(البناء الاجتماعي للطفل المسلم)
من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:
الحلقة: الستون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1443 ه/ أكتوبر 2021
وهو أن يكون الطفل متكيفاً مع وسطه الاجتماعي سواء مع الكبار أو مع الأصدقاء ومن هم في سنه، ليكون فعلاً إيجابياً بعيداً كل البعد عن الانطواء والخجل المقيت، يأخذ ويعطي بأدب واحترام، يبيع ويشتري، ويخالط ويعاشر، ومن خلال التأمل في الأحاديث النبوية، نجد هناك أموراً خصها الرسول صلى الله عليه وسلم في تكوين الطفل اجتماعياً وهي:
ـ اصطحابه إلى مجالس الكبار:
كان الأطفال يحضرون مجالس النبي صلى الله عليه وسلم وكان آبائهم يأخذونهم إلى تلك المجالس الطيبة الطاهرة، ففي أخذ الطفل إلى مجالس الكبار تظهر نواقصه واحتياجه، فيستطيع المربي عند ذلك توجيهه نحو الكمال ويشجعه على الجواب عندما يطرح سؤال فيتكلم بعد استئذان وذلك بكل أدب ووقار، فيتكلم معهم، وينمو عقله وتتهذب نفسه ويتعرف إلى أحاديث الكبار شيئاً فشيئاً فيتهيأ لدخول المجتمع وهكذا يندرج رويداً رويداً(1).
ـ إرسال الطفل لقضاء الحاجات:
وهذا عامل هام في نشوء الطفل اجتماعياً، إذ أن قضاء الحاجات للمنزل أو لأحد الوالدين ذو أثر فعال إيجابي في حياة الطفل، فعال في طفولته إذ هو يتعرف على مجاهيل الحياة، فيشعر بفرح ونشوة المعرفة، وثقة في مواجهة الأمور وفعال في مستقبله إذ يكون قد اكتسب مهارة وخبرة في طفولته التي تمكنه من متابعة حياته بخطى ثابتة مركزة بدون خلل أو اضطراب(2)، ولابد من تدريب الأطفال قضاء حاجات الوالدين ومتطلبات المنزل تنشأ لديهم حاسة جديدة تتعرف مطالب الوالدين قبل أن يفصحا عن طلبهما.
ـ تعويد الطفل سنة السلام:
السلام هو التحية الإسلامية بين المسلمين والطفل يتعرض للقاء الناس على اختلاف مستوياتهم، فهو يحتاج ليتعرف على مفتاح الكلام معهم ونلاحظ أسلوباً لطيفاً من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في غرس سنة السلام في نفس الطفل، عن أنس رضي الله عنه مرّ على صبيان فسلم عليهم وقال: كان رسول الله يفعله(3)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم ويدعو لهم(4).
ـ عيادة الطفل إذا مرض:
مما يساعد على بناء الروابط الاجتماعية للأطفال عيادتهم إذا مرضوا، فعندما يرى الطفل -وهو مازال في مرحلة الفطرة والصفا ـ أن الناس الكبار يأتون إليه فإنه يتعود هذه العادة الحسنة، كما أنها تخفف من آلامه وأسقامه، وإذا دعمت هذه الزيارة بدعوة الطفل للإسلام وتثبيته على الإيمان، والتوبة والمغفرة إلى الله، فإن العيادة توتي أكلها كاملة مثمرة، مضاعفة الأجر، وهذا ما فعله صلى الله عليه وسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: «أسلم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده؟. فقال : أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النار»(5)، وهكذا نجد منه صلى الله عليه وسلم استغلال كل فرصة ليغرس شيئاً في نفس الطفل، وفي كل لقاء يعلمه علماً نافعاً، وفي كل شاهدة يعوده على الخير (6).
