وفضل المعرفة، بل ما سيقت القصة إلا لأجله كما بيّنت ذلك السنة النبوية.
يعدّ هذا الكتيّب: "قصة الحوار بين موسى والخضر (معانٍ ودروس وعِبر) جزءاً من كتاب "موسى كليم الله (عليه السلام)؛ عدو المستكبرين وقائد المستضعفين"، والذي هو تتمّة لموسوعة أولي العزم من الرسل، الذي أعان الله عزّ وجل على إتمامها، والتي عشت معها سنين عدّة باحثاً، ومتعلّماً، ودارساً في هذه المدرسة الربّانيّة العظيمة.
هذا وقد أُتمّت – بفضل الله- هذه الموسوعة بكتاب: موسى عليه السلام، وهي كالآتي:
- السيرة النبويّة: عرض حقائق وتحليل أحداث.
- عيسى عليه السلام "الحقيقة الكاملة".
- نوح عليه السلام والطوفان العظيم، ميلاد الحضارة الإنسانيّة الثانية.
- إبراهيم عليه السلام "خليل الله، وداعية التوحيد ودين الإسلام، والأسوة الحسنة".
- موسى عليه السلام كليم الله، عدو المستكبرين، وقائد المستضعفين.
أولاً: التعريف بالكتاب وأصله:
الكتاب كما ذكرنا هو جزء من كتاب موسوعي يتحدث عن قصة موسى كليم الله في القرآن الكريم، وقد قسّمت هذا الكتاب إلى ستّة فصول، ومقدمة وخاتمة، واعتمدت في على أهم كتب التفسير والقصص القرآني والروايات التاريخية حول تلك المرحلة من تاريخ الأمة وهي دعوة رسول الله موسى عليه السلام في بني إسرائيل وصراعه مع المستبدين ونصرته للمستضعفين.
وفي المبحث الثالث من الفصل الخامس في الكتاب، جاء الحديث عن قصة موسى (عليه السلام) في سورة الكهف، والحوار بين موسى والعبد الصالح "الخضر" (عليهما السلام)، وبيّنت سبب القصة، وتفاصيلها في كتب السنة، والعلاقة بين العالم والمتعلّم، وأفضليّة موسى عليه السلام على الخضر، وشرحتُ آيات القصة شرحاً مفصّلاً، واستخرجت منها الدروس والعِبر والفوائد والحِكم والسّنن والقيم والأخلاق والأحكام ... إلخ، وأهم المضامين التربويّة وصفات طالب العلم، وخصائص المعلّم القدوة، وآداب المتعلّم، وأجبتُ على الأسئلة المتعلّقة بالخضر عليه السلام، هل هو نبيّ أو وليّ؟
- ويمكن أن نذكر بعض النّتائج والخلاصات الّتي وصل إليها الكتيّب فيما يلي:
- القيمة الأساسية التي تدور حولها أحداث قصة موسى - عليه السلام - مع الخضر وصحبته هي "العلم"
- وطن موسى نفسه على تحمّل التعب الشديد والعناء العظيم في السفر لأجل طلب العلم، وذلك تنبيه على أن المتعلّم لو سافر من المشرق إلى المغرب لطلب مسألة واحدة لحُقَّ له ذلك.
- ذهب موسى لطلب العلم، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، وفي ذلك دليل على البَدْءِ بالأهم فالأهم، فإنَّ علمَ الإنسان وزيادةَ عِلْمِهِ أهمُّ من ترك ذلك أو الاشتغال بالتَّعليم من دون تَزَوُّدٍ من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.
- اجتمع على موسى - عليه السلام - من المشاق في سفره إلى العبد الصالح من المشاق ما يصوّر شدَّةَ صبره وتحمُّله:
- مشقَّة السفر للبحث عن العبد الصالح.
- نسيان الفتى للعلامة مما تسبب في طول السفر وتجاوز المطلوب.
- الرجوع إلى الأثر، وما يرافقه من ملل وضيق الصدر.
- شدّة الجوع وما يصاحبه من تعب ونصب وما يؤثر على عقل الإنسان ونفسيَّته.
- إنّ القصة العظيمة التي جاءت في القرآن الكريم لم تبين شيئاً عن العبد الصالح الذي قابله موسى - عليه السلام - وفتاه سوى أنه عبد من عباد الله، فلم تذكر اسمه أو لقبه أو كنيته أو بلده أو كونه نبياً أو رسولاً أو وَلِيّاً أو ملكاً، أو غير ذلك، سوى أنه عبد لله.
- رحلة موسى - عليه السلام - إلى الخضر في طلب العلم دليل على فضله وسعة علمه، فكلّما ازداد الإنسان علماً ازداد تعظيماً للعلم وحرصاً عليه، وليس بالضرورة أن يكون في ذلك دليل على فضل الخضر على موسى، بل إن إثبات ذلك من الجهل بحال موسى، كما أفاده بعض العلماء.
- إنّ الخضر - عليه السلام - أسّس بعمله هذا (خرق السفينة) قاعدة نفسية من قواعد الفقه وهي: يُختار أخف الضررين لدفع أكبرهما، فيُتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى فهو لم يخرق السفينة ليُغرق أهلها، إنما خرقها؛ ليحدث ضرراً صغيراً ليدفع به ضرراً كبيراً، وهو أخذ الملك الظالم للسفينة غصباً.
- من خصائص المعلم القدوة: أن يكون أولى صفات العالم هي التعبد لله، فيكون علمه في سبيل الله، وأن يقود عمله إلى العبودية بمعناها الشامل؛ أي: عمارة الأرض على مراد الله. وأن يتصف بالرحمة والشفقة واللطف لتربية طلابه، ثم يأتي بعد ذلك التعليم. وأن يكون صاحب منهج واضح ومحدد في أقواله وأفعاله.
- في قصة موسى - عليه السلام - والخضر رسالة واضحة البيان في ألا يمنح الإنسان لنفسه حق الكلمة الأخيرة فيما لا يعلم بواطنه مما يظهر أنه شر لا حكمة تخالطه.
تم الانتهاء من تحرير وتلخيص هذا الكتاب (موسى كليم الله والخضر الرجل الصالح عليهما السلام) يوم الجمعة الموافق لــ 11 ربيع الأول 1444ه/ 7 أكتوبر 2022م في ظل تأملات وقراءات خواطر سورة الكهف ووسط جو إسطنبولي شتوي ممطر.
وإن الفضلُ لله عزّ وجل من قبل ومن بعد، فأسأله سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا العمل قبولاً حسناً، وأن يكرمنا برفقة النبيّين والصّديقين والشهداء والصالحين، ولا يسعُني في مرحلة الانتهاء من هذا الكتاب إلا أن أقف بين يدي الله عزّ وجل بقلبٍ خاشعٍ منيب، معترفاً بفضله وكرمه، ومتبرّئاً من حولي وقوتي، ملتجئاً إليه في كل حركاتي وسكناتي، وحياتي ومماتي، فالله خالقي هو المتفضّل، وهو المكرم، وهو المعين، وهو الموفِّق، فله الحمد على ما منَّ به عليَّ أوَّلاً، وآخراً، وأسأله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يجعل عملي لوجهه خالصاً، ولعباده نافعاً، وأن يثيبني على كلِّ حرفٍ كتبتُه، ويجعله في ميزان حسناتي، وأن يثيب إِخواني الَّذين أعانوني بكلِّ ما يملكون من أجل إِتمام هذا الجهد المتواضع، وأن يَتقبل من أخي الدكتور طالب عبد الجبار الدغيم جهوده المتميزة في نشر العلم والفكر والثقافة، وأن تكون خالصة لوجه الله الكريم، وأشكره على الجهد الذي بذله في الإشراف على هذا الكتاب، ومراجعته، واختصاره، وتحريره، وتدقيقه، حتى خرج بهذا الشكل.
رابط كتاب قصة الحوار بين موسى والخضر (معانٍ ودروس وعِبر) ، متوفر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:
http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/625