ـ اختيار الطفل أصدقاء له من الأطفال:
من السنن الاجتماعية الثابتة بين الناس، الصحبة والصداقة، فمن طبيعة النفس البشرية أن تخالط الناس وتتعرف عليهم وتتخذ من بينهم ثلة تقترب منهم وتعيش معهم حياة الأخوة والمحبة، فإذا أحسن الوالدان اختيار الصديق الصالح لطفلهم فقد فتحا الباب تربوياً في إصلاح هذا الطفل وتنميته واختيار الطفل الصديق الصالح يساعد الابن على طاعة الله وزيادة السلوك الاجتماعي الصحيح.
ـ تعويد الطفل البيع والشراء:
إن اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بتكوين الطفل اجتماعياً واقتصادياً يتجلى في توجيهه لكل ميادين الحياة، وتفاعل الطفل مع الواقع الجديد والمجتمع الجديد الذي ينشأ فيه، فعملية البيع والشراء تكسبه حركة اجتماعية قوية، إذ يتعامل مع أطفال مثله، ويتعود كيفية النشوء في هذه الحياة ويستفيد من وقته في شيء مفيد كما أنها تكسبه الثقة النفسية الاجتماعية ويتحول إلى إنسان سوي يتعلم الجد في الحياة شيئاً فشيئاً بعيداً عن الهزل، ويتعود الأخذ والعطاء ويفهم الحياة فهماً جيداً صحيحاً بعيداً عن الدلال المفرط المقيت الذي يقتل الأطفال أينما وجدوا، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو لهذا الطفل بأن يبارك الله له تجربته وفي صفقته، روى أبو يعلي والطبراني عن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بيع الغلمان أو الصبيان قال: «اللهم بارك له في بيعه»، أو قال: «في صفقته» (7). هذا الطفل الشريف ابن الشريف ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم يبيع ويشتري ولم يخجل من فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بل دعا له، ألا ليت قومي يعلمون (.
ـ حضور الأطفال الحفلات المشروعة والأعراس:
وهذا مكان تجمع آخر يذهب إليه الأطفال فيتعارفون فيه على هذا الحفل الكريم، الذي سيكونون يوماً أحد أعضائه الأساسيين، فيشاهدون الكبار والصغار، ويسمعون الأحاديث الودية والأفراح الجميلة، فتبتهج نفوسهم وتتحرك مشاعرهم، وتصقل اجتماعيتهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاهد الصبيان في حفل الزفاف فيقرهم على مجيئهم وإقبالهم على الحضور، ولا ينكر عليهم ويدعو الحاضرين جميعاً فتشمل دعوته هؤلاء الأطفال (9)، وعن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الصبيان مقبلين ـ قال عبد العزيز حسب أنه قال من عرس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ـ ممتناً فقال: «اللهم أنتم من أحب الناس إليّ، اللهم أنتم من أحب الناس إليّ، اللهم أنتم أحب الناس إلي»، يعني الأنصار(10)، وبهذا تلاحظ اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم في تكوين الطفل اجتماعياً وأخذه إلى التجمعات الاجتماعية وإلى المجالس وإلى أماكن الأفراح كذلك لا بأس من اصطحابه إلى أماكن العزاء (11).
إن عملية البناء الاجتماعي للطفل ركن هام في بناء شخصيته وتقويمها وتهذيبها واستقامتها وأنها تحقق الثقة النفسية الاجتماعية للطفل (12).
مراجع الحلقة الستون:
( ) منهج التربية النبوية للطفل، محمد نور سويد ص: 143.
(2) المصدر نفسه، ص: 145.
(3) المصدر نفسه، ص: 148.
(4) صحيح الجامع رقم 4947.
(5) رواه البخاري، منهج التربية النبوية للطفل، ص: 149.
(6) المصدر نفسه، ص: 149.
(7) رواه أبو يعلي والطبراني، منهج التربية النبوية للطفل، ص: 150.
( منهج التربية النبوية للطفل، ص: 150.
(9) منهج التربية النبوية، ص: 151.
(0 ) رواه البخاري، باب النكاح، منهج التربية النبوية، ص: 151.
(1 ) منهج التربية النبوية، ص: 151.
(2 ) منهج التربية النبوية للطفل، ص: 154.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: